الى متى تبقى حياتنا معلقة برصاصة طائشة؟

4 سبتمبر 2023
الى متى تبقى حياتنا معلقة برصاصة طائشة؟

مروان العمد
فُجع الاردنيون يوم الاربعاء الماضي بحادث اقشعرت له ابدانهم ، وادمعت عيونهم . وذلك عندما صُدمت آذانهم بسماع خبر وفاة الشاب حمزة سطام الفناطسه ، اثر اصابته برصاصة طائشة انطلقت عندما كان شباب من مدينة معان يحتفلون بحمام عريس قريب لهم وصديق . ومن هو الشاب حمزة ؟ انه ويا للهول العريس الذي كانوا يحتفلون بحمام عرسه كما تقتضي بذلك العادات والتقاليد في تلك المناسبة ، والذي كان سيتم زفه الى عروسه ، بعد ان قام ذويها بنقل جهازها الى البيت الذي سيجمعهما . ومن هو الذي اطلق الرصاصة الطائشة التي قتلت حمزة ؟ انه بدر اعز واقرب صديق له ، والذي كان هو العريس قبل ايام . وخلال ثوان تحول الفرح الى ترح ، وسكتت الزغاريد والاهازيج ، وعلى الصراخ والعويل . واستبدلت بدلة العريس بكفن . وتم تغيير دربه الى قبره . وفقدت ام ثكلى ابنها الوحيد ، وبدلاً من ان تشاهده محمولاً على اكتاف اصدقائه الى بيته ، شاهدته محمولاً على اكتافهم الى قبره . ودخل الصديق الذي اطلق الرصاصة الطائشة الى السجن وهو يبكي صديقه ويتعذب لانه هو قاتله ، وثُكلت امه هي الاخرى به و التي لم تمضي الا اياماً على فرحتها بزفافه . وترملت عروسه وعريسها حي يرزق في السجن . وكل ذلك لكي نحافظ على طقوس شيطانية سكنت فينا ، وقتلت افراحنا ، وازهقت ارواحاً من الحضور ، او السائرون على الطريق ، او الجالسون في بيوتهم برصاصة طائشة . والتي كانت يومها من نصيب حمزة العريس .
وقد تنادي المواطنون من كافة انحاء الاردن للمطالبة بوقف ممارسة هذه الآفة التي اصبحت ترافق افراحنا ومناسباتنا وتقتلها . واعلنت عشائرنا وجميع فئات شعبنا عن ادانتهم واستنكارهم لها ، وصدرت البيانات التي تطالب بالتوقف التام عنها . وتنادوا الى الامتناع عن حضور اي مناسبة يطلق بها الرصاص ، ومغادرة مكانه اذا حصل ذلك . وصدرت الكثير من البيانات والقرارات بذلك . وكل ذلك جيد ، ولكن هل ذلك يكفي ؟
كم اصدرنا مثل هذا البيانات ، ووقعنا مثل هذه التعهدات . ولكن كم عدنا لممارسة اطلاق الرصاص في الاحتفالات . وكم صدرت قوانين وتعليمات تحظر ذلك ، وكم اصدرت الاجهزة الامنية تحذيراتها لعدم القيام بذلك . ولكن كان البعض يعود لممارسة هذه الهواية بمختلف المناسبات . وكم شاهدنا فيديوهات لاعراس او لاحتفالات بنجاح في الانتخابات او الامتحانات ، وشاهدنا الرصاص ينطلق ويلعلع فيها ، ليس من مجرد مسدسات بل من اسلحة نارية رشاشة متوسطة وثقيلة ، وبعضها لا تملكه قواتنا المسلحة واجهزتنا الامنية ، وكان ذلك يتم جهاراً نهارًا . بل كان يقوم به احياناً بعض المسؤولين عن منع حدوثه او بحضورهم ، او ممن وقعوا المواثيق وتعاهدوا على عدم القيام بذلك ؟
ولم يتوقف الامر عند اطلاق الرصاص في المناسبات ، بل امتد ايضاً الى قيادة السيارات باستهتار وبسرعات جنونية ومخالفة لكل قوانين السير ، واصبح الخروج عن المألوف هو السير مع الالتزام بهذه القوانين ، بل ان من يلتزم بها اصبح محل نقد على تصرفاته ، وعرضة للشتائم والاهانات والضرب احياناً . وكم كنا نتجاهل تحذيرات الاجهزة الامنية بالالتزام بالقوانين اثناء السير في مواكب الاعراس ، او خلال احتفالات التخرج . وعدم السير في مواكب بسرعات جنونية ، واخراج الاجساد من النوافذ وفتحات اسقف السيارات . وكم عدد الحوادث التي حصلت نتيجة ذلك ؟ كم عدد القتلى والجرحى ؟ كم هي قيمة الخسائر المادية التي اصابتنا . والادهى من ذلك اننا نقوم بالاحتجاج على تركيب كميرات المراقبة ورادارات السرعة ، بل نقوم في بعض الاحيان بتكسيرها . وعند حصول حادث كبير وخسائر جسيمة في الارواح والممتلكات نعود لنتحدث بالمثاليات وضرورة الالتزام بقوانين السير وتعليماته . وما ان نبتعد عدة كيلومترات او تمضي عدة ساعات ، حتى ننسى ذلك كله ونعود لممارسة حقنا في ارتكاب المخالفات . ومنها التشحيط والدوران في الشوارع ، وإجراء المسابقات على الطرقات ، والتي نتج عن احداها قبل ايام مصرع ستة اشخاص منهم ام وثلاثة من اطفالها، وذلك حين كان معتوهان لا بل مجرمان يتسابقان على احد الشوارع الرئيسية . تلك الحادثة التي لم تأخذ حقها في الحديث والتعليق وكأن حوادث السيارات اصبحت قدر لنا يجب ان نتعايش معها ونتحمل نتائجها ، تحت يافطة القضاء والقدر .
وكم احسنت عشيرة الفناطسه وعشائر معان اجمع عندما قاموا باعطاء عطوة اعتراف لثلاثة اشهر دون المطالبة بجلوة احد من ذوي الجاني . و الطلب برفع الحماية الامنية عن بيوتهم لانهم ليسوا بحاجة لها وهم بين اهلهم وذويهم .
وكم احسن المدعي العام عندما قام بتكييف التهمة على من اطلق الرصاصة باعتبارها جريمة قتل مقصود ، كونه يعلم ، او يجب عليه ان يعلم ان اطلاق الرصاص بمثل هذه الطريقة قد تتسبب باصابة احد او قتله ، ولكنه ورغم ذلك فقد قبل بهذه النتيجة الاحتمالية واطلق الرصاص ، وتحققت هذه النتيجة للاسف الشديد . وكم احسن المدعي العام بتوجية نفس التهمة للسائق المتسابق ، والذي تسبب بقتل ستة اشخاص لانه يعلم ويجب علية ان يعلم باحتمال حصول ذلك معه ، ولكنه قبل بذلك وقام بالقيادة بتهور ورعونة وإجراء سباق على الطرق ، كما احسن بتوجية تهمة الاشتراك بجريمة القتل القصد لسائق السيارة الاخرى .
الا ان ذلك ليس بكاف ايضاً . والمطلوب وضع قانون عقوبات جديد يشدد العقوبات على جميع الجنح والجنايات . وان تصنف هذه الجرائم بصريح العبارة بانها جرائم قتل عن قصد، او الشروع به . ان يوضع وصف هذه الجريمة ضمن فقرات المادة ٣٢٧ عقوبات والتي تشدد العقوبة في بعض حالات القتل القصد لتصبح الاشغال الشاقة المؤبدة بدلاً من ان نلجأ لتفسير مواد قانون العقوبات لتوجية هذه التهمة . وان يمتنع الجميع عن المشاركة في اي جاهة للصلح العشائري عليها ، او على الاقل ان لا يشمل الصلح الجاني لينال عقابه كاملاً . حيث ان المحاكم في حالة الصلح والتنازل عن الحقوق تخفض العقوبة الى النصف وتحسب سنة الحبس بتسعة اشهر .
و من الضروري ان نعيد النظر في قانون الاسلحة النارية والذخائر . ونشدد العقوبة على حيازة وامتلاك السلاح من قبل المواطنين دون الحصول على التراخيص اللازمة ، والتي يجب ان تنحصر بالاسلحة الفردية والمسدسات وضمن شروط واماكن معينة . وان لا نخدع الاخرين وانفسنا بالقول ان سلاح المواطنين هو حماية للوطن . حيث اثبتت جميع التجارب ان سلاح المواطنين لا يستعمل الا للتمرد على الحكومات ، وفي الفتنة والحروب الاهلية ، و بعمليات التفجير والتخريب . مثلما حصل ويحصل في العراق وسورية ولبنان ومصر وليبا واليمن . وفي المشاجرات وعلى اتفه الاسباب ، و في السرقات واعمال البلطجة او للاخذ بالثأر .
اما حماية الاوطان في زمن الحروب الالكترونية ، فقد اصبحت المعارك تتم على كبسة زر وعن بعد آلاف الكيلومترات عن مكان مكانها مما جعل سلاح المواطنين غير ذي جدوى .
ونقطة اخيرة فأن هذا السلاح لا يستورد ولا يباع ويشترى بطريقة شرعية ، بل كله يأتي عن طريق التهريب ، ويتم شراءه من مهربين باسعار عالية . واذا كان بامكان المواطن ان يحصل على السلاح بهذه الطريقة و الكمية والسهولة ، فأننا امام حالة تهريب سلاح منظمة و مسكوت عنها . وربما يوجد من يتستر عليها ، والتي لا تقل خطورة عن تهريب المخدرات ، والتي اصبحت تهرب عن طريق الطائرات المسيرة ، والتي يمكن ان تصل للارهابيين والمخربين والمجرمين . وبالرغم من ارتفاع ان اسعار هذه الاسلحة نجد ان بعض المواطنين يملكون العديد منها ومن ذخائرها ، وفي نفس الوقت قد لا يملكون ثمن الطعام والملابس لاطفالهم . وان كان ولا بد من وجود هذا السلاح لدى المواطنين ، فيجب ان يتم تنظيم ذلك بطريقة معقولة ، وان يتم وضعه تحت سلطة واشراف الدولة . وان يتم تسليمه للمواطنين بالطريقة المناسبة اذا دعت الحاجة الى ذلك فقط . واختم بالقول كفى وكفى وكفى ، فقد تجاوز الامر حده . ورحم الله العريس الشاب حمزة ، ورحم قتلي حالة السباق و الدهس ، ورحم جميع ضحايا الرصاصات الطائشة ، و السيارات القاتلة .