الصفر الكبير في الدبلوماسية العربية

31 مارس 2023
الصفر الكبير في الدبلوماسية العربية

الدكتور وليد عبد الحي
قطعا لا يقبل علم الرياضيات تعبير ” صفر كبير ” لان الصفر كبيرا او صغيرا لا تتغير قيمته،لكن في الدبلوماسية العربية هناك صفر كبير وصفر متوسط وصفر صغير بل و” صُفَيْر”، فمؤتمرات القمة ، والمنظمات الاقليمية الفرعية (مجلس التعاون الخليجي،اتحاد المغرب العربي، ميثاق طرابلس ، الجامعة العربية ، مؤتمرات القمة، الوحدة المصرية السورية ) هي صفر كبير، وهناك صفر صغير كاللقاءات الثنائية بين الزعماء العرب ، ولقاءات وزراء الخارجية والداخلية …الخ، والاتحادات المهنية العربية ، والمجموعة العربية في الامم المتحدة …الخ.
والصفر يعني أن القيمة او حجم المعطى او الانجاز هو “لا شيء” تماما، إذا لماذا نصفه بصفر كبير او صغير، لان حجم الوهم هو الكبير او الصغير، اما الفعل نفسه فهو صفر، ويكفي ان ندلل على ذلك بالقول، هل يمكن أن تجد اي اتفاقية او او معاهدة او بروتوكول او اتفاق ثنائي او نتائج مؤتمر قمة من عشرات القمم او لقاءات ثنائية بين العرب انتجت شيئا، فالاوروبيون بدأوا رحلة التكامل بالسوق المشتركة بعد اقامة الجامعة العربية، لكنهم بلغوا الان نقطة البرلمان وتصل نسبة التجارة والاستثمارات والاتحادات الفعالة بينهم نسبة تفوق 65%، ناهيك عن عملة واحدة ومفوضية فاعلة ..الخ، فماذا انجز العرب؟ لم يتم تنفيذ اي شيء ويتم نسيان كل القرارات وتجاهلها بعد ايام قليلة، فالمشاكل بين دول اتحاد المغرب العربي اقرب لحافة الحرب، ومجلس التعاون الخليجي اشبه بوكر ذئاب لا يتورع اي منهم عن نهش الذئب الآخر، والنهش يتم اعلاميا وحصارا اقتصاديا وخنقا سياسيا ، وما جرى مع قطر ليس ببعيد، بعد ان نهشت قطر بربيعها الجسد العربي وبانفاق تجاوز المائة وسبعة وثلاثون مليار دولار…قاطع العرب مصر وعادوا لها، قاطعو العراق وعادوا لها ، قاطعوا سوريا وها هم يتقاطرون على ابواب دمشق.
لذلك من السذاجة من وجهة نظري تكبير الصفر في العلاقات العربية، فما تكبرونه اليوم سيظهر لكم بعد ايام انه لا شيء، ما هي الا ايام او اسابيع وتنشب أزمة جديدة، وتعود حليمة لعادتها القديمة.
ولكن ما السبب في الصفر الكبير والصغير؟
أولا: ليس لاي دولة عربية استراتيجية واضحة ومستقرة الا ” الحفاظ على امن النظام السياسي”، فهذا الجانب يطغى على امن الدولة وامن المجتمع، لكن أنظمة “أمن النظام” تكبر اصفارها حتى لو حلق الحاكم شعره.
ثانيا: ثقافة المؤامرة لان اللعبة تدور في الظلام ، فهناك مستبد يحرك عسسه حتى في غرف النوم، ولذا فأي حركة مهما بدت بسيطة لا تغتفر ، ويعتقد كل نظام ان الانظمة الأخرى تتآمر عليه، بل حتى المثقفين في قدر كبير منهم بدأوا يمارسون ذلك وبحرفية عالية، وفي ثقافة المؤامرة يصبح اللقاء او المعاهدة ما هي الا حلقة من حلقات المؤامرة مهما حاولت الدبلوماسية تجميلها ليكبر الصفر.
ثالثا: اعلام يضفي الهالة على اي لقاء ثنائي او جماعي بين العرب، ثم لا يلبث ان يعود للتشاحن وانفاق الاموال لتكبير الصفر او تصغيره رغم انه صفر..ألم يشن الاعلام العربي على مصر بعد معاهدة كامب ديفيد حملة خلقت وهما بأن العرب جادون في الامتناع عن مجاراة مصر، ثم كان ان قاد صدام مسيرة اعادة مصر دون ان تغير مصر موقفها، وفي حرب اكتوبر دخلت سوريا ومصر حربا ضد اسرائيل لتنتهي بقطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، واجتمعت التنظيمات الفلسطينية عشرات المرات للوحدة ، لكن النتائج نحو المزيد من التمزق…وكان الربيع العربي هو الوهم لصفر عملاق ، خراب اقتصادي وانهاك عسكري وانفتاح على اسرائيل وشلل في الجامعة العربية ….الخ.
الكل حاليا يتغنى بطلائع العودة العربية لسوريا ولاعادتها للجامعة العربية، لكني اراهن – مع حليمة- على ان الامر ليس الا صفرا لكنه كبير، فما الفرق بين العودة لسوريا او عودة سوريا للجامعة وبين الحال العربي والسوري قبل القطيعة الحالية؟
لقد حكم البعثيون قطرين متجاورين لكنهما أسسا لاسوأ علاقة بين قطرين عربيين، وحكم الناصريون اهم دولة عربية فاسسوا للزعيم الذي كان يحكم بانتخابات يحصل فيها الحاكم على 99.99% من الاصوات ، وحكم اليساريون في اليمن الجنوبي فتصارعوا على اسس قبلية وتناسوا الطبقية ، وجلس الاسلاميون على كرسي السلطة في اكبر بلد عربي ، وشكلوا الحكومة في بلد عربي آخر، وفازوا في الانتخابات في بلد عربي ثالث ورابع وخامس…لكنهم لم ينجزوا اي انجاز له معنى بل انهم تشققوا وانشغلوا بقضايا لا تدل على وعي استراتيجي فهم صفر كبير رغم ان عمرهم السياسي قارب القرن،وفي السودان صاحبة اللاءات الثلاثة طلع علينا حاكم عسكري جديد كان اول نشاط دبلوماسي له في الخارج وبعد فترة جد قصيرة من سيطرته هو اللقاء مع نتينياهو…انه عالم عربي محكوم بمستبد وراقصة ودرويش وبرميل نفط…انه وهم الصفر الكبير.