وطنا اليوم:يبدو أن برميل البارود في البلقان على وشك الانفجار مجددًا، بعد اندلاع اشتباكات وتوترات في كوسوفو، باتت تهدد بمزيد من التوترات.
واندلعت أعمال العنف الأخيرة في كوسوفو على خلفية نزاع طويل الأمد بشأن حقوق الأقلية الصربية في البلد الأوروبي، مما ينذر بالقضاء على جهود استمرت لسنوات من أجل تطبيع العلاقات بين الحكومة المركزية ذات العرق الألباني وبين بلغراد، الداعمة لهؤلاء الصرب، بحسب بلومبرغ.
والاثنين، أعلنت بعثة حفظ السلام بقيادة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في كوسوفو (كفور)، في بيان، إن حوالي 30 من أفرادها أصيبوا في اشتباكات مع الصرب الذين خرجوا احتجاجا على تولي مسؤولين من أصول ألبانية مناصب رؤساء بلديات في مناطق ذات أغلبية صربية شمال البلاد.
وكان من بين هؤلاء الجنود المصابين إيطاليون ومجريون، قالت البعثة إنهم “تعرضوا لاعتداءات غير مبررة وأصيبوا بجروح بالغة، منها كسور وحروق بسبب انفجار عبوات حارقة”، وفق رويترز.
ووصل الأمر إلى إعلان الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، وضع جيش بلاده في حالة تأهب قصوى مع تحرك وحداته نحو الحدود القريبة مع كوسوفو.
ودعا الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، كوسوفو إلى تهدئة التوترات مع صربيا، داعيًا الطرفين إلى الانخراط في الحوار الذي يقوده الاتحاد الأوروبي من أجل حل الخلاف.
وكتب على تويتر: “على بريشتينا إنهاء التصعيد وعدم اتخاذ خطوات أحادية من شأنها زعزعة الاستقرار”.
إرث يوغسلافيا
ويمكن أن يعد التوتر الدائر حاليًا آخر بقايا الحروب اليوغسلافية، في إشارة إلى الدولة الكبرى التي انقسمت على مدار سنوات إلى دول كرواتيا والبوسنة والهرسك وسلوفينيا ومقدونيا الشمالية وصربيا والجبل الأسود، وكوسوفو مؤخرًا.
وبعد أكثر من عقدين على الحرب التي أنهاها عام 1999 تدخل من حلف الناتو وانسحاب القوات الصربية من كوسوفو، لا يقبل أصحاب الأصول الصربية شمالي البلاد إلى الآن إعلان كوسوفو استقلالها عام 2008، ويعتبرون بلغراد عاصمتهم.
وبحسب رويترز، يشكل المنحدرون من أصل ألباني 90% من سكان كوسوفو، البالغ عددهم نحو 1.2 مليون نسمة، يعيش بينهم نحو 120 ألف صربي.
وزاد التوتر في أبريل الماضي، بعد انتخابات محلية رفض الصرب المشاركة فيها بعدما طالبوا بحكم ذاتي أوسع في مناطقهم، ليفوز بالتالي المرشحون الألبان بالانتخابات في البلديات، وهو ما رفضه الصرب بطبيعة الحال.
والجمعة الماضية، حاولت سلطات كوسوفو، اصطحاب 3 من رؤساء البلديات للوصول إلى مكاتبهم، لكن متظاهرين من الصرب كانوا في انتظارهم بالحجارة، فواجهتهم الشرطة بالغاز المسيل للدموع والمياه لتفرقة الحشود.
استمر وجود الشرطة بجوار مكاتب البلديات، واستمرت الاشتباكات وسط وجود لقوات حفظ السلام التابعة لحلف الناتو، التي اعتدى عليها المتظاهرون الصرب.
وبعد وصول التوترات إلى الذروة، الجمعة، أمر الرئيس الصربي بفرض حالة التأهب القصوى بين صفوف الجيش وأمره بالتحرك إلى مناطق قريبة من الحدود مع كوسوفو.
وبحسب رويترز، قال وزير دفاع صربيا، ميلوش فوتشيفيتش، في خطاب على شاشات التلفزيون “أمرت بتحرك عاجل (للقوات) نحو حدود كوسوفو. من الواضح أن هناك إرهابا ضد المجتمع الصربي في كوسوفو”.
“العنف لن يسود”
وقالت الشرطة في كوسوفو، إن عدد من أفرادها أصيبوا وتعرضت 4 سيارات للهجوم بعدما أشعل المتظاهرون فيها النيران.
وذكرت فرانس برس، أن حلف الناتو، أكد أنه سينشر قوات إضافية في كوسوفو بعد المواجهات الأخيرة.
من جانبه، اتهم بليريم فيلا، كبير موظفي الرئاسة في كوسوفو، “الكيانات الإجرامية وغير القانونية لصربيا” بتصعيد التوتر ومواجهة هيئات إنفاذ القانون.
وقال في بيان نقلته رويترز، إن “العنف لن يسود.. صربيا تتحمل كامل المسؤولية عن التصعيد”.
ونددت الولايات المتحدة بأعمال العنف، وكتب السفير الأميركي في بريشتينا، جيفري هوفينير، على تويتر: “نندد بالإجراءات المستمرة من سلطات كوسوفو ومحاولتها الوصول إلى مباني البلديات شمال كوسوفو”.
فيما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن “الصرب يقاتلون من أجل حقوقهم في شمال كوسوفو”، وقال تعليقا على تدخل الناتو عام 1999 ضد بلغراد “هناك انفجار كبير يلوح في الأفق في قلب أوروبا، حيث شن الناتو عام 1999 عدوانا على يوغسلافيا” السابقة، بحسب فرانس برس.
وأصيب أكثر من 30 عنصراً في قوة حفظ السلام التي يقودها حلف شمال الأطلسي في كوسوفو، الاثنين، خلال مواجهات مع متظاهرين صرب طالبوا بمنع رؤساء بلديات ألبان منتخبين في اقتراع مثير للجدل من تولي مناصبهم.
كانت توترات كبيرة أخرى اندلعت في أغسطس من العام الماضي، تحولت إلى عصيان مدني بعدما أبلغت سلطات كوسوفو الصرب شمالي البلاد، أن عليهم تغيير لوحات السيارات التي يمتلكونها، الصادرة من صربيا، واستبدالها بأخرى من كوسوفو.
ورفض المواطنون هذا المطلب لسبب بسيط، وهو أنهم لا يعترفون بكوسوفو بل يعتبرون أنفسهم جزءا من صربيا.
ولم تتمكن السلطات في بريشتينا من تنفيذ القرار، وأكد حينها مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إنه تم التوصل لاتفاق بشأن التركيز على تطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفو، وعدم الخوض في أمور جانبية.
ومنذ عام 2013 ينخرط البلدان في حوار برعاية الاتحاد الأوروبي من أجل حل القضايا العالقة بينهما.
ولا تعتبر كوسوفو دولة عضو بالأمم المتحدة بسبب دعم الصين وروسيا لموقف صربيا وعدم الاعتراف بها.
وتواجه روسيا، الحليف القوي لصربيا، انتقادات قوية من كوسوفو، وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية، قالت رئيسة كوسوفو، فيوسا عثماني، في تصريحات إبان أزمة “لوحات السيارات”، إن بوتين يمكن أن يستخدم كوسوفو لتوسيع الصراع الحالي في أوكرانيا وزيادة زعزعة استقرار أوروبا.