إيرينى سعيد
بتكليف من رئيس التحرير، تابعت بجدية انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016، والتى أجريت بين دونالد ترامب الجمهورى والمرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، ووقتها شهدت كم يذكر من المفارقات والتناقضات، أبرزها على الأرجح، التناقض الواضح بين نتائج استطلاعات الرأى التى رجحت كفة كلينتون، والنتائج النهائية للانتخابات التى مكنت ترامب من الحكم، حتى المناظرات بين المرشحين، فافتقرت لأى ملمح من ملامح النضج السياسي، وكل ما جاء فيها شمل سرداً لعيوب وتصيدا لأخطاء، معظمها تعلق بالنواحى الأخلاقية والاجتماعية، أما نقاط الضعف التى سعى المرشحان لاستغلالها، فابتعدت عن الحنكة السياسية، وتبلورت فى شكل فج، أضاع رقى المناظرة ومتعة مشاهدتها، ولم يتطرق أيا من المرشحين، لبرنامج أوحتى رؤية سياسية من شأنها إيضاح الصورة بخصوص مستقبل الولايات المتحدة أو حلمها، أوعلى الأقل مساعدة الناخب الأمريكى فيما يخص انتقاء مرشحه.
يتطور الأمر، ولم يتوقف على هذا النحو، لتواكب استعدادات انتخابات 2020، مناظرة بين ترامب الجمهورى ومنافسه جو بايدن الديمقراطى، اعتبرت الأسوأ فى تاريخ المناظرات الأمريكية، لما سجلته من مداخلات بين المرشحين وصلت إلى حد الشتائم والسباب، مع التراشق بالإتهامات والفضائح، وساهمت فيه من استياء ملايين الأمريكيين، والمتوقع لهم أن ينصرفوا عن متابعة المناظرتين القادمتين والمقررتين أيضا بين ترامب وبايدن، قبيل الانتخابات النهائية والمزمع عقدها فى الثالث من نوفمبر القادم .
فإذا كانت المناظرات أعدت وجهزت خصيصا من أجل توضيح السياسات والقناعات الخاصة بالمرشحين، إلى جانب السياسات والمقرر انتهاجها تجاه العديد من القضايا المختلفة سواء داخليا أوخارجيا، والأهم صياغة إطار شامل منوط به توجيه الناخب الأمريكى وتمكينه من إتخاذ القرار واختيار رئيس البلاد، فماذا أضافت المناظرة الأخيرة ؟!
ولعل المناظرة التى خرجت عن حدود اللياقة، هى نفسها الأكثر بعدا عن أطر التحضر، شكلت بدورها مجموعة من المفاهيم الدخيلة على الولايات المتحدة، صاحبة أرقى وأعرق المدارس السياسية، بل ويمكننا القول أن أمريكا هى من استقبلت أصول السياسة وعلومها، لا سيما خلال الفترة التى تلت القرن الثامن عشر، ومنذ أن استقلت عن بريطانيا، كما عاصرت مناظرات عديدة عكست بحق مواقف وطباع لمرشحين صنفت أكثر من راقية، إن كانت التى أجريت بين كيندى ونيكسون، وتجلت فيها الثقة بالنفس، كأبرز معايير تقييم المرشح، أو تلك التى عقدت بين ريجان ومونديل، وفيها استخدمت الحنكة السياسية، وتم توظيفها بشكل متزن، وغيرها من مناظرات طالما أضفى عليها النضج السياسي .
نانسي بيلوسى – رئيسة مجلس النواب الأمريكى – كانت على إدراك بالنتائج التى وصلنا إليها، لتخرج فى تصريحات صحفية محذرة بايدن، من مناظرة ترامب بقولها “إجراء مناظرة متلفزة مع ترامب، سيضفي نوعا من الشرعية على أعماله المثيرة وتكتيكاته الفوضوية”، مضيفة أيضا بقولها : “لا أعتقد أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية تصرف بطريقة مناسبة “.
والحاصل أن ظهور ترامب-الرأسمالى ورجل المال والأعمال – كوجه جديد على الشاشة السياسية الأمريكية فى الفترة من 2015- 2020، منذ إعلان ترشحه، وحتى وقتنا هذا، أحدث شبكة من التعقيدات والتغييرات، ليس فقط على مستوى السياسات الداخلية والخارجية، إنما أيضا فيما يخص تركيبة وأداء السياسي الأمريكى.
على كل دعونا نراقب الأداء القادم للمرشحين، وربما الذى أعلنت عن تنظيمه لجنة المناظرات الرئاسية، حيث ذكرت أنها ستغير شكل المناظرة لتتأكد أن المناظرات المستقبلية بين المرشحين للمنصب، الرئيس دونالد ترامب وجو بايدن ستجري بشكل مقبول.
Eriny.saied111@gmail.com