مُلُوك لَنَا لَا مُلُوك عَلَيْنَا

13 ديسمبر 2022
مُلُوك لَنَا لَا مُلُوك عَلَيْنَا

لورنس عواد

الْأُمَم وَالْبُلْدَان تَتَقَدَّم تَقَدَّمَا تراكميا وَمَن يَتَنَبّأ لِلْمُسْتَقْبَل عَلَيْهِ أَنْ يَتَفَحَّص تِلْك التراكمات بِدِقَّة وبنظرة شُمُولِيَّةٌ , فَالتَّقَدُّم السِّياسِيّ يُرَافِقُه بِاسْتِمْرَار التَّقَدُّم الاقْتِصَادِيّ مِمَّا يَنْعَكِس مُبَاشَرَة عَلَى الشَّعْبِ , فَمُنْذ بِدَايَةِ القَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ وَبَعْدَ خُرُوجٍ العثمانيين كَانَ هُنَالِكَ عَقْدًا اِجْتِمَاعِيًّا بَيْن الْعَشَائِر والفلاحين فِي بِلَادِ الشَّامِ مَعَ الهاشميين وَلَن أتطرق إلَى التَّارِيخِ أَوْ إلَى سَائِس بِيكُو بَلْ إلَى الضَّفَّة الشَّرْقِيَّة لنهر الْأُرْدُن وَاَلَّتِي هِيَ الْآنَ وَبِكُلّ فَخْر الْمَمْلَكَةُ الأرْدُنِيَّةُ الهاشِمِيَّةُ .
فَالْعَقْد الاجْتِمَاعِيّ كَانَ نَوَاهُ الدُّسْتُور الأردني الَّذِي نَصَّ بِكُلّ وُضُوح بِأَنَّ الْحُكْمَ نِيابِي مِلْكِي وِراثِي وَهُنَا نَتَكَلَّم عَن الدُّسْتُور الَّذِي صَاغَة مَنْ قَامَتْ هَذِهِ الدَّوْلَة الأرْدُنِيَّة عَلَى أَكْتَافِهِمْ وَسَقَوْهَا وَسُقُوا أَرْضِهَا بِدِمَائِهِم دفاعا عَنْهَا وَعَنْ أَهْلِهَا فمبايعة الهاشميين عَلَى الْمِلْكِ ( مُلُوكًا لَنَا لَا مُلُوكًا عَلَيْنَا ) .
أَنَّ الْحُكُومَةَ بطاقمها الوِزَارِيّ رَئِيسا وَأَعْضَاء وَبَاقِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَى هَذَا الطاقم والمؤتمرين بِأَمْرِهِم هُم السُّلْطَةِ التَّنْفِيذِيَّةِ ( موظفون ) , لَيْسَ لَهُمْ أَيْ دُورٌ تَشْرِيعِيٌّ أَو سِيَاسِيّ فالتشريع وَالسِّيَاسَة مَقَرِّهَا مَجْلِسُ الأمَّةِ بِشِقِّه النيابي ولتعطيل الْعَمَل النيابي لِأَكْثَرَ مِنْ عَقْدَيْن وَطَبِيعَةٌ الدَّوْلَة لَا تُقْبَلُ الْفَرَاغِ إنْ وَجَدَ هَذَا التغول مِن السُّلْطَةِ التَّنْفِيذِيَّةِ عَلَى السُّلْطَةَ التَّشْريعِيَّةَ وَلِضَعْف الْعَمَل النيابي ولغياب الْفِكْر الحزبي والسياسي افْتَقَدَت الْمَجَالِس النِّيَابِيَّة مِنْ مَجْلِسِهَا الْحَادِيَ عَشَرَ الْأَغْلَبِيَّة النِّيَابِيَّة الْمُؤَهَّلَة لِلْعَمَل النيابي مِمَّا انْعَكَس سَلْبًا عَلَى النَّهْج السِّياسِيّ وَالْفِكْر الْجُمَعِيّ للناخب مِمَّا سَمَح لِلْمَال السِّياسِيّ وَنُفُوذ السُّلْطَةِ التَّنْفِيذِيَّةِ والجهوية أَن تَمْلَأ الْفَرَاغُ الَّذِي تَرَكَهُ الْفِكْر السِّياسِيّ الحزبي باجنداته الوَطَنِيَّة فَكَان الْهَاجِس الْأَعْظَم الْحَرَكَة الْإِسْلَامِيَّة أَوِ الفِكْرِ البعثي أو الشُّيُوعِيّ فَلَم يَتَغَذَّى الصَّفّ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسُ بِالْفِكْر السِّياسِيّ الَّذِينَ هُمْ الْآن يَتَزَاحَمُون عَلَى الصَّفَّيْن الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فِي الْعَمَلِ السِّياسِيّ فَمَفْهُوم هَذَا المرشح لِلْعَمَل النيابي مدعوما حكوميا فِكْر يَدْعُونَا جَمِيعًا إلَى إعَادَةِ النَّظَرِ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْعِيَة الناخب قَبْل تَوْعِيَة المرشح .
أَنَّ الظُّرُوفَ الاقْتِصَادِيَّة الَّتِي أوصلتنا إلَيْهَا نَهْج حكومات سَابِقَةٌ وَحَالِيَةٌ أَسَاسُهَا الضَّعْف النيابي وَمِنْ هُنَا وَمِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ العصيبة الَّتِي يَمُرُّ بِهَا الْأُرْدُن فرياح الْغَلَاء جَلَبْت مَعَهَا رِمَال الْفَقْر وَالْخَوْفُ مِنْ غُبَارٍ الْجُوع الَّذِي قَدْ يُعْمِي الْبَصَر وَالْبَصِيرَة , وَلَكِن كَمَا قَالَ الْمِثْل الصِّينِيّ ( فِي كُلِّ مُشْكِلَةٌ هُنَالِك فِرْصَة حَقِيقِيَّةٌ ) فالنهج النيابي الْآن وَهُنَا يُمَثِّلُه الْمَكْتَب الدَّائِم بِرَئيسِه يُعِيدنَا إلَى مَجَالِسِنَا النِّيَابِيَّة السَّابِعُ وَالثَّامِنُ ونأمل أَنْ يَمْلَأَ الْفَرَاغِ وَإِنْ يَسْتَعِيد الصلاحيات النِّيَابِيَّة وينتزع الْفِكْر التشريعي مِن السُّلْطَةِ التَّنْفِيذِيَّةِ لِكَي يَعْتَدِل مِيزَان السُّلُطَات الثَّلَاث القضائية والتشريعية والتنفيذية فَكَمَا يُمَثِّل الْمَجْلِس الشَّعْب فَإِن مَكْتَبِه الدَّائِم يُمَثِّل الْمَجْلِس وَمِنْ هُنَا عَلَيْنَا أَنْ ننتبه إلَى تِلْكَ الْبُذُورِ الَّتِي برعمت ونحافظ عَلَيْهَا فالإصلاح الاقْتِصَادِيّ لَن يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا تَحَقَّقَ الإِصْلاَحُ السِّيَاسِيُّ وَلَن يَتَحَقَّق الإِصْلاَحُ السِّيَاسِيُّ إلّا بِاسْتِرْجَاعِ السُّلْطَةَ التَّشْريعِيَّةَ نُفُوذَهَا وصلاحياتها , فَمَن يَظُنُّ أَنَّ مَا يَحْدُثُ الْآنَ هُوَ ضِدُّ السُّلْطَةِ التَّنْفِيذِيَّةِ نهجا أَخْطَأ بِتَقْدِيرِه فَمَا يَحْدُثُ الْآنَ هُوَ لِقَتْل تِلْك البراعم قَبْلَ أَنْ تتجذر .