استعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية- الإيرانية خطوة في الاتجاه الصحيح

12 مارس 2023
استعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية- الإيرانية خطوة في الاتجاه الصحيح

أ.د. أمين المشاقبة

منذ سبع سنوات خلت انقطعت العلاقات السعودية- الإيرانية. وبعد جولات عدة من المفاوضات توسطت بها كل من عُمان، وقطر، والعراق، والآن جاء دور الصين التي عملت على إعادة هذه العلاقة الاستراتيجية على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة، والاحترام المتبادل للمصالح. الصين تظهر اهتمامها بمصالحها في المنطقة، وإبراز أنها فاعل أساسي بعد الزيارة التاريخية للرئيس الصيني للمملكة العربية السعودية، وإبرام العديد من الاتفاقات الاستراتيجية والاقتصادية بين البلدين، فهذا التقارب هو تأكيد سعودي بتنويع تحالفاتها وعدم اعتمادها على طرف واحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية التي خذلت السعودية في أكثر من مرة، فالتحولات في السياسة الدولية تتقدم ببطء، لكنها تبرز أن دولة الصين فاعل أساسي وقادر على إيجاد الحلول لبعض الأزمات في المنطقة، وهذا يتناسب مع مصالحها وخروجها عن حالة الحياد والتوازن في العلاقة مع جميع الأطراف، وهذا الخروج والتحرك الدبلوماسي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الصين هي دولة فاعلة في النظام الدولي المسيطر عليه أحادياً، وتدعو دوماً إلى نظام دولي متعدد الأقطاب، وهذا ما تعارضه الولايات المتحدة، أما إيران فقد تمت شيطنتها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة بشكلٍ يخدم مصالح تلك الأطراف؛ إذ تسعى إسرائيل لمنع إيران من استخدام الطاقة النووية وعدم تطويرها، وتهدد بين حين لآخر لضرب المفاعلات النووية الإيرانية، وهي ضد الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 وتم تجميده في عهد “دونالد ترامب” وموقفها يتمثل بعدم عقد أي اتفاق مع إيران. وصورت الولايات المتحدة الأمريكية بأن إيران هي التهديد لأمن دول الخليج العربي، ولا بد من الوقوف ضدها ومحاربتها.
إن هذا التحول الجديد في الدبلوماسية السعودية يؤكد أنها دولة تؤمن بالدبلوماسية وفتح آفاق جديدة مع الجار الإيراني على أساس الاحترام المتبادل واحترام المصالح الوطنية لكل الأطراف والتعاون لحل الأزمات، وأولها الأزمة اليمينة التي استنزفت المملكة عسكرياً ومالياً، وإذا ما أصبح هناك تفاهم بين الطرفين على احترام المصالح فإن هناك حلاً سياسياً قادماً في المسألة اليمنية التي طالت وأكلت الأخضر واليابس وحولت الدولة اليمنية إلى دولة فاشلة بالمعنى الدقيق، ناهيك عن أهمية التعاون بين الطرفين في حل المسألة السورية التي تتعمق فيها إيران بشكل سافر، ويضاف إلى ذلك إعادة العراق لعمقه العربي من خلال التعاون السعودي- الإيراني لبناء منطقة مستقرة سياسياً.
إن الاستفادة من الوقائع التاريخية أمر إيجابي في العلاقات الدولية، فقد عملت الولايات المتحدة على تجييش وتحريك السعودية للوقوف أمام المد الإيراني، باعتبارها العدو الأول الذي يهدد المنطقة، وتفاجأ العالم بعقد الاتفاق 5+1 بموافقة الولايات المتحدة عام 2015، مما جعل السعودية في حيرة من أمرها وعلى أثرها بدأت تعزز علاقاتها مع الاتحاد الروسي.
باعتقادنا أن هذه الخطوة إيجابية وفي الاتجاه الصحيح؛ لأنها تفوّت على إسرائيل خلق تحالف في المنطقة يقف ضد الجمهورية الإيرانية، وتسعى إيران إلى لعب دور في عدم امتداد الاتفاقات الإبراهيمية التي تسعى إسرائيل من خلالها إلى الهيمنة على المنطقة، وهذه الخطوة تحفّز العديد من دول المنطقة لإعادة العلاقات الدبلوماسية لدول المنطقة مع إيران. ونحدد هنا الوضع الأردني، مما يفسح المجال أمام توازن العلاقات مع القوى الإقليمية في المنطقة أولاً، وثانياً يحسن العلاقات الاقتصادية على المستوى العام.
تسعى الولايات المتحدة في سلوكها السياسي لعسكرة العالم وخلق نزاعات دولية تستفيد منها استراتيجياً واقتصادياً، وخير مثال على ذلك الحرب الأوكرانية- الروسية، وما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن التحرك على جبهة تايوان والتحرش بالصين، وكل ذلك من أجل إبقاء النظام العالمي تحت هيمنتها وسيطرتها وأنها اللاعب الوحيد المتحكم بالنظام الدولي.
هذه الخطوة السعودية تقلق الولايات المتحدة وإسرائيل؛ لأن السعي العام هو إبقاء المنطقة تحت طائلة الخوف من إيران، إيران الجغرافيا، والتاريخ، والثقافة لا يمكن إزالتها من الوجود مهما كانت العقوبات. وهنا لا بد من مد جسور التعاون معها، مع ضرورة التأكيد على أن ما قامت به المملكة العربية السعودية يؤكد على استقلالها وقدرتها على حماية مصالحها ومصالح دول المنطقة وشعوبها في بناء أواصر التعاون للمساهمة في حل أزمات المنطقة إن كان ذلك في اليمن أو سوريا أو غيرها من الدول، وهذا ما سيدفع دولاً أخرى للانضمام للركب بما يخدم مصالح الدول والشعوب، وسيكون لها ارتدادات إيجابية عميقة على مستوى الأمن الإقليمي وعلاقات الدول في الإقليم.