وطنا اليوم/ نص كلمة معالي الدكتور نذير عبيدات في الجلسة الحوارية المتعلقة بالتقرير الوطني حول وفيات الامهات.
سعادة الدكتورة نغم أبو شقرة مستشار وأخصائي إدارة المشاريع في مكتب الصحة والسكان في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).
سعادة الدكتور عبدالمانع سليمان رئيس اللجنة الوطنية لوفيات الأمهات
أصحابُ المعالي، والعطوفة، والسعادة،
السيّداتُ والسّادةُ،
الحضورُ الكِرامُ،
لأُحيّيكُمُ اليومَ مِنْ رِحابِ الجامِعَةِ الأُردُنِيَّةِ،
الجامعةِ الّتي خَرَّجَتِ الكثيرَ مِنَ الأَطِبّاءِ والمُمرّضينَ والصّيادِلَةِ الّذين أبدعوا في مِهَنِهِم، وكانَ لَهُم دورٌ هامٌّ في تحسينِ مُستوى الطِّبِّ النِّسائِيِّ، وطِبِّ الأطفالِ وحديثي الولادَةِ في الأُردُنِّ.
وإذ إنَّ حياةَ الإنسانِ هِيَ الأعلى
ولأنَّ حياةَ الأُمِّ تسبقُ حياةَ الأبِ أشواطًا طويلةً في أهميتها وتأثيرها .
لا بُدَّ لَنا أن نقفَ وقفةً مُتجَذِّرَةً وعميقةً
نبحثُ فيها عَن وفي أجوبةٍ لأسئلةٍ هامّةٍ
فحواها: أينَ نقفُ اليومَ من وفياتِ الأُمّهاتِ؟
ولماذا تموتُ الأُمّهاتُ الحَوامِلُ؟
وما طريقُ الخلاصِ من هذا الرُّعبِ الكبيرِ، الذي يحدثُ عندَ موتِ الأُمِّ التي حَمِلَتْ لِتلِدَ إلى العالمِ حياةً جديدةً، فإذا بِنا نخسرُ الأُمَّ، والطفلَ أيضًا في كثيرٍ مِنَ الأحيانِ .
كيف ولماذا ومتى؟
لعلَّنا نحتاجُ إلى عملٍ كبيرٍ، لعلَّهُ يبدأُ قبلَ الزَّواجِ وقبلَ الحملِ، عملٍ يُعيِّنُ علَيْنا أن نلتزمَ بتحسينِ جودةِ الأُمومةِ من خلالِ مبادئَ توجيهيَّةٍ ومعاييرَ دقيقةٍ ومدروسةٍ.
ولعلَّنا نحتاجُ، عندما نملكُ المعلومةَ الصّحيحةَ، إلى فريقِ رصدٍ لا يرحمُ المُقَصِّرَ أوِ المُتخاذِلَ، ولا بُدَّ لنا مِن برامجَ تبحثُ في الجودةِ والسَّلامَةِ
ولا بُدَّ من دعمِ القادةِ السّريريّينَ وأصحابِ المُبادراتِ، ولا بُدَّ أن نَصِلَ للجمهورِ، ونشارِكَهُ طريقَ الخلاصِ.
إذن، مِنَ المُفترَضِ أَن نُراجِعَ هذا كُلَّهُ، أن نبحثَ ونعودَ للتّعليمِ لِنعرِفَ ماذا وكيفَ نُعَلِّمُ طلبةَ الطِّبِّ في برامجِنا المختلفةِ التّابعةِ لِكُلِّيّاتِ الطِّبِّ، وأن نُدرِّبَ الأطباءَ في برامجِ التّدريبِ في الاختصاصاتِ المُختلفَةِ، وبالتّالي، أن نُجَوِّدَ السّياسةَ السّريريَّةَ في تعامُلِها مَعَ الحوامِلِ وولادتِهِم والعنايةِ بِهِنَّ.
إنَّ صحَّةَ الأُمِّ النفسيَّةَ أثناءَ الحملِ وعندَ الولادَةِ وبعدَها، خاصَّةً الأُمُّ التي تُختَبَرُ بمرَضٍ أوِ اعتلالٍ في مثلِ هذهِ الظُّروفِ، هي مسألةٌ لا بُدَّ مِنَ التّذكيرِ بِها وإيجادِ السُّبُلِ المُختَلِفَةِ لمَنعِها أوِ التَّعامُلِ مَعَها عندَ حدوثِها.
قبلَ ثلاثينَ (30) عامًا، وصلَ عددُ وفياتِ الأُمّهاتِ بسببِ الولادةِ أكثرَ مِنْ نِصفِ مليونٍ سنويًّا في جميعِ أنحاءِ العالمِ، هذا إلى جانبِ موتِ ملايينِ الأطفالِ قبلَ سِنِّ الخامسةِ.
إنَّهُ عددٌ ضخمٌ وكبيرٌ، لذا أصبحَ لِزامًا على المُؤسَّساتِ الصِّحِّيَّةِ العملُ على تخفيضِ هذهِ الأرقامِ إلى النِّصفِ تقريبًا.
وهذا ما حدثَ، والحمدُ للهِ.
لعلَّنا شَهِدْنا في الأعوامِ العشرينَ الأخيرةِ إنجازاتٍ محوريَّةً في تأمينِ الدَّعمِ السياسيِّ الرفيعِ المُستوى لِصِحَّةِ الأُمِّ وحديثي الولادةِ والأطفالِ في دُوَلِ العالمِ، وقَد أبدَعَتْ قياداتُ بعضِ الدُّوَلِ في هذا المجالِ، وكانَ التزامُها أمرًا بالغَ الأهميَّةِ، ما أدّى لانخفاضٍ ملموسٍ في عَدَدِ الوفياتِ في الدُّوَلِ المُتَقَدِّمَةِ.
إنَّهُ الوقتُ المناسِبُ للحديثِ من جديدٍ، بعدَما عَلِمْنا بارتفاعٍ ملحوظٍ في عَدَدِ وفياتِ الأُمَّهاتِ في أُردُنِّنا الحبيبِ، حتّى وإن تزامنَ ذلكَ مع جائحةِ كورونا.
إذا نَظَرْنا نظرةً كَوْنِيَّةً، فلا بُدَّ مِنَ الاعترافِ بأنّنا نعيشُ في عالمٍ لا تتساوى فيهِ الفرصُ، ولا يتوفَّرُ فيه العدلُ ولا المساواةُ.
ما زِلنا نُعايِشُ موتَ كثيرٍ مِنَ النِّساءِ والأطفالِ لافتقارهم إلى رعايةٍ صِحِّيَّةٍ جَيِّدَةٍ.
حين تبلغُ مُعَدَّلاتُ وفياتِ الأُمَّهاتِ والأطفالِ في أقَلِّ البُلدانِ نُمُوًّا ما يُقارِبُ ثلاثينَ (30) ضِعفَ مُعدّلاتِ وفياتِ الأُمَّهاتِ والأطفالِ في البُلدانِ ذاتِ الدَّخلِ المُرتَفِعِ، فهذا أمرٌ مُخجِلٌ للبشريَّةِ، في عصرٍ نعيشُ فيهِ قِمَّةَ التَّقَدُّمِ والتَّحوُّلِ التّكنولوجيِّ.
لا بُدَّ أن نسألَ: لماذا وأينَ غابَتْ قِيَمُ العدلِ والمُساواةِ؟
لا بُدَّ أن نُزيلَ رُعْبَ الوِلادةِ لدى الأُمَّهاتِ وعائلاتِهنَّ.
ولا بُدَّ من تأمينِ فُرصَةِ الوِلادةِ بأمانٍ؛ فهذا أملُ الأُمَّهاتِ في كُلِّ مكانٍ.
ولا بُدَّ أن ينجُوَ الأبُ والعائلةُ مِن مَوْتِ الأُمِّ وضَياعِ العائلةِ وتَشَرُّدِ مَن بَقِيَ حَيًّا بعدَ وفاتِها.
يجبُ أَنْ يكونَ المُستقبَلُ أكثرَ إشراقًا لِكُلِّ امرَأَةٍ وكُلِّ طفلٍ.
إنَّ التقارُبَ العالَمِيَّ بشأنِ صِحَّةِ الأُمِّ وحديثي الوِلادَةِ والطِّفلِ، وما تقومُ بِهِ الجهاتُ، هي خطوةٌ تَتَّسِمُ بالكِفايَةِ والذَّكاءِ، ويمكنُ اعتبارُها مُحَرِّكًا ضخمًا للنُّمُوِّ الاقتصادِيِّ وازدهارِ الشُّعوبِ.
إنَّهُ الاستثمارُ الذَّكِيُّ والواعي في حياةِ النّاسِ وسعادتِهم ورفاهِ البَشَرِيَّةِ.
يجبُ أنْ نسألَ أنفُسَنا في بلدِنا العزيزِ: هل نملِكُ استراتيجيَّةً واضِحَةً تضمَنُ تقديمَ الخَدَماتِ المُؤدِّيَةِ لحدوثِ تغييراتٍ جوهريَّةٍ في الوصولِ إلى نتائِجَ أفضلَ، من خِلالِ تطبيقٍ دقيقٍ لمُتَطَلَّباتِ الجَوْدَةِ؟
وهل تضمنُ مؤسَّساتُنا الصِّحِّيَّةُ، التي تقودُها وِزارَةُ الصِّحَّةِ، المُساءَلَةَ والشفافيَّةَ في استخدامِ موارِدِ المانحينَ والحكومةِ؟
إنَّنا مُتحَمِّسونَ أيضًا لرُؤيَةِ النَّدواتِ والمُؤتمراتِ العِلمِيَّةِ في الجامعاتِ وخارجَها، وأن تنخَرِطَ في هذا كُلِّهِ منظّماتٌ أخرى غيرُ الوِكالةِ الأمريكيَّةِ (USAID)، مِثلُ اليونيسيف والتَّحالُفِ العالَمِيِّ لِلّقاحاتِ والتَّحصينِ، وأن يُشارِكوا في توفيرِ دَعْمٍ مالِيٍّ إضافِيٍّ يُوضَعُ في خِدمَةِ الأُمِّ وطِفلِها.
نحتاجُ أوّلًا، لوقفِ موتِ الأُمَّهاتِ والأطفالِ الصِّغارِ، إلى معرِفَةِ هُويَّةِ الموتى، وأيُّ الأسبابِ قادَتْ إلى ذلكَ المصيرِ، وأين وقعَ ذلكَ الموتُ؟
ولَنْ يتحقَّقَ هذا إلا بِوجودِ نظامِ تسجيلٍ دقيقٍ وجريءٍ يَصِلُ إلى كُلِّ مدينةٍ وقريَةٍ ومخيمٍ.
هذا سؤالٌ أضَعُهُ أمامَكُم بوصفي أبًا ومُواطِنًا.
متى نستطيعُ أن نُسَجِّلَ كُلَّ حَمْلٍ وكُلَّ وِلادَةٍ؟
وهل نَملِكُ نظامًا حَيَوِيًّا نَشِطًا رَقمِيًّا يُلبّي هذا الهدفَ أوِ الغايةَ؟
هل نَملِكُ تغطيةً تأمينيَّةً صِحِّيَّةً شامِلَةً تُنقِذُ الأرواحَ، وتزيدُ من النُّمُوِّ الاقتصادِيِّ، وتُساعِدُ الملايينَ مِنَ النّاسِ على انتِشالِ أنفُسِهِم مِنَ الفَقرِ والعَوْزِ والتَّهميشِ؟
يبقى علَيْنا أن نضمَنَ ما يُلْزِمُ أطِبّاءَنا على اتِّباعِ بروتوكولاتٍ علاجِيَّةٍ أساسُها العِلمُ والبحثُ والدَّليلُ العلمِيُّ.
عَلَيْنا أن نَجِدَ الطّريقَةَ الّتي نحمي بِها أطِبّاءَنا ومُمَرّضينا مِنْ أنفُسِهِم، ومِنَ الوُقوعِ في الخطأِ الذي يُمكِنُ أن ينتُجَ عَنْ قِلَّةِ المَعرِفَةِ، أو – لا سَمَحَ اللهُ – عَنِ الطَّمَعِ أوِ الضَّغطِ الاجتماعِيِّ.
لَنْ ترحَمَنا عدالةُ السّماءِ إن أخطَأنا.
وقبلَ هذا، لا بُدَّ أَنْ تتحقَّقَ العدالَةُ في الأرضِ حتّى نَحْمِيَ الأُمَّ والطِّفلَ والطَّبيبَ.
دعونا نتركُ هذهِ الانطلاقةَ ونحنُ ملتزِمونَ جميعًا بتقديمِ رِعايَةٍ صِحِّيَّةٍ أساسِيَّةٍ جَيِّدَةٍ للمرأةِ والطِّفلِ والعائِلَةِ في كُلِّ مكانٍ.
حَفِظَ اللهُ الأُردُنَّ شعبًا وموطِنًا وقِيادَةً عَرَبِيَّةً هاشِمِيَّةً
والسّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.