وطنا اليوم:تحولت العاصمة السودانية الخرطوم، لا سيما وسطها، إلى مدينة أشباح جراء الاشتباكات العنيفة الدائرة منذ يوم أمس السبت بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وفي أحياء وسط الخرطوم، مثل الخرطوم شرق والخرطوم 2 والخرطوم 3 وحي المطار، لم يتمكن السكان من النوم نتيجة دوّي الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وزاد انقطاع التيار الكهربائي من أوضاع السكان سوءاً، مع انقطاع نسبي لخدمات المياه.
وأغلقت المحال التجارية أبوابها، ووجد المواطنون صعوبة في التحرك من مكان إلى آخر.
وقال الطيب الحاج، وهو شاب تمكن من الخروج والتسلل في الساعات الأولى من صباح اليوم من منطقة الديوم الشرقية، إن كل ظروف الحياة انعدمت تماماً هناك، مضيفا أن القذائف تتساقط بكثافة على المنازل.
وذكر الحاج أنه تعرض للنهب وأخذت أمواله وهاتفه النقال من جهات لم يعرفها، متوقعاً أن تصاب المدينة بالشلل الكامل في اليومين المقبلين بتوقف كل الخدمات.
وقضى الشاب عمر شريف ليلته في مكان عمله بالخرطوم 2، القريب من محيط قيادة الجيش، تحت وابل الرصاص، ثم نجح في الانتقال إلى أحد المنازل في حي الخرطوم 3 القريب.
وقال شريف إن “أحياء وسط الخرطوم تحتاج إلى عملية إجلاء عاجلة، لأن الخسائر في الأرواح ستكون جسيمة مع اشتداد المعارك وتردي الأوضاع الإنسانية”.
وفي منطقة بري شرق مقر قيادة الجيش ومطار الخرطوم، تبدو أوضاع المدنيين في غاية الصعوبة، حيث تهتز الأرض على وقع سقوط القذائف.
وقالت الشابة نضال محمد إن الأهالي في حي امتداد ناصر القريب يعانون من انقطاع الإمداد المائي وإغلاق الأسواق الكبيرة، فيما تستمر متاجر صغيرة في تقديم خدماتها ويتوقع نفاذ مخزونها في أي لحظة.
وعلم أن أزمة التلاميذ الـ250 الذين علقوا داخل مدرسة كمبوني وسط الخرطوم منذ الساعة الثامنة من صباح الأمس وحتى الآن، نتيجة للاشتباكات العنيفة، لا تزال مستمرة، رغم مطالبات الأسر للطرفين بتوفير ممر آمن لإعادة الأطفال إلى عائلاتهم.
وقالت مصادر إن إدارة المدرسة نجحت في توفير إمداد غذائي لهم.
ورصد في نقاط متاخمة لولاية الجزيرة مغادرة أسر وأفراد في طريقهم إلى مدن وقرى في وسط السودان، حيث بدأت حافلات صغيرة نقلهم عبر طرق بديلة غير الطريق الرئيسي، الذي سيطرت قوات الدعم السريع على نقطة رئيسية فيه بالقرب منطقة الباقير.
وقالت ندى ابراهيم، وهي واحدة من المغادرات: “الخرطوم صارت بالنسبة لي جزءا من التاريخ، ولن أستطيع العيش في الدمار والخراب وأصوات الرصاص.. لا أريد أن يحتفظ أطفالي بمزيد من ذاكرة الحرب والدم”. وأضافت أن وجهتها ستكون مدينة ود مدني “التي تعيش في أمان حتى الآن”.
أما الشاب الطاهر خضر المتوجه لمدينة رفاعة فقرر المغادرة وترك متجره الصغير، مصدر رزقه الوحيد.
وفي الشأن الصحي، قال الطبيب علاء الدين نقد، إن المؤسسات الصحية تواجه ظروفا عصيبة، منها صعوبة وصول المرضى والأطباء وبقية الكوادر الطبية إلى المستشفيات، عدا انقطاع الكهرباء والمياه، مثل ما حدث في مستشفى إبراهيم مالك، وهو واحد من أكبر مشافي الخرطوم.
وبدأ عدد من المشافي في إصدار نداءات استغاثة لنفاد الأدوية وقلة الكوادر الطبية العاملة وضغط العمل الواقع عليها.
وبحسب نقابة الأطباء، فإن مستشفى الخرطوم التعليمي واحد من ستة مستشفيات على الأقل تم إغلاقها، إما لأنها تضررت في القتال أو لتعذر الوصول إليها بسبب الاشتباكات أو بسبب نفاد الوقود.
وقال مركز قادرين لعلاج الإدمان في رسالة إن أهالي المرضى لم يتمكنوا من الوصول إلى المركز لمساعدة مرضاهم، وإن المركز لا تتوفر له سيولة نقدية بسبب إغلاق البنوك، ودعا الأهالي القريبين من المركز إلى التبرع بمواد غذائية وأغطية لنحو 49 مريضا، منهم 5 أطفال.
وكانت سلطات ولاية الخرطوم قد أعلنت، الأحد، عطلة رسمية في جميع المؤسسات، وتعهدت بتوفير كل الخدمات.
أما في أم درمان، غرب الخرطوم، فيبدو الخوف والقلق وسط المدنيين كما في المناطق الأخرى، حيث تستمر المعارك في حي سلاح المهندسين المتاخم لأحياء أبو سعد وأم مبدة والعرضة، وكذلك تدور معارك في محيط مقر التلفزيون والإذاعة الحكومية بمنطقة بيت المال.
وشهدت مناطق شمال أم درمان معارك طيلة ليلة أمس.
وبحسب مهدي بخيت، من أهالي منطقة الجرافة، فإن الأمور هدأت تماما عقب اشتباكات حسمها الجيش مبكرا، مبينا أنه شاهد جثثاً متفحمة تماما على سيارات عسكرية أحرقت بالكامل. وأوضح أن العمليات أثرت على استمرار التيار الكهربائي، حيث أصابت قذيفة الخط الناقل للكهرباء