حسين الرّواشدة
حين نستعرض مسيرة بلدنا ،على مدى العقود الماضية ، يتردد داخلنا سؤال مهم ، وهو ، كم من الفرص ضيعنا ؟ أقصد إدارات الدولة والمجتمع معا ، وكم من الوقت اهدرنا ، وكم من المبادرات اطلقنا، ولكن بلا نتيجه ؟ الإجابات تبدو متباينة ، البعض يعتقد أن الظروف التي مر بها بلدنا كانت هي السبب، آخرون يرون أن السكة التي نسير عليها مصممة تماما لما نحن فيه ، ما يعني أننا نتحرك وسط اضطررت إلى خيارات ، ثمة من يعتقد ،أيضا ، أن اتساع فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع أربكت الطرفين ، وأفقدتهما القدرة على استثمار الكثير من الفرص.
سواء أكانت هذه الأسباب دقيقة أم لا ، فإن النتيجة التي يتوافق عليها اغلبية الأردنيين هي “تضيع الفرص”، جردة الحسابات طويلة، خذ ،مثلا، المجال السياسي ، ستجد أننا منذ ثلاثة عقود اهدرنا تحولين ديمقراطيين( 1989 ،2011 )، وميثاقا وطنيا، ومبادرات عديدة لترتيب البيت الداخلي ، و سبعة أوراق نقاشية مهمة ، خذ ،أيضا ،المجال الاقتصادي ، ستجد عشرات المشروعات التي فشلت او أُفشلت بضربات مباشرة من سوء التخطيط ، أو تمدد الفساد ، خذ ،ثالثا ،المجالات الدينية والثقافية والاجتماعية ، ستكتشف أن قائمة الفرص المهدورة لا تُحصى ولا تُعد .
بوسع الأردنيين ، أو من تبقى منهم ،قيد الثقة والهمة والأمل ، أن يصارحوا أنفسهم ، كيف حدث ذلك ،ومن يتحمل مسؤوليته ،وما السبيل لاستعادة ما ضيعنا ، ثم مباشرة بنائه أو ترميمه إذا لزم الامر؟ الإجابة تحتاج إلى مسألتين : إرادة سياسية واضحة و حازمة ،تبدأ بتشخيص العلة ،وتنتهي بصرف الأدوية والمعالجات ، الثانية يقظة الكتلة التاريخية التي تمثل المجتمع للتوافق على خارطة طريق، تبدأ بإشهار الانحياز الدولة ونظامها السياسي ، وتصل إلى طرح “القضية الأردنية ” كأجندة عمل بإتجاه هدف واحد، أو فرصة واحدة ، يتم اختيارها ،باعتبارها الدرجة الأولى ،في سُلّم الخروج من الأزمة ، واجتراح الحل.
لدينا ،الآن ،أرضية يمكن الاستناد إليها، مشروعات التحديث الثلاثة ، السياسية والإدارية والاقتصادية ، هذه فرصة مطروحة ، أعرف أنها لم تحظ ،حتى الآن، بما يناسبها من قبول لدى بعض الأردنيين ، أعرف، أيضا ، أنها تعرضت لجراحات واستفهامات ،وتحتاج إلى تقييم بعد عامين على انطلاقها ، أعرف، ثالثا، أن إنجازها يحتاج إلى 10 سنوات او اكثر ، مع ذلك لابد أن نتجاوز كل هذه الالتباسات بإتجاه توافق حقيقي ، تشارك فيه إدارات الدولة ونخب المجتمع ، و يفرز بالتالي إرادة مشتركة للاستثمار بهذه الفرصة ، وتقديم ما يلزم من ضمانات لانجاحها.
أشعر ،وربما غيري كثيرون ،بالحزن والأسى حين استدعي العشرات من الفرص التي ضيعناها على بلدنا ، وأكاد اجزم أننا خسرنا ، بلا أي سبب مقنع ، الكثير مما كان يمكن أن يساعدنا في بناء الدولة ونهضتها ، نحن نمتلك من الموارد البشرية والطبيعية ، اكثر مما تمتلكه دول كانت في آخر قوائم النمو والتقدم، لكنها أنجزت وسجلت تحولات سياسية واقتصادية بفضل وجود إرادة شعبية وسياسية ، فاصبحت من أهم الدول تقدما في العالم .
ما زال الطريق أمامنا مفتوحا لاستدراك ما فات ، المهم أن نبدأ، وأن نغادر كواليس اليأس والشك، والعجز والخوف ، ثم نثق ببعضنا ،ونرفع الوصايات والفزّاعات التي افقدتنا القدرة على العمل والإبداع ، صحيح المهمة صعبة ، وتحتاج إلى تغيير وقائع كثيرة أصبحت واقعا قائما ، يجد من يدافع عنه ، وربما من يستميت لبقائه واستمراره ، لكن الصحيح ،أيضا ،أن الإيمان بالبلد ومستقبله ، وتحمل أمانة مسؤولية أجيالنا القادمة ، يفرض علينا جميعا أن نتحرك ، ونتغير ، لنبني البلد، و نحميه من كل الشرور.