الدكتور فراس الشياب
الإخوة الأحبة أريد اليوم أن أستكمل معكم بعض جوانب الصورة في قراءة سريعة لمسودة مشروع الجمعية الوطني وظروف نشأتها. لتوضح للقارئ أهم ما تمتاز به والإضافة النوعية من خلال مشروعها. وقد برز في ذلك جملة محاور من أهمها.
أولا: المحور القانوني؛ حيث ذهبت الجمعية للترخيص في ظروف وطنية وإقليمية وعالمية دقيقة، وأصبحت بذلك الجمعية أردنية مرخصة من عام 2015م. ولها شخصيتها المعنوية، وهذا من أكبر المكاسب لممارسة العمل والنشاط السياسي والدعوي الإسلامي، إذ سهل هذا الترخيص على قيادة الجمعية التحرك والتصرف ضمن ما يسمح به القانون الأردني، بشفافية تامة في كل الأمور المالية والإدارية، بحيث لا تجد مطعنا عليها في إدارة مالها، وتصرف قيادتها. وقد تزامن وقت الترخيص مع وجود أزمة لا زالت قائمة إقليميا مع تنظيم واسم الإخوان المسلمين، وكان للدولة الأردنية -مشكورة – رأي آخر في هذا الشأن حيث سمحت بوجود هيئة أردنية مرخصة تحمل هذا الاسم وأهدافه المعلنة، وأعطت مدة كافية لذلك، فالتقطت قيادة الجمعية الأولى هذه الإشارة وعمدت الى الترخيص ضمن القانون الأردني بما يضمن عدم ارتباطها تنظيميا مع التنظيم العالمي للجماعة لوجود إشكالات إقليمية مع الأخير.
ثانيا: المحور الإسلامي الدعوي: فهي هيئة إسلامية غير رسمية، توضح معالم الدين، وتدعو الناس للالتزام بأحكامه، حيث تمثل الجمعية بأهدافها ووسائلها ورؤيتها المعلنة في مؤتمراتها ولقاءاتها أنموذجا للعمل الإسلامي المتوازن لتكون بذلك هيئة إسلامية وطنية راشدة، تحمل مشروعا إصلاحيا تعزز فيه قيمة تعظيم الايمان بالله تعالى وحب رسوله الكريم والتزام أحكام الشريعة. وتستمد الجمعية فكرتها من منظومة الإسلام الحنيف، وتدعو الى فهمه والالتزام به في مفاصل حياة المسلمين أفرادا وجماعات ودولة. كما تدعو الجمعية الى استثمار الحياة بالنافع المفيد وإتقان العمل وخدمة الناس للقيام برسالة الاستخلاف طاعة لله تعالى. كما تتخذ من نشر الفضيلة ومكارم الأخلاق وسيلة خير للمساهمة في بناء مجتمع أردني قوي متماسك متكافل. وفي هذا المحور تؤكد الجمعية اعتزازها بمؤسسات الوطن الدينية الرسمية وشبه الرسمية، لتكون جزءا من منظومة المؤسسات الوطنية ومتعاضدة معها ومساندة لها، وليست بديلا عنها.
ثالثا: المحور الوطني: حيث إنها تطرح رؤيتها من الدولة الأردنية بكل وضوح وشفافية دون مواربة، حيث ترى في الأردن الدولة والوطن نعمة وارفة الظلال وأولوية مقدمة على كثير من الأولويات الأخرى، وفي هذا الصدد فإن الجمعية تؤكد على أهمية الحرص والمحافظة على النظام في الدولة الأردنية متمثلا بسلطاته الثلاثة وعلى رأسها جلالة الملك -حفظه الله-، وأن وجود النظام الهاشمي كان ولا زال أكبر مرتكزات الاستقرار في الأردن.
رابعا: العمل السياسي: حيث تعتمد الجمعية في رؤيتها للعمل السياسي على فهمها لشمولية الإسلام لجميع مناحي الحياة تحقيقا لرسالة الاستخلاف للإنسان، وأن العمل السياسي جزء ركين من عملها واهتمامها ووسائلها، إدراكا منها لأهميته ودوره الفاعل في تحقيق رسالتها الإصلاحية. وعليه فإن الجمعية تدعو للمشاركة الفاعلة في العملية السياسية عن طريق إثراء التوعية وابداء الرأي والدفع نحو التفاعل الإيجابي والتشابك والتشاركية، ولها خياراتها في العمل السياسي المباشر، كما تترك لأعضائها حرية الانضمام أو العمل مع الأحزاب التي تتوافق مع رؤية الجمعية وأهدافها ومنهجها. كما ترى أن العمل السياسي ليس خارجا عن منظومة العمل الأخلاقي والمسؤولية المجتمعية بما يحقق الخير والمصلحة العامة.
خامسا: وسائل العمل: تلتزم الجمعية وتحترم أحكام الدستور والقانون الأردني، والأعراف المعمول بها وما توافق عليه الأردنيون. وتدعو الجمعية لأفكارها وبرامجها بشكل علني واضح للجميع، بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن. كما تبادر الجمعية الى مد يدها للتعاون مع الجميع من مؤسسات وأفراد الوطن، للتعاون مع الجميع على البر والتقوى والحفاظ على السلم المجتمعي، وصيانة مقدرات الوطن، والمساهمة في حل المشاكل المجتمعية والتخفيف من آثارها. كما تساهم في مقاومة الانحراف الفكري ومشاكل التعصب والتطرف والإرهاب والسلبية والانحلال.
سادسا: المرجعية الفكرية: حيث تؤمن الجمعية بكون الإسلام مرجعا لكل مسلم، وأن الإسلام ترك مساحة واسعة للعلماء والمفكرين في الاجتهاد لإيجاد حلول وأحكام تعتمد في فهمها وتطبيقها على تغير الزمان والمكان، وفقه الموازنات والسياسة الشرعية، لذلك فإن الجمعية تهتم بالمراجعات الفكرية بشكل كبير، وأنها أمر حيوي ضروري يضمن لفكرتها ومشروعها الاستمرار والتجدد، وتعقد لأجل ذلك اللقاءات الدورية والمؤتمرات والصالونات مع أهل الدعوة والسياسة والفكر، لأن الجمعية تدرك بشكل عميق أن حالة التشظي التي يعيشها العمل الإسلامي اليوم إنما تعود في أكبر أسبابها للجمود الفكري الذي عانى منه العمل الإسلامي فترة من الزمان.
وقد عمدت الجمعية لاستخراج مشروع خاص بها قابل للمراجعة كذلك، ولأول مرة في تاريخ العمل الإسلامي الوطني، إذ يجيب مشروع الجمعية عن تساؤلات فكرية كبيرة بقيت دون إجابة، رغبة منها في زيادة مساحة الحركة والمرونة للعمل الاسلامي ورفع كفاءته في المواكبة والمعاصرة وإزالة العقبات وتجاوز التناقضات وإخراجه من مواقف صعبة.
لذلك فإن الجمعية تؤكد على الحاجة إلى التجديد في الخطاب والفهم الديني رعاية للمتغيرات في العالم العربي والإنساني. وإزالة التشوهات التي لحقت بالفكر السياسي الإسلامي، لتحديات داخلية وخارجية، ونشوء اتجاهات واصطفافات متصارعة داخليه، كان من نتائجها وجود خلافات عميقة في أولويات العمل الوطني، بعيدا عن الشفافية والوضوح الناتجة عن العمل السري غير المعلن.
وعليه فإن الجمعية تهدف بقوة الى تغيير الصورة النمطية عن العمل السياسي الإسلامي، تتمثل في إزالة العوائق الناجمة عن الجمود الفكري والسياسي، وتفعيل التشاركية مع الآخر بفاعلية وانصاف، وإعطاء الوطن بكل مؤسساته الأولوية في خطابها واهتمامها. فكان لا من تقديم خطاب تصالحي حقيقي مع الذات والمجتمع والدولة، وهذا ما عمدت اليه الجمعية.
وأخيرا: القضية الفلسطينية: فهي القضية المركزية في ضمير الأمة الإسلامية عموما والدولة الأردنية- قيادة وشعبا- خصوصا، وهي كذلك وفي مقدمة أولويات الجمعية، وبين الأردن وفلسطين ارتباط مقدس في الإنسان والمكان والزمان، وتؤكد الجمعية أن الاحتلال الصهيوني عدوان وجريمة في حق الأرض والإنسان، وهو أساس الصراع في المنطقة، وأن أمن واستقرار المنطقة لا يمكن الوصول اليه دون تحرير كامل فلسطين وإخراج الاحتلال الصهيوني الغاشم منها. وفي هذا السياق فإن الجمعية تحترم وتقدر عظيم جهد كل أطياف المقاومة لهذا الاحتلال الغاشم.