وطنا اليوم – رصد ومتابعة : أين ذهب جاك ما مؤسس شركة “علي بابا” العملاقة وأمازون الصين، وماذا تقول حكاية واحد من كبار الأغنياء في العالم عن صين شي جينبنغ؟ يقول مراسل مجلة “تايم” تشارلي كامبل إن الرد كان حاسما وسريعا، فبعد إلقاء جاك ما خطابا في 25 تشرين الأول/أكتوبر في شنغهاي في قمة بوند التي قدمت على أنها تجمع براغماتي ومنبر اقتصادي دولي مؤثر اختفى سريعا. وفي ذلك التجمع شعر ما البالغ من العمر 56 عاما أن من حقه الحديث عن تجربته ومسيرته التي نقلت شركته الصغيرة التي بدأها في شقته عام 1999 بمدينة هانغجو الساحلية وبفريق من 20 موظفا إلى أكبر شركة تجارية إلكترونية في الصين وحققت موارد بـ 71,985 مليار دولار في السنة المالية التي انتهت في 31 آذار/مارس 2020.
وبحسب النص الذي نشرته صحيفة “أبل ديلي” فقد قدم جاك الذي تقدر ثروته بـ 48.2 مليار دولار خطابه بحذر. وصور نفسه بأنه “رجل متقاعد يقدم مواقف غير حرفية من رجل غير حرفي” واعترف أن أفكاره قد “تكون متعجلة وغير دقيقة وحتى مثيرة للضحك”. واستخدم بشكل مؤدب بعضا من كلام رجل الصين القوي شي جينبينغ. ولكنه عندما دعا الحضور كما وصفت وكالة رويترز باعتبارهم المؤسسة المالية والتنظيمية للصين التفكير بإصلاح النظام المالي” فقد تجاوز الخط المسموح به. ووبخ المسؤولين عن التنظيمات الصينية وإن بشكل مباشر بخنقهم الإبداع وقال إن البنوك الصينية تعاني من “عقلية دكاكين الرهن” خاصة أن البنوك مثل المقرضين غير الرسميين في الأيام الخالية تعتمد على نظام “التعهدات والضمانات”. وهذه فكرة غير سيئة في الأيام الماضية لأن دكاكين الرهن كانت فكرة متقدمة “وبدون اختراع فكرة التعهد والضمان لما كانت هناك مؤسسات مالية اليوم ولما تطور الاقتصاد الصيني خلال الأربعين عاما ووصل إلى ما وصل إليه الآن”.
إلا أن الكادر الذي استمع إليه كان غاضبا. وفي الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر استدعت السلطات الصينية جاك ما للمساءلة. وفي اليوم التالي تم استبعاد الذراع المالي التكنولوجي لعلي بابا، أنت فايننشال، التي عرضت بقيمة 37 مليار دولار في الاكتتاب العام من هيئة الرقابة على الأسواق المالية في الصين مع أنها حصلت على الضوء الأخضر قبل ذلك.
في نهاية الأسبوع حل محل جاك ما واحد من مدراء علي بابا التنفيذيين في الحلقة الأخيرة من المسابقة الاقتصادية التي كان يقدمها وتم حذف صورته من قائمة حكام المسابقة.
وبنهاية كانون الأول/ديسمبر طلبت السلطات التنظيمية من مجموعة أنت إعادة تنظيم نفسها لكي يتناسب عملها مع قوانين جديدة لمكافحة الاحتكار بشكل خفض مليارات من قيمتها.
وفي نهاية الأسبوع حل محل ما واحد من مدراء علي بابا التنفيذيين في الحلقة الأخيرة من المسابقة الاقتصادية التي كان يقدمها وتم حذف صورته من قائمة حكام المسابقة. ولم ير ما في الرأي العام منذ شهرين.
ورفضت متحدثة باسم مجموعة علي بابا التعليق على مكان جاك ما. ولو لم يعد ما محبوبا لدى النظام فإنه قطع شوطا طويلا، فقد كان بمثابة نجم دولي شهير ومنحه الحزب الشيوعي ثقته وإن بشكل تكتيكي لكي يقدم صورة حديثة عن رجال الأعمال والتجارة في البلد ودعم رؤى مثل “صنع في الصين 2025″ و”معايير الصين 2033” والتي تطمح لكتابة قواعد الجيل القادم من التجارة والتكنولوجيا ونظر إليها على أنها صفحات من دليل رجل تزعم شركته أنت فايننشال بأن لديها 1.3 مليار مستخدم علي بي لخدمة دفع فواتير الهواتف حول العالم.
كما اكتشف جبابرة العقارات والمال والترفيه في الصين يتعرف حماة التكنولوجيا أن الولاء لصين شي يأتي في المقدمة.
لكن من الواضح أن الحزب الشيوعي الصيني في ظل الرئيس شي لن يتسامح مع أي تحد لسلطته. ففي ظل بطء الاقتصاد الصيني والرياح المعاكسة الجيوسياسية المتصاعدة ضدها، تشعر الصين بشيء من العصبية بشأن المخاطر المالية المنظمة وزيادة الدين. وهذا ليس وقتا مناسبا للدعوة كما يريد ما لتخفيف النظام.
وكما اكتشف جبابرة العقارات والمال والترفيه في الصين يتعرف حماة التكنولوجيا أن الولاء لصين شي يأتي في المقدمة.
وكما أشار عنوان في صحيفة “الشعب اليومية” لسان الحزب الشيوعي الصيني “لا شيء هناك يطلق عليه عصر ما” و”لكن عصر عاش فيه ما”.
وتعود ما على أنه شخص فوق المحاسبة ومحبوب نظرا لأنه صنع نفسه بنفسه ولا يعرف حتى كيفية البرمجة. وأفرح الصينيين بقصصه الكثيرة عن المرات التي رفض فيها، ففي مرة افتتح كي أف سي فرعا له بمدينته هانغجو وكان الوحيد الذي رفض من بين المتقدمين. إلا أن إصراره وقراءته الصائبة للتوجهات في العالم الرقمي حول أستاذ اللغة الإنكليزية السابق إلى أغنى رجل في الصين. وهو عضو في الحزب وظهر في عدة مرات إلى جانب قادة الحزب وتحول ما إلى سفير غير رسمي للصين والتقى مع الرئيس المنتخب في حينه دونالد ترامب في 2017 ووعد بجلب ملايين فرص العمل إلى الولايات المتحدة.
وقال ترامب: “أنا وجاك سنعمل أشياء عظيمة”. وتمتع ما بالأضواء وشارك في حفلات روك الموسيقية وتزيا بزي مايكل جاكسون وشارك في فيلم كونغ فو. لكن التباهي يعد لعنة لأعضاء الحزب القدامى في الصين وربما كان سببا في تأليب السلطات والرأي العام ضده. وكانت دعوة ما إلى ثقافة العمل “996” أي من الساعة التاسعة صباحا إلى التاسعة مساء وستة أيام في الأسبوع سببا في اتهامه بالرأسمالية وجعلت البعض يوبخه باستخدام مقولات ماركس. وفي منشور قرئ أكثر من 100.000 مرة على “ويتشات” ونال إعجاب 122.000 شخص على تويتر الصيني “ويبو” جاء فيه: “مليارديرات معروفون مثل جاك ما كانوا سيعلقون بالتأكيد على أعمدة الكهرباء”. وكتب هان فولينغ، أستاذ المال والاقتصاد بجامعة بيجين المركزية: “كلنا جاهلون بالكامل عن المال”.
ومن الناحية الرسمية تنحى ما عن رئاسة علي بابا في تشرين الأول/أكتوبر وكرس وقته للأعمال الخيرية. وبعد انتشار فيروس كورونا أرسلت مؤسسة جاك ما أجهزة واقية إلى 150 دولة بما فيها 500.000 جهاز فحص وملايين الأقنعة إلى الولايات المتحدة وقال: “نمد أيدينا للولايات المتحدة في هذه الأوقات الصعبة”. ومن المشاريع الأخرى تعزيز التعليم في الصين والمواهب التجارية والمال في إفريقيا. وربما كان تركيز ما على العمل الخيري سببا في تجاهله للتغيرات في سياسات الحكومة والتي أصبحت أكثر تشددا. وقبل شهر من خطابه في شنغهاي أعلن الحزب الشيوعي الصيني عن تعليمات جديدة حول كيفية مساعدة الأعمال الخاصة الدولة الصينية حيث “زادت المخاطر والتحديات بشكل واضح” من الاقتصاد الخاص المتسع. وبالطبع فهذه الشروط تخالف الصورة التي حاولت من خلالها الشركات الصينية العملاقة مثل واوي وتنسنت وتيك توك وعلي بابا التأكيد على استقلاليتها عن الدولة، وذلك لمواجهة الضغوط الأمريكية. وتقترح التقارير أن تخلي آنت فايننشال عن جزء كبير من أسهمها يعني تراجع أهدافها التوسعية العالمية. ويرى مارك ناتكين، مؤسس شركة “ماربريدج كونسلتينغ” لأبحاث أي تي في بيجين: “تذمر الحكومة الشركات أنها هي التي تقوم في النهاية بوضع التنظيمات وتصدر الرخص” و”لو نسيت فلن تحصل تجارتك كلها على رخصة أو يتم وقف عملية اكتتابك العام أو أي شيء للتأكيد على معرفتك من هو الأب ومن هو الابن”. وفي بلد كالصين لا توجد فيه تنظيمات واضحة فإنه قد يؤثر على ثقة المستثمرين. وفي غياب التنظيمات التي تنظم عمل خدمات الطرف الثالث فهناك مخاطر من التدخل في الخدمات المالية. وعندما بدأ ما علي بي كان يعرف مخاطر التدخل الرسمي من الدولة وقال لزملائه: “لو دخل أحد السجن فسأكون أنا” وربما عاش ما ليندم على كلماته في صين شي.