وطنا اليوم:تعيش الولايات المتحدة، الثلاثاء، 21 مارس/آذار 2023، حالة ترقب في انتظار مصير التحقيق مع الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وسط مخاوف من اضطرابات محتمَلة، خاصة بعد حديث ترامب عن احتمال اعتقاله، ودعوته أنصاره للنزول إلى الشارع.
حيث قالت شبكة “بي بي سي” البريطانية إن الشرطة الأمريكية تستعد في مدن كبرى لاضطرابات محتملة في حال القبض على ترامب ضمن تحقيق بشأن مزاعم دفع أموال لنجمة إباحية للتكتم على العلاقة التي زعم أنهما كانت بينهما. وستكون هذه أول قضية جنائية ترفع ضد رئيس أمريكي سابق.
حسب الشبكة البريطانية، فقد كثفت السلطات في نيويورك وواشنطن العاصمة ولوس أنجلوس من وجودها تحسباً لاحتجاجات.
انتشار أمني مكثف
أقيمت حواجز فولاذية، الإثنين، 20 مارس/آذار، خارج محكمة مانهاتن الجنائية، حيث يمكن توجيه الاتهام إلى دونالد ترامب، وأخذ بصمات أصابعه وتصويره إذا تم تقديم التهم هذا الأسبوع، كما تتوقع وسائل الإعلام الأمريكية على نطاق واسع.
بينما شوهد وجود متزايد للشرطة خارج برج ترامب في المدينة. وقال مصدر في الشرطة لشبكة “سي بي إس”، الشريك الأمريكي لبي بي سي، إن جميع أفراد قوات شرطة نيويورك، بما في ذلك محققون يرتدون ملابس مدنية، أمروا بارتداء زيهم الكامل يوم الثلاثاء، ووضعوا على أهبة الاستعداد للتعبئة.
فيما كانت شرطة نيويورك وفرقة مكافحة الإرهاب التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي على اتصال مع وحدة المخابرات الأمريكية المختصة بحماية الرؤساء والرؤساء السابقين، حول احتمال اعتقال دونالد ترامب.
كما قال مصدر في الكونغرس لشبكة “سي بي إس” إن شرطة الكابيتول، التي تحمي أعضاء الكونغرس في الكابيتول هيل بواشنطن العاصمة، تخطط لإصدار إعلان طوارئ الثلاثاء. ويهدف الأمر إلى زيادة التنسيق مع وكالات إنفاذ القانون الأخرى.
استعدادات للتعامل مع أنصار دونالد ترامب
سيكون المزيد من المسؤولين عن التعامل مع الاضطرابات المدنية على أهبة الاستعداد أيضاً، على الرغم من أن المصدر في الكونغرس قال إنه لا يوجد تهديد محدد، وأن الأمر كان استباقياً.
في لوس أنجلوس، كانت الشرطة ومسؤولون فيدراليون يستعدون لمظاهرة مؤيدة لترامب يوم الثلاثاء خارج مبنى فيدرالي، حسبما ذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز.
فيما اكتشف مسؤولو المخابرات الأمريكية زيادة طفيفة في التهديدات عبر الإنترنت ضد المسؤولين القانونيين والحكوميين، منذ أن كتب ترامب على الإنترنت، السبت، 18 مارس/آذار أنه يتوقع أن يتم القبض عليه يوم الثلاثاء، وفقاً لشبكة “سي بي إس”.
بينما كانت معظم التهديدات ضد المدعي العام في مانهاتن، ألفين براغ، الرجل المتوقع على نطاق واسع أن يوجه اتهامات ضد ترامب.
يوم السبت، في نفس اليوم الذي نشر فيه دونالد ترامب أن مؤيديه يجب أن يحتجوا، أرسل براغ رسالة بريد إلكتروني إلى الموظفين. وكتب المدعي العام: “لا نتسامح مع محاولات ترهيب مكتبنا أو تهديد حكم القانون في نيويورك”
ويواجه دونالد ترامب اتهامات جنائية تتعلق بمزاعم حول دفعه أموالاً لإسكات نجمة أفلام إباحية كانت تنوي نشر تفاصيل علاقة جمعتهما، وقد ينتج عن ذلك القبض عليه هذا الأسبوع، فماذا يعني ذلك لترشح الرئيس السابق للانتخابات المقبلة؟
وكتب ترامب في منشوره: “هناك تسريبات غير قانونية من مكتب المدعي العام الفاسد والمسيس للغاية في مانهاتن، الذي أتاح الفرصة لجرائم العنف لتصل إلى أرقام قياسية، ورئيسه المُمول من جورج سوروس، تشير إلى أنه سيتم اعتقال المرشح الجمهوري الرئيسي، والرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية، يوم الثلاثاء من الأسبوع المقبل. احتجوا، استعيدوا أمتنا!”. وذلك رغم عدم وجود جريمة يمكن إثباتها، واستناداً إلى قصص قديمة تم فضحها بالكامل (من قبل العديد من المدعين العامين الآخرين!).
ما تفاصيل ورطة ترامب القانونية هذه المرة؟
ذكرت مصادر أن ألفين براغ، المدعي العام لمنطقة مانهاتن في نيويورك، قدّم أدلة لهيئة كبار المحلفين في نيويورك على أن ترامب دفع مبلغاً قدره 130 ألف دولار لنجمة الأفلام الإباحية، ستورمي دانيالز، في أواخر الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2016، مقابل سكوتها عن علاقة زعمت الممثلة أنها جمعتها بترامب.
كان ترامب قد نفى وجود أي علاقة مع دانيالز، واسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد، واتهمها، عن طريق محاميه، بالابتزاز. وترجع وقائع القصة إلى عام 2016 عندما اتصلت دانيالز بوسائل إعلام أمريكية، عارضة عليها بيع قصتها حول ما قالت إنها علاقة جنسية ربطتها بدونالد ترامب في عام 2006.
وعندما علمت حملة ترامب بالأمر، قام محاميه، مايكل كوهين، بدفع مبلغ 130,000 دولار للسيدة دانيالز لكي تلتزم الصمت. هذا الأمر في حد ذاته لا يمثل مخالفة قانونية. لكن لاحقاً، يزعم أن ترامب قام بسداد المبلغ إلى كوهين على دفعات، وتظهر سجلات الدفع أن تلك المبالغ دفعت بهدف سداد رسوم قانونية.
وهنا يقول الادعاء أن هذا الأمر يعتبر تزويراً في سجلات أعمال ترامب، وهذا يمثل مخالفة أو جنحة جنائية بحسب قوانين ولاية نيويورك. وإضافة إلى هذه المخالفة أو الجنحة، قد يقدم الادعاء أيضاً لترامب اتهاماً بأنه انتهك القانون الانتخابي، على أساس أن محاولته إخفاء علاقته بدانيالز تم بهدف إخفاء الأمر عن الناخبين، وبالتالي فإن تزوير السجلات المالية يعتبر جريمة أشد خطورة.
وفي حالة إدانة ترامب بهذه التهم، فالعقوبة تتراوح بين الغرامة المالية إذا كان الاتهام جنحة وبين السجن لمدة أقصاها 4 سنوات إذا كان الاتهام جنائياً. فما مدى احتمال إدانة ترامب في المحاكمة من الأساس؟ الأمر الوحيد الذي يجمع عليه الفريقان، المؤيد لمحاكمة ترامب والرافض لها والمندد بها، هو أن القضية معقدة للغاية وإثبات التهمة من جانب الادعاء مسألة ليست سهلة، إضافة إلى أن مدة المحاكمة قد تستمر لعام أو أكثر على أقل تقدير.
فتاريخ المحاكمات الأمريكية يحمل سوابق ضئيلة لمثل هذه المحاكمة، وباءت جميع المحاولات السابقة لتوجيه اتهام لسياسيين بعبور الخط الفاصل بين تمويل الحملات الانتخابية والإنفاق الشخصي بالفشل.
لكن ترامب أصبح بالفعل صاحب الرقم القياسي في السوابق التاريخية، فهو أول رئيس سابق يتعرض منزله للاقتحام والتفتيش من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي، في إطار مذكرة تفتيش أصدرها النائب العام لاسترجاع “وثائق سرية” كان قد نقلها من البيت الأبيض إلى مسكنه الخاص، وهي مخالفة قانونية جسيمة بطبيعة الحال.
إذ كانت مداهمة منتجع مارالاغو، وهو منزل الرئيس السابق، لا تزال حدثاً بارزاً داخل وخارج الولايات المتحدة، فالغارة التي وقعت الإثنين 8 أغسطس/آب 2022، سابقة لم تحدث في التاريخ، حيث قامت قوات الأمن بمداهمة مقر إقامة ترامب وفتَّشته وصادرت عشرات الصناديق من الوثائق، التي تحمل تصنيف “سري للغاية”.
كما أن ترامب ملاحَق من جانب الأجهزة القضائية الفيدرالية لعدد من الأسباب، منها ما يتعلق بالتهرب الضريبي، ومنها ما يتعلق باقتحام أنصاره الكونغرس الأمريكي يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، لكن تلك الغارة التي نفذتها قوات مكتب التحقيقات الفيدرالي غير مرتبطة بأي من ذلك، بل بشأن نقل الرئيس السابق مستندات مصنفة على أنها “سرية للغاية” من مكانها داخل البيت الأبيض إلى منزله الخاص.
ما تأثير إدانة ترامب على ترشحه في الانتخابات؟
يقول خبراء قانونيون إن أي محاكمة لترامب، بغض النظر عن القبض عليه خلال هذا الأسبوع من عدمه، لن تبدأ ربما قبل أكثر من عام، وقد تتزامن مع الأشهر الختامية للحملة الانتخابية لرئاسة البيت الأبيض في 2024، والتي يسعى فيها ترامب للعودة إلى المكتب البيضاوي.
فما يواجهه ترامب هذا الأسبوع معروف بلائحة الاتهام، وهي عبارة عن إشعار رسمي يتهم فيه المدعون العموميون شخصاً ما بارتكاب جريمة، ويحوي معلومات أساسية عن التهم الموجهة إليه.
وكي يتمكن المدعي العام من استصدار لائحة اتهام جنائية، يعرض قضيته ضد هذا الشخص أمام هيئة محلفين كبرى، وفقاً لوزارة العدل الأمريكية. وقد يُستدعى الشهود للإدلاء بشهادتهم أمام هيئة المحلفين الكبرى وتُقدَّم الأدلة خلال جلسة أو جلسات مغلقة.
وبعد الاستماع إلى المدعي العام والشهود، تجري هيئة المحلفين الكبرى تصويتاً سرياً لتقرير إن كانت الأدلة المتوفرة كافية لإصدار لائحة الاتهام. ولو قررت هيئة محلفين كبرى أن الأدلة غير كافية، لا تصدر لائحة اتهام.
وجميع الإجراءات التي وقعت أمام هيئة المحلفين الكبرى، والتي، على سبيل المثال في قضية فيدرالية، تتكون عادة من 16 إلى 23 عضواً، تظل سرية. ومن الضروري أن يوافق ما لا يقل عن 12 عضواً في هيئة المحلفين الكبرى على إصدار لائحة اتهام.
ويقول المحامون إن عبء إثبات الأدلة ليس كبيراً على هيئة المحلفين الكبرى، لأن إجراءاتها لا تحدد إدانة أو براءة؛ بل هي مجرد إجراء لتحريك القضية ودفعها إلى المحاكمة في النهاية، بحسب تقرير لصحيفة The Independent البريطانية. وإذا أقرت هيئة المحلفين لائحة الاتهام، فبإمكان المدعي العام بعد ذلك إحالة القضية إلى جلسة استماع تُعقد أمام قاضٍ. وفي جلسة الاستماع، يتلو القاضي التهم الموجهة للمدعى عليه والعقوبات القصوى لهذه التهم.
ونشرت شبكة CNN الأمريكية تحليلاً عنوانه “لماذا ستكون لإدانة ترامب تداعيات سياسية ووطنية هائلة”، رصد الموقف غير المسبوق الذي يواجه السياسة الأمريكية، في ظل دعوة ترامب أنصاره للتظاهر احتجاجاً على اعتقاله المحتمل، وكيف أن ما قد يحدث على الأرجح سيفوق في خطورته اقتحام الكونغرس الأمريكي عام 2021 رداً على خسارة ترامب الانتخابات أمام جو بايدن