وطنا اليوم – رصد- كتبت امل شحادة في الاندبندنت مقالا حمل العنوان “بعد تحميله مسؤولية حرب غزة… حملة المليون لإقالة نتنياهو” جاء فيه :
في ذروة التوقيع على “عريضة المليون” في إسرائيل، التي تطالب بإقالة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وتحمله مسؤولية تدهور الوضع الأمني ، وتتهمه بتطبيق سياسة تجاه الفلسطينيين تضمن تعزيز حركة “حماس” وإضعاف السلطة الفلسطينية، وجد نتنياهو نفسه أمام اتهام أكثر خطورة يعكس الإخفاق الخطر الذي يتحمل مسؤوليته أسوة بقادة الأجهزة الأمنية، حيث كشفت معلومات جديدة عن وصول مؤشرات للجيش الإسرائيلي و”الشاباك” (جهاز الأمن الداخلي) قبل ساعات عدة من اقتحام أكثر من ألفي عنصر من حركة “حماس” الحدود إلى جنوب إسرائيل، كما أفادت المعلومات بأن نتنياهو نفسه علم بالأمر عند السادسة والنصف من صبيحة السبت الماضي، لكن أحداً لم يفعل شيئاً ولم تصل أول قوة عسكرية وشرطية إلا بعد خمس ساعات.
ووفق ما تناولته مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية عن هذه المعلومات، فإنه في الليلة ما بين الجمعة والسبت الماضيين، أجري بحث هاتفي بمشاركة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي وجنرالات آخرين، تبين أنه سينفذ اعتداء عند الحدود مع غزة، مما استدعى وصول رئيس “الشاباك” رونين بار إلى مقر قيادة جهاز الأمن ليلاً، لكنهم لم يفعلوا شيئاً وتعاملوا مع الأمر كأي حدث آخر محتمل وأخطره تنفيذ عملية اختطاف ولم يتوقعوا ما قد يحدث، كما أبلغوا نتنياهو بالمعلومات، لكنه هو الآخر لم يتحمل أي مسؤولية، على رغم أن سكرتيره العسكري، اللواء آفي غيل، علم بالتفاصيل في وقت مبكر.
وإزاء التحركات الشعبية في إسرائيل التي تحمل رئيس الحكومة المسؤولية، أصدر ديوان رئيس الحكومة بياناً للدفاع عن نتنياهو جاء فيه أن الأخير اطلع على الوضع فقط عند الساعة السادسة والنصف، وبعد ساعة وصل إلى مكتب وزارة الأمن، وأجرى تقييماً للوضع وعقد اجتماعاً للكابينت (الحكومة الأمنية المصغرة).
إلا أن هذا البيان لم يخفف من حدة الانتقادات والغضب الشعبي على نتنياهو، حيث إنه في وقت كان يجري تقييماً للوضع كانت عناصر “حماس” تنفذ عملية طوفان الاقصى وعاد عدد كبير منهم إلى غزة مع أسرى إسرائيليين، دون وصول أي دعم من الجانب الإسرائيلي.
تدهور شعبية نتنياهو
وجاءت هذه التفاصيل لتصعد الاحتجاجات التي تشهدها إسرائيل على مدار الأيام الأخيرة وتبادر إليها عائلات الأسرى والمفقودين، وهو أمر عكس مدى تدهور شعبية نتنياهو، حيث أظهر آخر استطلاع للرأي أنه في حال جرت انتخابات فلن يحصل على أكثر من 19 مقعداً مقابل 41 مقعداً يحصل عليها الزعيم المعارض بيني غانتس، الذي دخل إلى حكومة طوارئ وحدة وطنية، وهو عضو كابينت الحرب.
صفقة تبادل
ميدانياً، صعدت عائلات الأسرى والمفقودين الإسرائيليين نشاطاتها واحتجاجاتها للضغط على الحكومة للتوصل بأسرع وقت إلى صفقة تضمن إعادة أقربائهم من غزة، ودعا البعض إلى الامتناع عن بدء عملية برية في القطاع، خشية أن يؤدي ذلك إلى مقتل أسرى إسرائيليين. ووقعت العائلات على عريضة تطالب فيها الحكومة الإسرائيلية باتخاذ خطوات فورية لتنفيذ مطلبها. وضمن مطلب العائلات تبين أن هناك عائلات تعتبر ذويها مفقودين ولا تعرف أية تفاصيل عنهم.
ومنذ اليوم الأول من حرب غزة يتعرض نتنياهو لانتقادات كثيرة، وهناك من اعتبره مسؤولاً عن تعزيز قدرات “حماس” ومكانتها. واعتبر أكثر من مسؤول سياسي إسرائيلي أن “نتنياهو عاد إلى رئاسة الحكومة في نهاية مارس (آذار) 2009، بعد عقد من الزمن وكانت أولى خطواته تغيير السياسة تجاه الفلسطينيين، بعكس ما اتبعه رئيس الحكومة الأسبق، إيهود أولمرت، فعمل على تعزيز حماس وقطاع غزة وإضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية”.
وقال الباحث في الشؤون الفلسطينية آفي يسسخاروف، “إن نتنياهو وقف وراء صفقة شاليط في عام 2011، حيث أطلقت إسرائيل سراح 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل عودة الجندي المخطوف، ووافق أيضاً على تحويل الأموال من قطر وإدخال مزيد من البضائع، وأخيراً منح تصاريح عمل للعمال الغزيين في إسرائيل. لقد أراد نتنياهو شراء الهدوء، وفي الوقت نفسه تدمير خيار التوصل إلى اتفاق سياسي مع الفلسطينيين”. وأضاف، “نتنياهو هو المسؤول عن تحويل (حماس) إلى وحش إرهابي قام بأخطر موجة قتل في تاريخ إسرائيل. الآن لديه الفرصة لتغيير هذا الاتجاه ووضع حد له. إن اندلاع الحرب، يوم السبت، وأعظم إنجاز عسكري كبير لـ(حماس)، يوفر فرصة لإنهاء حكم الحركة في قطاع غزة”. وتابع “حالياً، يبدو أن نتنياهو وإسرائيل لا يريدان تغيير قواعد اللعبة. لقد أعلن نتنياهو أن إسرائيل ذاهبة إلى الحرب لتدمير القدرات العسكرية لحماس، هذا ليس هدفاً كافياً، هذا هدف سمعناه في الماضي في الجولات السابقة، وسينتهي بـ(أصبنا منظومة صواريخ (حماس) إصابات خطرة”، وبعد أشهر أو سنوات عدة، سنعود إلى جولة عسكرية أخرى، أكثر عنفاً وصعوبة حتى من الجولة الحالية”. وحذر يسسخاروف “طالما أن نتنياهو يلعب هذه اللعبة، فهو يلعب في أيدي المنظمة. السؤال هو ما إذا كان يريد حقاً كسر القواعد وتغيير قواعد اللعبة، أو ما إذا كان ذلك مريحاً له من الناحية السياسية، بالذات، تعزيز التحالف مع الشيطان”.
سياسة فرق تسد
من جهته رأى الباحث السياسي شلومي الدار، أن “قادة إسرائيل فضلوا على مدار سنوات طويلة، رعاية (حماس) أو في الأقل غض النظر عن الأخطار وتأجيل النهاية”. وقال “كان الافتراض أن سياسة فرق تسد في أوساط الفلسطينيين ستخدم مصلحة إسرائيل التي تتمثل بعدم التنازل عن مناطق الضفة الغربية وتم التعامل مع (حماس) تماماً كما مع ياسر عرفات ومحمود عباس. هكذا بالضبط تصرف بنيامين نتنياهو في جميع سنوات حكمه. فخلال سنوات حذرنا وحذر العالم من إيران. لم تكن أية منصة إلا وصرخ من فوقها: (إيران، إيران)، لكنه أعطى (حماس) حبل النجاة، ولم يعمل على تحطيمها وتصفية قادتها، حتى عندما أطلق الصواريخ الأولى على تل أبيب في عمليتي (عمود السحاب) و(الجرف الصامد)، حيث وقف الجيش الإسرائيلي على أبواب مدينة غزة وبدأت المحادثات لوقف النار والتوصل إلى الهدنة، (حماس) كانت عدواً صعباً، لكنها أيضاً كانت شريكة في إضعاف قوة منظمة التحرير الفلسطينية”.
وذهب الباحث الدار إلى أبعد من أن تكون المؤسسة الإسرائيلية مسؤولة فقط عن تعزيز “حماس”. وقال بلهجة استخدمها ايضاً سياسيون ومتخصصون عسكريون “من المؤلم الاعتراف، نحن تربينا على أن الجيش الإسرائيلي، جيش الشعب، هو الجيش الأقوى بين جيوش العالم، أو في الأقل بين جيوش الشرق الأوسط، ولكن الجيش الإسرائيلي في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 هو جيش متعب. هناك من اهتم بإضعافه وإفساده وإبعاده عن المعركة الحقيقية وعن الأخطار الكبيرة التي وقفت أمامه. كان هناك من أعتقد أنه يمكن تحويله إلى قوة شرطية للدفاع عن المستوطنين”.
وتوجه المتحدث ذاته إلى متخذي القرار قائلاً “قبل الغرق مرة أخرى في وحل غزة والاستمرار في إحصاء مزيد من القتلى، ربما من الجدير البدء في إعادة ترميم الجيش الإسرائيلي وبناء استعداده وتقدير قدراته، وأيضاً تغيير عقيدته الحربية قبل تدمير (حماس)، إذا كان هذا أمراً ممكناً. وعلى فرض أننا سننجح في ذلك، يجب التفكير أيضاً باليوم التالي، اليوم الذي فيه سنسأل أنفسنا: ماذا بعد؟ ما الذي سنفعله مع مليوني فقير يجب الاهتمام بإعالتهم وتجنب عداوتهم؟”.
وتطرق أيضاً إلى موضوع الأسرى والمخطوفين إزاء الحملة الواسعة التي تشهدها إسرائيل، “هناك أيضاً موضوع المخطوفين. من الخطأ التفكير أنه سيكون بالإمكان تحريرهم معافين وسالمين إذا قمنا بتدمير كل الأبراج السكنية في غزة، وإذا قمنا بخنق القطاع اقتصادياً. ومن يقول ذلك فهو مضلل ويبعث على الأمل الكاذب في أوساط عائلات المخطوفين. هنا أيضاً يجب الاستيقاظ وفهم الواقع: (حماس) و(الجهاد الإسلامي) لن تطلقا سراح أي مخطوف ما لم يتم إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. رأس مقابل رؤوس، هذه هي المعادلة. انظروا إلى حالة جلعاد شليط. وكما قلنا، لا يوجد أي شخص في إسرائيل لا يريد القضاء على (حماس)، الآن وعلى الفور، ولكن من الجدير في هذه المرة استخدام المنطق الذي فقدناه منذ زمن. فلـ(حماس) آلاف الجنود المليئين بالدافعية والأيديولوجيا الدينية والقومية، والذين محفز الشهادة متأجج في داخلهم، (حماس) ليست فقط قيادة سياسية وعسكرية، بل هي أيضاً قيادة أيديولوجية ودينية، ولديها مئات آلاف المؤيدين الذين هم على استعداد للتضحية بأنفسهم من أجل غزة وباسم الله”.