حازم رحاحلة
ربما سياق هذا المقال ليس خاصا بمرحلة أو حقبة ما، وإنما بنمط اعتدنا عليه على مدار الحقب المتعاقبة، ولا يتعلق فقط بالشخوص على مستوى الوزراء ورؤساء الوزارات، بل يندرج أيضا على مستوى الأدنى لإدارات المؤسسات العامة. ما أطرحه هنا ليس لتقديم آراء أو انطباعات شخصية، وإنما محاولة للخروج بتصور عام حول الإطار السياسي والسياساتي والإداري الذي يحكم اللجوء إلى التعديلات الوزارية أو الإفراط بها في بعض الأحيان.
ربما مرد كثرة التعديلات مرتبط بمسألة أساسية تكمن في تركيبة الحكومات عند تشكيلها وآليات اختيار الوزراء والاعتبارات المحيطة بها. علينا أن نعترف أن هذا ليس بالأمر السهل، فاختيار الشخصيات القادرة على إدارة زمام الأمور وصناعة الفرق هي مسألة خاضعة للاجتهاد باعتبار أن الرئيس لم يعمل عن قرب مع معظم الفريق الذي اختاره، وهي قابلة للصواب والتوفيق، كما هي أيضا قابلة للخطأ وعدم حسن الاختيار. ومن الطبيعي أن يلجأ الرؤساء إلى إجراء تعديلات على حكوماتهم سعيا لانسجام أفضل وتحسين القدرة على تنفيذ الأجندات الوطنية بمختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لذا، فلا ضير باللجوء إلى التعديلات الوزارية، ما دام الاختيار بالأساس مرتبطا بمسألة اجتهادية قد تكون تستند إلى فاعلية وكفاءة الشخصية المختارة في مجالات خارجة عن إطار العمل العام وليست مرتبطة برسم وتنفيذ السياسات العامة. مسألة الاختيار تصبح إشكالية حقيقية عندما تكون في الأساس لغايات شخصية ومصالحية مع إدراك تام ومسبق بأن من وقع عليه الاختيار ليس أهلا لتحمّل المسؤولية.
ما دمنا متفقين على وجاهة التعديلات الوزارية من حيث الشكل، فهل يمكننا تأطير نهج، وإن كان عابرا، للحكم على حصافة هذه التعديلات؟ لاعتقادي أن الاحتكام لأسس معيارية واضحة هو الذي يؤدي إلى الاستنتاج وبموضوعية جدوى هذه التعديلات من المنظور الوطني، وربما أبرز الأسئلة العقلانية التي يمكن صياغتها لتأطير هذا النهج تتركز في محورين أساسيين: الأول، على صعيد الوزارات نفسها التي شملها تعديل رأس الهرم فيها، فهل تحسن أداؤها وأصبحت قادرة بشكل أفضل على خدمة البرامج والأهداف الوطنية؟ والمحور الثاني مرتبط بأداء الحكومة ككل، فهل قامت الحكومة بتنفيذ ما جاء في كتب التكليف السامية وعملت بروح الفريق الواحد لتحقيق هذه الأهداف؟ فإذا كانت إجابة كلا السؤالين بنعم، فهذا مؤشر يبث في قلوبنا الأمل، بل يدفعنا للمطالبة دوما باللجوء إلى التعديلات ما دامت تخدم الأهداف الوطنية. أما إذا كان أي من الإجابتين، بلا، فإن المشكلة هنا تكمن في مسألتين، الأولى عدم القدرة على الاختيار، وهذه مرتبطة بالإجابة الأولى، أما الثانية فقد تكون الأقرب إلى إشكالية عدم القدرة على الإدارة.
التعامل مع المشكلة الأولى ربما هو الأسهل كونها تتطلب وضع معايير واضحة للانتقاء (مشكلة الطاقم)، أما الثانية فربما هي الأصعب لأنها تتطلب جهودا كبيرة لحث القبطان وبشكل متواصل على تقديم الأفضل.