بقلم الدكتور محمود السلمان
قدر الله سبحانه أن تكون بلدة الشوبك جزءا من قلبي، وعشيرة الشقيرات هي عشيرة العديد من أصدقائي. والمقارعية، تلك القرية التي كنت أمر بها لتوصيل زميل لنا منها، ما زالت هي أيضا جزءا من هذا الوجدان البعيد. بعض الغياب حضور. فرحيل هذا البطل، بهذه الطريقة، جعله يسكن القلوب ويحضر بحياتنا كبطل بأوضح الصور. إن الله سبحانه لا يمكن أن يقدر لنا أمرًا إلا وفيه خير لنا. لذلك كان من الممكن أن تذهب وتعيش طويلًا دون أن نعلم من أنت. لكنك بحياتك القصيرة، مع معرفتي بوجع القلب هناك في بيتك وفي بيت كل واحد منا، استطعنا أن نعرف من أنت. فكان كل الألم الذي حدث والقسوة التي واجهت، وتلك اللحظة الصعبة التي كانت، مخاضًا أنجب لنا معرفتنا بصفاتك، .التي كانت ستكون بأكبر المعارك: الصبر والشجاعة والإخلاص لأي موقع أنت تتحمل مسؤولية حمايته. نرى الجمال عندما يمتزج بالشجاعة، نرى الخشونة بالنعومة، نرى الرقي، نرى البراءة، فاكتشفنا أن رؤيتك تعني رؤية كل هذا يا مثنى الحبيب بلحظة شجاعة فرضها المطر. كان هناك اعتذار بعيونه، فحتى القوي يحزن لقتله شجاعا في ساحة الوغى.
أنت الشجاع الذي واجه الريح والبرد والمطر والسيول ولم يغادر خندقه. أنت الذي ثبت في مكانه على حدود الوطن، ولم تخفك السيول. أنت الذي ابتسمت لها في البداية معتقدًا أنها تمازحك ولا يمكن أن تتجاوز حدودها، لكن فجأة كشر المطر عن أنيابه، ومع هذا لم تجبن ولم تترك المكان الذي كان عليك أن تكون فيه. يا أيها الضابط الشجاع، أحسب أنك كنت ستكون بنفس الثبات والشجاعة التي كانت مع زلزال المطر الذي لم يجعلك تهرب وتترك الحدود، لو كانت مكانه زلازل بشرية من أقوى جيوش الأرض. كنت ستبقى حيث أنت ولن تدبر وستبقى على عهدك بالوفاء والإخلاص الذي رأيناه، وكانت نهايته رحيلك عنا، وشعرك ما زال أسود ووجهك بهي مبتسم لأيام كان حلمك أن تأتي لكنها لم تفعل. لكنني أقول لك يا مثنى: كل ما وددت تحقيقه من نياشين وأوسمة ورتب، تحقق في معركتك مع هذا المطر الثائر. فالطبيعة التي تمطر مطرًا، تمطر حقًا أيضا. بها علقت على صدرك كل أوسمة الشجاعة وفي كل لحظة صبر منك على زئير الرعد وهجوم المطر وإنذار الخوف المبرق، كنت تترفع رتبة. لقد صبرت في ساحة الوغى بغض النظر عن طبيعة الخطر القادم. فأنت ستكون أنت في كل الظروف المشابهة. شجاعة وجمال ووفاء للوطن. لم تبرح تلك العربة التي كنت أنت مسؤولًا عنها. لم تترك الخندق يا مثنى، لم تجبن، لم تتراجع.
ما أجمل الشعار على جبينك، فهو الجبين الذي يستحق هذا الشعار. ما أجمل الأوسمة على صدرك، فقد وضعتها أنياب المطر في لحظة عراك. هذا المطر البريء الذي لم يكن يعي ما يفعل، لا يعلم شيئا عن عقيدتك العسكرية التي كنت مخلصًا لها أيما إخلاص، أن الجندي الأردني لا يهرب ولا يترك الحدود لجيوش زاحفة أو سيول داهمة.
حمى الله جيشنا الذي بسواعده نحمي الوطن، ومن طينته الصلبة الشجاعة أنت يا مثنى الحبيب. حمى الله جيشنا الذي من دماء أبنائه الزكية التي قدمها في كل الميادين، تستمر مسيرة الوطن. وداعًا يا أيها الجنرال، فكل مدارس الأرض تستطيع أن تدرس القوانين العسكرية، لكنها لن تستطيع تدريس الشجاعة العسكرية، التي أنت كنت فيها المدرس الفعلي الأول وستبقى في وجداننا العميق أجمل رموزها.
محمود السلمان