الإعلام الرقمي والثورة الرقمية من يقود الآخر !!

6 يوليو 2023
الإعلام الرقمي والثورة الرقمية من يقود الآخر !!

د. عبير الرحباني

لعلّ الثورة الرقمية قد ساعدت بالإنتقال بالعملية الإعلامية الى مرحلة جديدة ومتطورة ومختلفة عن الإعلام التقليدي، من خلال ظهور أدوات جديدة للتعامل مع الاخبار المطبوعة والمسموعة والمرئية، من خلال منظومات متخصصة كاأنظمة التوثيق الرقمي، والترجمة والمعالجة، الالية، والإنتاج الالي للنصوص، إضافة الى نظم إدارة المحتوى الرقمي التي تشمل الدورات التحريرية في مطبخ الاخبار.
ويعتبر الإعلام الرقمي Digital media أداة من الأدوات الإلكترونية الجديدة التي تعتمد على عالم الأرقام Digital World، والذي يُعد خلاصة الثورات الثلاث التي مر بها العالم، وهي: ثورة المعلومات، وثورة الاتصال، وثورة الحاسبات الالكترونية، الذي وضع كافة الوسائل الاتصالية في اطار تكنولوجي واحد. وبذلك فالاعلام الرقمي يمثل النقطة الفاصلة بين وسائل الاتصال الحديثة والوسائل التكنولوجيه.

فعندما نتحدث عن الثورة الرقمية، فنحن نتحدث عن جانبين: الجانب الأول يتعلق بالإعلام، والجانب الثاني يتعلق بالتطورات التكنولوجية والإقتصاد والتجارة والإستثمار وغير ذلك.
ففي مجال تكنولوجيا المعلومات والسعي الى مواكبة التطورات الرقمية فيما يتعلق بالحكومة الرقمية والإقتصاد والإستثمار والتجارة والبنوك وغيرها الكثير، فنحن هنا ما زلنا أمام التحولات الرقمية التي تسعى الدول لتطبيقها بنجاح، وذلك من خلال تعزيز العمليات الرقمية وأسلوب التحكم بالنشاطات الرقمية والخاصة بالأعمال من خلال إتباع استراتيجيات رقمية مبتكرة للتكيف مع العصر الرقمي المتسارع الذي نشهده اليوم، والشرح في هذا الجانب يطول.

أما فيما يتعلق بالمجال الإعلامي وهو الموضوع الرئيس هنا، فان الإعلام الدولي بات قوة أعظم من قوة السلاح، وسلاح يفوق جميع الأسلحة والمعدات الحربية في العالم، بإعتباره قادراً على إختراق العقول، وقادراً على توجيه الناس نحو تحقيق الأهداف التي يريد تحقيقها والغايات التي يريد الوصول اليها من خلال تكيف الناس معه والتأثير عليهم من خلال رسائله.

والجدير ذكره في هذا الإطار، بان الإعلام الرقمي الإسرائيلي هو أول إعلام رقمي واكب التطورات الرقمية وفي وقت مبكر، حيث إستفاد هذا الإعلام من أدواته الرقمية الجديدة لمخاطبة الناس في داخل اسرائيل وخارجها للتأثير عليهم وإعطائهم الصورة الذهنية أمام الرأي العام العالمي والعربي على وجه الخصوص.. وبذلك اصبح آداة سياسية في التأثير على العقول.

وليس بالغريب أن يكون الإعلام الرقمي الإسرائيلي هو أول من واكب التطورات التكنولوجية المتسارعة واللحاق بالثورة الرقمية والاستفادة منها، لإمتداده التاريخي وإهتمامه بالإعلام وتركيزه على الدعاية الاعلامي، بحيث اصبح هذا الإعلام قادراً على ممارسة الدعاية بكل شراسة في الوقت الذي يمارس فيه رسائله بطريقة أكثر يسراً وسهولة. وذلك عبر إنتشار قنوات دبلوماسية رقمية ناطقة باللغة العربية، بخاصة وأن هذا الإعلام وجد بان الإكتفاء والإعتماد على الحكومات الرسمية لن يكون له تاثيرات مُجدية لخدمة مصالحه وتحقيق أهدافه. وبالتالي سخّرت اسرائيل جميع إمكاناتها عبر مواقع التواصل الالكتروني للتأثير على المجتمعات العربية.

فالإعلام الرقمي الإسرائيلي ومؤسساته الإعلامية ليست مؤسسات رسالية فحسب، بل أن هذا الإعلام لا يمكن فصله عن سطوة السياسة والمال.

ولا ننكر بان صناعة الإعلام تشهد تحولات كبيرة ومتواصلة بفضل العديد من الإبتكارات الرقمية، من الروبوت إلى الذكاء الاصطناعي، الى الحوسبة السحابية، وصحافة الطائرات المسير Drone Journalism ، والربورت والطيارات من دون طيار من قبل وسائل الإعلام لتغطية النزاعات في المناطق الخطرة أو مناطق الأزمات، وصولاً إلى أمن البيانات وأمن المحتوى، وكل هذه العناوين لم تعد تتصدر نشرات الأخبار فحسب، بل المؤتمرات والفعاليات الإعلامية والتكنولوجية المختلفة حول العالم.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا! هل الثورة الرقمية هي التي تقود الإعلام؟ أم أن الإعلام هو الذي يقودها !! من يقود الآخر!!
لا شك بان الثورة الرقمية استطاعت أن تغير المشهد العالمي بكل اتجاهاته ومكوناته ومضامينه وحتى أدواته، بخاصة مع إنتشار الأخبار الكاذبة والمضللة وعدم إمكانية السيطرة عليها. ولا بد لي أن أشير هنا، الى أن مواكبة التقدم التكنولوجي- الرقمي المتسارع والإبتكارات التقنية الرقمية الجيدة، ضرورة حتمية للإعلاميين والصحافيين وللمؤسسات الإعلامية والصحافية. لكن تغيير الأنماط التقليدية في العمل الإعلامي يستوجب تحديث التقنيات وأساليب العمل، والحذر من الإنجرار وراء ما يمكن أن يطيح بالصحافة كرسالة ومهنىة وبمبادئها وقيمها الأصيلة.

ففي دراسة دراسة مسحية دولية أجراها المركز الدولي للصحافيين، بالتعاون مع جامعة جورج تاون شملت صحافيين ومديري غرف الأخبار في 130 دولة وأجريت بـ12 لغة. تناولت الدراسة مدى إعتماد الصحافيين والمسؤولين على التكنولوجيا الرقمية، حيث كانت نتائج الدراسة بانهم لا يواكبون الثورة الرقمية، وأن عدد خبراء التكنولوجيا يعد ضئيلاً في غرف الأخبار، كما بينت الدراسة بأن معظم غرف الأخبار لا تعيد تحديد الأدوار للعصر الرقمي. كما أظهرت النتائج أنه من بين 23 مهارة رقمية عُرضت على الصحافيين ومديري غرف الأخبار، لم يتم استخدام سوى أربع مهارات منها وهي: النشر على وسائل الإعلام الاجتماعية، والتقاط صور رقمية، وإشراك الجماهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتوزيع المحتوى عبر منصات متعددة. الأمر الذي ينذر بعواقب وخمية ستؤثر على صناعة الإعلام وإنتاج المحتوى. ولا سيما أن الموضوعية والحياد والدقة والتوازن وغيرها من العناصر الاخبارية أصبحت غائبة عن المشهد الصحافي وصناعة الإعلام، في الوقت الذي يظهر فيه (الذكاء الاصطناعي) والذي لا يخلو هو الآخر من الكاذيب والأخبار الكاذبة، إلا أنه سيجلب فرصاً جديدة للكفاءات والإبداع، ويتوقع أنه سيؤثر سلباً على المشهد والمحتوى الإعلامي، في حال القيام بإستبدال معظم العاملين في المؤسسات الإعلامية والصحافية بشخصيات رقمية تحل مكانهم في الكثير من المجالات. لذا من الضروري خلق توازن مهني بين من يصنع التقنية الرقمية ومن يصنع المحتوى الإعلامي. فالإعلام ليس مجرد أداة من الادوات الرقمية، بل هو أولاً وآخراً رسالة ومهنة.