في السياسة ( لمن يقرأ )

22 يناير 2023
في السياسة ( لمن يقرأ )

بقلم : سهل الزواهرة

تمر الدول بأوقات عصيبة و يكون ذلك إما لسوء إدارتها أحيانا و أحيانا لظروف قاهرة ليس معها لليد حيلةً أو دفعًا وقد يتحالف هذا مع ذاك أحيانا اخرى ، و معظم الدول ليست بمعزل عن تلك الأوقات و تتشابه في ذلك ، و قد يكون النوع الثالث الذي يختلط فيه سوء الإدارة و غياب الكفاءة مع الظروف القاهرة التي تضرب دون تمييز هو الأكثر شيوعا ، و هنا أنا لست معنيا بتلك الظروف القاهرة وانما تركيزي على ما لليد به من حيلة و قدرة و هو عندما يغلب على الدول أمراض تصيبها بإرادتها و على رأس تلك الامراض التفرد بالسلطة و الذي قطعًا لن يسوق إلا إلى زلل و انحراف فالفرد مهما تمتع بقُدرات أو دعم أو تغطية يبقى قاصرا و لا يمكن أن يلم بالصورة كاملة و لو امتلك آلاف المستشارين و أهل الرأي فهو بالنهاية من سيتخذ القرار و هو من سيقرب و يبعد من يشاء و سيكون خاضعا للأصوات التي احتكرت حظوته و التي على الغالب لن تدل إلا على خيرها الخاص و المتكيف مع هوى المتفرد و دون إقامة أي وزن للهم و المصلحة العامة و السبب ببساطة أنهم ليسوا من اختيار الناس بل من اصطفاء الحاكم بأمر الله فتراهم يجاملونه و يزينون له الفرادة و العبقرية و يلعبون دور العازل بينه و بين الناس و همومهم ، و في هذه الحالة لا يتحمل المسؤولية العملية و التاريخية الا هذا المتفرد و طريقته في إدارة دولته و التي تتحول مع الايام إلى شكل وهمي للدولة و يقترب من شكل المزرعة أو المؤسسة الفردية ذات المالك الواحد سواء كان فردا أو عائلة أو حزبًا ، و هذا التفرد و ما أحاط به نفسه هو بالقطع سيكون طريق الفساد على كل المستويات و في كل القطاعات و يصبح مع الزمن طريقة لإدارة الدولة و يجب أن يتكيف الكل معه تماما كقربة مثقوبة بعدة ثقوب و ينساب منها الماء إلى مصارف خفية و لا تحظى أجواف الناس إلا بالنزر اليسير الذي بالكاد يبقيهم على قيد البقاء ، أما المصارف الخفية فهي ليست إلا قنوات تصب في مستنقعات الحلقة الضيقة لتكون و سيلة لإنبات مزيد من الفساد الذي لا ينتهي و الذي يتم توارث مفاتيحه من جيل إلى جيل .
و غني عن البيان القول أن الدول الديموقراطية الحقيقية و التي تطبق بها معادلات التداول السلمي على السلطة هي الأقل فسادا و الاكثر قدرة على البقاء و التمكن و مرد ذلك أنه بمجرد تغير السلطة فيها يتم محاصرة الفساد تلقائيا فيخشى الذاهب من القادم و يحرص القادم على كسب الثقة الشعبية للإستمرار بالسلطة اكبر فترة ممكنة و التي مهما طالت فستنتهي و يأتي من يقدم الجديد و يحاسب القديم فتنضبط الأمور و يدرك كل دوره و مداه .
إن اكبر آفة قد تصيب دولة هي وضع كل بيضها في سلة غيرها و رهن أمور تسييرها بيد الآخر سواء كان دولة أو مؤسسة، و يتوقف على رضا ذلك الآخر مصير الدولة و استقرارها فيروح هذا الآخر لوضع شروط بقاء الدولة و على الأغلب تكون تلك الشروط متصادمة مع أبسط معايير السيادة و الاستقلال فتغدو هذه المصطلحات مجرد مناسبات عابرة للاحتفال بلا قيمة أو أثر ، و تسقط على المجتمع إملاءات سياسية و اقتصادية و اجتماعية تضطر الدولة المفرطة إلى القبول بها و فرضها على المجتمع و تكون المأساة الكبرى إذا كان ذلك الآخر ليس جهة واحدة فقط بل عدة جهات تريد فرض مصالحها فتدخل الدولة و المجتمع بالضرورة في تناقضات و ضغوط لا نسق لها و لا منطق فيها و تنهشها التبعية ، فتصبح السياسة شعارات و الاقتصاد تسول و الاجتماع تصادم و تبدأ إشارات الفشل بالظهور الواضح على جسد الدولة فتضيع الثقة بمؤسسات الدولة و تكثر بؤر الاضطراب و التفلت و تختل الأولويات و تفرغ المفاهيم من مضمونها فيصبح الأمن الخشن نهج و تصبح رسائل الامل و الفرج متكررة دون أن يتغير شيء بالواقع لا بل العكس تماما بحيث يستمر التراجع و الضُمور و يتم تكبير الصغيرة اذا كان فيها شبهة نجاح و تصغير الكبيرة ولو كانت فشلا مؤكدا ، و تعْمد السلطة إلى خلق و إحياء تناقضات بالمجتمع لإضعاف عوامل المقاومة و الرفض لديه بحسب تكوين ذلك المجتمع و نقاط ضعفه و تكثر من جهة أخرى التحديات الخارجية و يتم المبالغة بها لا بل اصطناعها أحيانا لتحويل النظر عن الوضع المتشظي داخليا ، و في هذه البيئة الغير صالحة لأي شيء تظهر بالصورة الفئات الناقمة داخليا و التي لها ثارات مع المجتمع أو الدولة فتروح صوب ركوب موجة الحرص على الأوطان و لا يكون هدفها طبعا الإصلاح بل هي تريد مزيدًا من الاضطراب و التشتت لأن في هذه البيئة فقط تستطيع تقديم نفسها كبديل للسلطة أو كقيم عليها سواء للداخل أو الخارج و يعظم خطرها إذا كانت تمتلك الثروة و النفوذ و يتعاظم هذا الأثر و الخطر إذا كانت أصلا هي جزء من مخطط الإسقاط منذ اللحظة الأولى .