بقلم: اللواء المتقاعد الدكتور رضا البطوش
مدير الاستخبارات العسكرية الأسبق
نائب سمو الأمير علي مدير المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات الاسبق
ثمة تخوف لدى الأردنيين على هويتهم الوطنية وهو تخوف مشروع في ظل تطورات الحالة الإقليمية وانشغال الدويلات القطرية العربية في مواجهة ما يهدد كياناتها ووجودها وهي تطورات خطيرة ستنهي مفهوم الدولة القومية القطرية والى الأبد لصالح الدولة القومية اليهودية وتطلعاتها في إسرائيل الكبرى وما هو أبعد من ذلك، وهو استعمار من نوع جديد وبأدوات مختلفة، وحتى يتحقق الحلم الإسرائيلي في إطار هذا التوجه سيتم خلق كيانات موالية على انقاض الدولة القومية العربية يسند لها أدوار وظيفية لتصبح كيانات بلا هوية.
ولكي يخرج هذا السيناريو إلى حيز الوجود والذي بدأ فعلاً، لا بد وأن يفوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو من يحمل لواء التغيير في صفقة القرن بدعم منقطع النظير من اليمين الصهيوني العالمي المتطرّف، وحتى تصل الصهيونية العالمية إلى تحقيق أهدافها في إنشاء الدولة القومية اليهودية ضمن هذا السيناريو، فإنه لا بد وأن تُستهدف الدولة السنّية في تركيا والتي رسّخت وجودها من خلال فرز قيادات خلاّقة أخذت تركيا إلى مصاف الدول المتقدمة، وسيكون من ضمن الأدوات لتحقيق ذلك، الكيانات العربية منزوعة الهوية والتي سيتم خلقها هنا وهناك وسيصبح العرب هم الوقود الذي يحقق هذا الحلم وسيكون بقاء قيادات هذه الكيانات مرهون بتنفيذ ادوارهم الوظيفية عَنْوَةً لصالح إسرائيل مقابل الحماية وستعاني شعوب هذه الكيانات ويلات قمع الحريات والفقر وإرهاب الدولة (الكيان). هذا السيناريو بدأ فعلاً والشواهد على ذلك ما يجري في دول الجوار لتأمين الأبعد بالنسبة لإسرائيل كما حصل في العراق الشقيق وما تلاه من إرهاصات الربيع العربي المخطط لها بدءاً بتونس ومروراً بليبيا ومصر وسوريا وصولاً إلى الأقرب فلسطين الحبيبة لطمس الهوية الفلسطينية وجذوة النضال المتّقدة فيها وبأيدي ذوي القربى وهي الأولوية الأهم بالنسبة للدولة العبريّة في تحقيق حلم إسرائيل الكبرى.
على شعبنا الطيّب أن يعي حقيقة مفادها أن الأزمة السورية لم تنتهي بعد وستلقي بظلالها شئنا أم ابينا على الهوية الوطنية الأردنية، وعليه فإن ذوبان الهوية الأردنية قد بدأ فعلاً مع بدء الأزمة السورية والتي من أهدافها غير المعلنة إعادة النظر بحدود إتفاقية سايكس وبيكو لكي يتسنى اذابة كيانات الدول التي تشكلت جرّاء هذه الإتفاقية، وتقف عثرة أمام ذوبان الهوية الفلسطينية وهو الهدف الأسمى بالنسبة لإسرائيل وحتى يتحقق يجب أن يسبقه ذوبان الهوية الوطنية الأردنية والتي تقف بصلابة مع الأشقاء الفلسطينيين للحفاظ على هويتهم وجذوة نضالهم المتّقدة وبدون ذلك لن يتحقق حلم دولة إسرائيل الكبرى.
على شعبنا الطيّب أن يدرك أيضاً إن استهداف الأردن لن يتوقف، وأن من لا يريدون لوطننا الحبيب خيراً ويأملون بأن نتنازل عن قيمنا وواجباتنا الوطنية وحقوقنا التاريخية في فلسطين وقدسنا الحبيب سيستخدمون كل الوسائل المتاحة لتحقيق أهدافهم الإستراتيجية من ضمنها ذوبان الهوية الوطنية الأردنيّة، وعليه فإن السبيل الأوحد لمواجهة ما يهدد هويتنا الوطنية هو أن يقف شباب الوطن الغيارى في وجه هذا التهديد ضمن مَنْهَجَ تخطيط إستراتيجي مبدع يتمخض عنه هياكل تنظيمية وقدرات تكيّف إستراتيجي قادرة على الصمود لتحقيق أهداف إستراتيجية معلنة وغير معلنة وأهداف تنفيذية قابلة للتحقيق تقود إلى تحقيق أهدافنا الإستراتيجية في إطار مصالحنا الوطنية المشروعة وقبل فوات الأوان، عين على الوطن وعين على فلسطين الحبيبة وقدسنا الشريف.
أخيراً وليس اخراً على شعبنا الطيب المعطاء وشباب وطننا الحبيب أن يلتفوا حول ثوابت الدولة الأردنية (قيادتنا الهاشمية الملهمة ووطننا الحبيب) وهي سر البقاء لنا في منظومة أمننا الوطني تفتديها المهج والأرواح، فالأردن يمر في منعطف خطير غير مسبوق، وأمننا الوطني مهدد، وسنخرج إلى بر الأمان فقط بوعي شعبنا الطيب، وليعلم من هم في مختلف مواقع المسؤولية بأن التاريخ لن يرحمهم، ولن يسامحهم الشعب، إن لم يتخذوا القرارات الصائبة اليوم قبل غدٍ وقبل فوات الأوان، فنحن لا نمتلك ترف الوقت، فليكن لديكم الجرأة لإطلاق الحريات العامة تحت مظلة الدستور والوطن وقيادته الهاشمية الفذّة وتوقفوا عن استهداف الشخصيات الوطنية الوازنة فالخاسر هو الوطن في ظل هذا التعنت غير المبرر، لا تهدموا وطناً بُني على التسامح لا على الضغينة، فاستهداف الشخصيات الوطنية يفتّ في عضد الوطن ويضعفه.
أعرف بأن ما أكتبه سيغضب البعض، لكن على هذه الأرض ما يستحق التضحية، فالحياد عندما يتعلق الأمر بالوطن وقيادته خيانة، والمرجفون لا يبنون وطناً ولا يستطيعون دفع المخاطر عنه في حالك الأيام، هذه إضاءة لما يحاك لوطننا الحبيب وقيادته الهاشمية الفذّة والتي نعتز ونفتخر بها وبشرعيتها، اللهم إني قد بلّغت اللهم فاشهد.