وطنا اليوم:الضغوط الداخلية والخارجية التي لا تنتهي وتتأزم يومًا بعد يوم، وتصب جميعها على رأس بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، قد تُجبره في أي لحظة على اتخاذ قرارات سياسية وأمنية “مُرعبة” قد تقلب الطاولة وتشعل المنطقة بأكملها.
ولعل أبرز وأخطر هذه القرارات والتي أخذت نصيب الأسد خلال الفترة الأخيرة في التغطية والتداول على وسائل الإعلام والصحف العبرية وكذلك الدولية والعربية، هي العودة من جديد لسياسة الاغتيالات التي باتت صفه دائمة للغدر الإسرائيلي في استهداف قادة المقاومة داخل فلسطين وخارجها، دون سابق إنذار.
لكن قائمة الأسماء وبنك الأهداف الثقيل جدًا الذي وضع على طاولة نتنياهو لاتخاذ قرار الاغتيال وتحديد هدفه الأول، قد تكون صعبة للغاية وحساسة جدًا، وأي اغتيال لأي أسم من تلك القائمة قد تُشعل معركة عسكرية لا تنتهي، وتدخل الجبهات الساخنة التي تحيط بالاحتلال بحرب كبيرة لا أحد يتوقع متى وكيف ستنتهي.
الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، وقائد حركة “حماس” في غزة، يحيى السنوار، والقيادي الاخر بنفس الحركة صالح العاروري، هذا أبرز الأسماء التي يطالب الإسرائيليون ووزراء الحكومة المتطرفة بوضعهم على قائمة الاغتيال، الأمر الذي جعل نتنياهو يحك رأسه كثيرًان ويتروى أكثر وأكثر قبل أي قرار مصيري.
قائمة النار
ارتفاع وتيرة التصريحات في وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأيام الأخيرة عن نية إسرائيل العودة مجدداً إلى استئناف سياسة الاغتيالات بحق قادة المقاومة الفلسطينية، رداً على تأكّل قوة ردعها بعد القصف الصاروخي الأخير من جبهتي لبنان وسوريا تجاه الجليل في فلسطين المحتلة وتصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية والقدس، جعل نتنياهو يصدر تعليمات لوزراء حكومته بعدم الإدلاء بأي تصريحات بهذا الشأن.
هذه التصريحات انسجمت تماماً مع ما كشفه موقع “ميدل إيست أونلاين” البريطاني قبل أيام قليلة في تقرير نشره عن نية نتنياهو إشعال حرب لإنقاذ جلده وإسكات المعارضة، إذ قال: “في ظل المشكلات الشخصية والسياسية الكبيرة التي ما زالت تواجه نتنياهو، فإن خيار الحرب يبدو في الأسابيع القليلة المقبلة جذاباً”.
وتزامنت تعليمات نتنياهو بعدم الإدلاء بأي تصريحات مع ما كشفه المراسل العسكري للقناة 12 الإسرائيلية، نير دفوري، إذ قال إنَّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أعادت مجدداً إلى طاولة المناقشات إستراتيجية سياسة اغتيال قادة فصائل المقاومة الفلسطينية.
ونقل المراسل العسكري عن مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن “طبيعية الرد الإسرائيلي على أي عمليات أو هجمات مستقبلية ستكون مغايرة وقوية وصارمة وغير معهودة، حتى لو كان الثمن الدخول في مواجهة شاملة مع الفلسطينيين بالضفة وغزة”، دون الكشف عن طبيعة الرد.
وأوضح المراسل العسكري أن عودة إسرائيل إلى نهج وسياسة الاغتيالات رسالة إلى قادة فصائل المقاومة وعلى رأسهم قادة حركة حماس، مفادها “لستم محصنين، وقد تشملكم الاغتيالات في حال استمررتم بإرسال ناشطين لتنفيذ عمليات وإطلاق صواريخ على إسرائيل”.
كذلك سبق أن هدد وزير الطاقة والبنى التحتية يسرائيل كاتس بعودة سياسة الاغتيالات ضد قادة فصائل المقاومة في قطاع غزة، قائلا في بيان “إذ استمرت العمليات والهجمات وإطلاق الصواريخ، لا أحد محصن في غزة، وستعود سياسة الاغتيالات إلى الطاولة”.
وجاءت التسريبات حول نية إسرائيل استئناف سياسة الاغتيالات في وقت ركزت فيه وسائل إعلام إسرائيلية على صالح العاروري، ووصفته بأنه “المطلوب الأول للاغتيال”، باعتباره يقف خلف تطوير بنية “حماس” العسكرية في الضفة الغربية ولبنان.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرنوت»، إنه بسبب العاروري غير المعروف في الشارع الإسرائيلي، كادت أن تندلع حرب حقيقية خلال عيد الفصح اليهودي. ووصفت «يديعوت» العاروري، بأنه الشخصية الأكثر كاريزما في “حماس”، وراكم الاتصالات من طهران إلى بيروت والقدس وقطاع غزة، من أجل تحقيق هدفه الأعلى وهو الهجوم على إسرائيل من كل الساحات.
وكانت إسرائيل اتهمت العاروري بالوقوف خلف الهجمات الصاروخية التي انطلقت من لبنان في شهر رمضان رداً على الاقتحام الواسع للأقصى. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية أخرى متلفزة، إن العاروري ما زال يعمل على تعزيز قدرات الحركة العملياتية في لبنان، وبناءً عليه؛ تستعد إسرائيل لفترة معقدة وخطيرة ستتغير فيها قواعد اللعبة.
ومع هذا التطور الخطير، سارعت حركة “حماس” للتحذير من أن عودة إسرائيل لسياسة الاغتيالات ضد قادة الفصائل الفلسطينية سيتبعها “رد أكبر وأوسع من المقاومة”.
جاء ذلك في بيان للمتحدث باسم الحركة، حازم قاسم، بعد حديث قناة إسرائيلية عن أن المؤسسة الأمنية في إسرائيل أعادت مجددا إلى طاولة النقاش استراتيجية وسياسة الاغتيالات لقادة الفصائل الفلسطينية المسلحة”.
وقال قاسم إن “تهديدات الاحتلال بتفعيل سياسة الاغتيالات محاولة فاشلة لتعزيز صورته بعد تعاظم ثورة شعبنا وتعدد جبهات الفعل المقاوم”، مضيفًا أن “العدو يده ليست مطلقة ليمارس إرهابه، ورد المقاومة على أي حماقة أكبر وأوسع مما يتوقعه”.
تفكيك وحدة الساحات
وتابع قاسم: “سنواصل نضالنا المشروع ضد الاحتلال ولن نخشى هذه التهديدات”.
وتشهد الأراضي الفلسطينية توترا متصاعدا منذ بداية العام الجاري، ازدادت حدته بعد اقتحامات الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى بمدينة القدس الشرقية، عدة مرات خلال شهر رمضان، واعتدائها على المصلين والمرابطين بالضرب واعتقال مئات منهم.
وفي هذا الصدد يقول المختص بالشأن الإسرائيلي مصطفى إبراهيم، إن العودة لسياسة الاغتيالات هو مطلب أساسي يطالب به باستمرار وزراء اليمين المتطرف مثل بن غفير وسموتريتش، في ظل تآكل الردع الإسرائيلي في الآونة الأخيرة وخاصة العام الماضي وبداية العام الحالي.
وبين إبراهيم، أن هذه القضية أخذت طابعًا دعائيًا أكثر من الحقيقة التي تسعى إسرائيل لتجنبها بالدخول في عملية قد تؤدي إلى حرب على عدة جبهات، لافتًا في الوقت ذاته أن هذا لا يعني أن هناك نوايا لدى الاحتلال أو تقديرات بإمكانية تنفيذ مثل هذه العمليات كما فعلت ضد فلسطينيين وإيرانيين وغيرهم خارج فلسطين.
ولفت إلى أن أي عملية اغتيال تكون بحاجة إلى قرار سياسي، لكن طرحه بهذه الطريقة الإعلامية بمثابة مجرد حرب نفسية ودعاية إعلامية وسياسية هدفها خلق عملية ردع جديدة، مشيرًا إلى أن التحليلات الفلسطينية للقضية ذهبت إلى ما هو أبعد من رؤية الاحتلال لهذه القضية في ظل تركيز المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على فكفكة توحيد الساحات التي ظهرت جلية بشكل أكبر في الفترة الماضية وخاصة الأحداث في شهر رمضان، والذي جعلت إسرائيل تفكر مليًا قبل أن تقدم على أي خطوة اغتيال أو عملية معينة وتخشى الرد من تلك الجبهات.
وبين أن إسرائيل بالعادة تعمل سرًا وبعيدًا عن وسائل الإعلام وبشكل حذر وصامت ولا تخرج لوسائل الإعلام حين تقرر اغتيال شخصية ما، وما أثير إعلاميًا قد يكون مجرد محاولة إرضاء لبن غفير وسموتريتش، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أهمية أن يكون هناك حالة حذر لدى المقاومة تحسبًا لأي غدر إسرائيلي.
ولفت إلى أن هذه البروغبندا الإعلامية صاحبها الكثير من التحليل الفلسطيني في وسائل الإعلام المختلفة ما أثار حالة من الخوف والقلق في أوساط المواطنين، مرجحًا أن لا تلجأ إسرائيل لمثل هذا الخيار في الوقت الحالي على الأقل داخل فلسطين، خاصة وأن مثل هذه القضية بحاجة لدراسة أمنية إسرائيلية واتخاذ قرار حاسم بشأنها في ظل نقص الخبرة الأمنية لوزراء الكابنيت وخاصة بن غفير وسموتريتش وتسريبهم لكل ما يجري في جلسات الكابنيت.
فهل سيكون نتنياهو قادرًا على اتخاد قرار باغتيال ابرز قادة المقاومة في داخل فلسطين أو خارجها للهروب من أزماتها ويشعل حربًا مفتوحة؟ وما هو الثمن الذي سيدفعه؟