البطاينة يكتب: أُمزُطِي يا هبة.. العُجول تائهة.. والأرض لم تعد صالحة للزراعة!

11 أغسطس 2023
البطاينة يكتب: أُمزُطِي يا هبة.. العُجول تائهة.. والأرض لم تعد صالحة للزراعة!

المهندس سليم البطاينه

تقول الشاعرة البولندية شاعرة المتناقضات التي فازت بجائزة نوبل للاداب عام ١٩٩٦ Wistawa Szymborska ( أعتذر للأسئلة الكبيرة عن الاجوبة الصغيرة ! ).

اليوم لدينا قصة جديدة ورسالة من القهر لقضية اثارت جدلاً وتفاعلا على مواقع التواصل الاجتماعي ، وهي قصة المحامية الشابة ( هبه الشمايلة ) التي تحدثت امام رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة ،،، وقالت انها ليست ابنة وزير او نائب ولا تريد ان تترك البلد ، لان البلاد لا تحرثها الا عجولها.

نعم صحيح : لو كان لمثلٍ واحد ان يجسد كل معاني الاعتماد على النفس وأهمية العامل الذاتي في بناء الوطن وضمان سلامته ومستقبله لكان هو ذاك المثل الشعبي البسيط ( ما بحرث الارض غير عجولها ! )

قصتك يا هبة تذكرني بقصة الشاب الرمثاوي قتيبة الذي كتب على صفحته قبل خمس سنوات انه يريد الهجرة وترك البلد بعد ان اصابه اليأس والاحباط بالبحث عن فرصة عمل ! حينها خاطبه رئيس الوزراء في ذلك الوقت الدكتور عمر الرزاز بجملته الشهيرة ( لا تهاجر يا قُتيبة ) ،،، وقتها كتبت مقالاً نشرته صحيفة رأي اليوم اللندنية ونقلته كافة المواقع الاخبارية الاردنية وغير الاردنية كان عنوانه ( أُمزُط يا قُتيبة ! ).

معاناة وقهر ولا ادري ما اقول لك يا هبه ! احيانًا تمتزج الاحلام في الواقع ، ولا ندري متى يبدأ الحلم وتنتهي الحقيقة، فاليوم لا نرى في شبابنا الذي أفرزه عصر الهزائم الا طاقات مكبوتة والاماً نفسية، وحالة من الشعور بالعجز قادت إلى اليأس والاحباط، و أصبح شبابنا أسيرًا للخوف والاقرب للضياع وكأن الحقيقة غائبة ومجهولة.

السؤال يُولَدُ موجعاً يا هبة ولا يعترف بشيء ، كأن يقول اين الحقيقة ؟ هل نحن ثيران لنحرث الارض للّذين يهبطون علينا بالمظلات؟

شبابنا خنقه الاكتئاب وأنهك رؤاه من الحلم والمستقبل و من حقهم أن يتسائلوا في ظل موجة اليأس والتيئيس الحالية : ماذا انتم فاعلون لنا؟

الكل يشكو ولا أحد يجيب، وكأن المعنيّين بتدبير امورنا يقولون لنا لا علاقة لنا وليس لنا شأن في ما يجري، وهذا ما دفع بالاردنيين نحو الاحباط واليأس والهروب من الوطن، وجعل منهم مواطنين سلبين لا يشاركون ولا يساهمون في أي شيء، فأوضاعنا المعيشية الصعبة لا تحتاج الى قرائن وادلة وشواهد ! والمعايير التي تؤكد ان الدولة تستحق صفة الابوة لمواطنيها عديدة ومعروفة ومكشوفة للجميع.

انا اعلم يا هبة ان قاموسكم مليء بالمفردات المقلقة، ولم يعد الوطن بالنسبة لكم الاتجاهات الاربعة ، ولم يعد القلب والشريان ! واحلامكم تتدحرج من غرفة الى أخرى وتُركل أحياناً …. الوطن يا هبة مُتعب منذُ سنيين ولا نعرف الى اين يبحر فينا ! فالشباب امثالك وامثال قُتيبة عليهم ان يتحملوا دون غيرهم التبعيات الناتجة عن ازمات الدولة ونتائجها العكسية.

نحن يا هبة إزاء محبطات تمنع الكثير من أصحاب الكفاءة بالمشاركة في بناء وطنهم وتضعهم في رهانات خاسرة، والسبب طبقة الكريما السياسية التي تتصارع حول النفوذ والمكاسب على حساب الوطن ،،،ولا ننسى أن ظاهرة الهبوط بالمظلات ساهمت في هجرة الاكفاء ، وعمليات إنزال المظليين آخذة في التمدد بشكل افقي واغلب قيادات الدولة نزلوا بالبراشوت.

انها حالة يعجز Sigmund Freud (عالم النفس النمساوي الشهير) عن تفسيرها، لقد أصبحنا شعباً قلق ! وتلك مرتبة اجتماعية وحالة نفسية قلما يدركها الناس ، ومن هذا القلق تشكلت هويتنا التي إن فقدناها ضعنا وتُهنا.

اشعر بحزن وأسى وانا استعيد صورة قدم الفتى الجنوبي ممزق الحذاء ! فقبل أكثر من خمسة اعوام التقطت عدسة المصور في جريدة الرأي ( محمد القرالة ) ذلك الحذاء المتهالك لأحد أطفال مدرسة ( البربيطة ) في الطفيلة والتي تحكي عن حجم الفقر والبؤس الذي يعايشه الاطفال هناك، والتي اظهرت أبشع صور هدر حقوق الطلبة في الحرم المدرسي ،،، فأثرت في كل من شاهدها، واتحدى إن زارها او يعرف موقعها احد المظليين الهابطين علينا !

أسئلي يا هبة عن احوال الطلاب في مدرسة الحسا الاساسية : هل هم بخير ؟ وهل يعانون من البرد في فصل الشتاء ؟ وهل لديهم احذية لارتدائها؟

قد يكون مقالي مُستَفِزٌ للبعض ! او مفردات طرح اسئلتي ليست وردية : فالمعاناة اضخم من ان توصف ! ولا نحتاج صراخا لنتيقن منه ،،،، فدومًا في الاردن هنالك جزء من النص مفقود ؟ وقد قيل ان هناك مساحة حرجة يبلغ الباطل ذروته وقوته ! ويبلغ فيها الحق اقصى محنته.

المقال سوداوي ويفترض ان يثير القلق ان كان هناك من يقلق، و الصورة توحي باليأس ولا شيء يسر ولا خطوات تطمئن، والانسان بشكل عام مسكون بالمكان ، وما من شيء يسافر عبر الذات سوى الألم !! أمزُطي يا هبة وهاجري قبل ان يدمرك الشعور بالاحباط والاكتئاب، فنحن لسنا ثيران جاهزة للحراثة !! والسلام ختام.