العميد زهدي جانبك يكتب: الأسلحة في الأردن

17 ديسمبر 2020
العميد زهدي جانبك يكتب: الأسلحة في الأردن

منذ أن بدأت تداعيات ما سمي بالربيع العربي على الشقيقة سوريا وتحول الصراع فيها إلى حرب داخلية مسلحة، بدأت ظاهرة التسليح بالنمو على الجانب الأردني بشكل كبير وغير مسبوق… وترافق ذلك مع زيادة كبيرة في استخدام الأسلحة النارية في المشاجرات، ثم تطور الأمر إلى زيادة في الجرأة باستخدام الأسلحة ضد الأجهزة الامنية… وقد توضحت مظاهر هذا النمو من خلال:
– ازدياد إظهار الأسلحة النارية المرخصة وغير المرخصة… في جميع المناسبات… حتى بلغ معدل عدد المصابين نتيجة إطلاق النار في الهواء حوالي 25 مصاب سنويا وتسجيل حالة وفاة واحدة على الأقل سنويا.
– ازدياد في الشعور بعدم الأمن دفع باتجاه الرغبة بالتسلح.
– ازدياد واضح في استخدام الأسلحة النارية من قبل المجرمين أثناء ارتكاب جرائمهم…. علما بأن 42٪ من جرائم القتل تتم بالاسلحة الناريه… بينما تشكل جرائم استخدام السلاح في المشاجرات ما نسبته 48٪ من جرائم استخدام السلاح…. في الوقت الذي تشكل جرائم استخدام السلاح في السرقة والسلب والتهديد والخطف 5٪ من مجمل حالات استخدام السلاح المسجلة.
– ازدياد حالات محاولات الانتحار، والانتحار باستخدام الأسلحة النارية.
– ازدياد التوجه لدى العاملين بالأجهزة الامنية إلى استخدام السلاح ضد المجرمين دفاعا عن النفس و كرد فعل على اطلاق النار باتجاههم.
– ارتفاع بعدد الاسلحة المضبوطة بالسنوات الأولى من الحرب السورية ثم انخفاضا ملحوظا في السنوات الآخيرة.
– تهريب الأسلحة من الأردن إلى سوريا والعكس وفقا للعرض والطلب على جانبي الحدود.
– عدم الخوف من امتلاك السلاح بسبب ضعف العقوبات في القانون.
– الانتقادات الشديدة لقانون منع الجرائم التي أضعفت سلطة الحكام الاداريين في مواجهة هذه الظاهرة.
– ازدهار تجارة السلاح وتضاعف ارباحها.

و مؤخراً…
ما ان انتهت الاحتفالات بانتصارات مجلس النواب حتى بدأنا بالاعتراض على حالات خرق القانون،… وللأسف اعتقد البعض اننا فوجئنا بكمية السلاح او نوعية السلاح المستخدم وان هذا هو محل احتجاجنا… والواقع اننا اعترضنا على السماح بهذا الانفلات في ظل قانون الدفاع، وبالترافق مع انتشار اكثر من 50 الف رجل أمن عام في الشارع (ومعهم الدرونات) … وكان جوهر انتقادنا منصبا على أنه: ان كان الحال هكذا في ظل قانون الدفاع وحظر التجول وحظر التجمعات والانتشار الواسع و المرهق للامن العام… فتخيلوا كيف كان سيكون الامر بالوضع الطبيعي؟؟!!!!!

والنتيجة… انطلقت الماكنة الاعلامية تحليلاً… وانتشر المحللون على طول وعرض مساحة الوطن، منتقدين، أو مبررين ومدافعين… وامتلأ الفضاء المرئي والمسموع والمكتوب بالمفيد وغير المفيد بهذا الشأن…

ولكن أكثر ما لفت انتباهي تلك التصريحات الصادرة عن مجموعة من الذوات والتي ركزت الحوار كله على نقطتين:
1. “سلاح العشائر”.
2. ضرورة ترخيص السلاح “كله” بكافة أنواعه.

ولا اخفيكم ان مصطلح “سلاح العشائر” قد استفزني كثيرا، لأنني وطيلة خدمتي الامنية لم اسمع بهذا المصطلح… لاننا في المؤسسة الامنية لم نكن نشعر ان هناك شيء اسمه “سلاح العشائر” ولم يخطر ببالنا ان نربط العشائر بالسلاح… ونظرا لخطورة استخدام هذا المصطلح قررت أن اكتب هذه الليلة عن هذا الموضوع لقطع الطريق على سعي البعض نحو توجيه الاهتمام إلى هذا الاتجاه، ثم استغلاله كمدخل للمطالبة بترخيص جميع الأسلحة مهما كان نوعها ومهما كان عددها حتى لو بلغ 50 مليون قطعة سلاح على حد تعبير أحدهم.

والانكى من ذلك، ان الحجة التي كررها جميعهم كانت: ان سلاح الأردنيين لم يتم توجيهه ضد الدولة منذ تأسيسها…

وهنا سنختلف ، وقد ينزعج البعض لصراحتي، ولكن هذا الموضوع لا يحتمل المجاملات…
أولا:
نحن في الأردن لا يوجد لدينا “سلاح عشائر” ، وما كان يجوز الزج بعشائرنا في هذا الحوار وبالشكل الذي تم… حيث تم إظهار الدولة وكانها في مواجهة عشائر مسلحة، وأن العشائر (المسلحة) هي المستهدفة بتعديل القانون، وهذا ليس صحيحا…
وما هي الا طريقة لجأ اليها البعض لاستغلال كلمة العشائر بشكل غير سليم لتحقيق مكاسب ومنافع مادية لقطاعات مختلفة على رأسها تجار السلاح…
وحتى لا يقفز أحدهم ويقول لي: “انت وين عايش؟”، أود أن أوضح أنني على اطلاع كامل ان لدينا شعبا مسلحا، وأننا رابع دولة عربية من حيث انتشار السلاح بين المواطنين… ومع ذلك أكرر وأؤكد بانه لا يجوز ابدا ان نقول “سلاح العشائر”، لأن المتربصين بالأردن سوءً سيترجمون هذا المصطلح على أنه اعتراف بوجود ميليشيات عشائرية منظمة ومسلحة… وهذا ظلم للاردن… وتطرف في استخدام الحجج لتحقيق أهداف مالية…
وتجدر الإشارة إلى أنني بحثت في Google فوجدت ان هذا المصطلح لم يتم استخدامه لدينا الا عام 2017 بعد ان طرح وزير الداخلية الأسبق سلامة حماد (ابن احدى اكبر عشائر الاردن) مقترح تعديل قانون الأسلحة لمنع اي تداول للاسلحة الرشاشة والاوتوماتيكية بين أفراد الشعب… وهو توجه اشكره عليه وأدعمه بشدة… هذا الطرح الراقي تم اجهاضه بشده وسرعة من قبل لوبيات استخدمت كلمة العشائر لاثارة الموقف ضده وتشكيل معارضة قوية لمشروع تعديل القانون بحجة الدفاع عن العشائر.

ثانياً:
اسمحو لي بتذكير السادة أصحاب مقولة… “لم يتم توجيه السلاح إلى الدولة”… بأن هذه الفرضية غير صحيحة وغير منطقية…
يا سادة، وجود السلاح بأيدي الأفراد مغري… ومغري جدا لإظهار القوة والخروج على الدولة… وليس ادل على ذلك من ثورة ماجد العدوان ضد الدولة… حيث انضمت اليه عشائر العجارمه والشركس والبلقاوية في ثورة مسلحة ضد الدولة…
و أذكركم باحداث 1989 وما نتج عنها من إصابات نتيجة استخدام السلاح ضد الدولة…
واحداث 1996 و 1998 وما رافقها من فوضى واستخدام السلاح ضد الدولة… ثم أذكركم بمهاجمة المراكز الامنية بالاسلحة في كل من العقبة، واربد ، والرمثا، والكرك، وذيبان، والموقر ، ومعان، واحداث عام 2012 ،(وهذه ليست أحداث إرهابية، وليست مواجهة جنائية مع مجرمين) ، وقد ذهب ضحية هذه الهجمات خلال العقدين الماضيين اكثر من ستة رجال أمن وجيش… بل ان إطلاق النار على مركز أمن المدينة القديم في معان استمر لاسابيع ليليا حتى اضطرت مديرية الامن العام إلى نقل المركز الأمني إلى أطراف المدينة….
نعم يا سادة تم توجيه السلاح ضد الدولة وضد منشآتها وضد ذراعها التنفيذي الأمني في مناسبات عديدة .

واذ أذكركم بهذه الحوادث، فإنني افعل ذلك للتأكيد على ضرورة سحب السلاح الناري الاوتوماتيكي من ايدي المواطنين كافة…مع البقاء على تعليمات الترخيص كما هي مقتصرة على المسدسات وبنادق الصيد… وبالتأكيد تغليظ العقوبات على حيازة الأسلحة الاوتوماتيكية بشكل كبير جدا يجعل امتلاكها وحيازتها مخاطرة كبيرة جدا تشجع المواطن على التخلص منها و/او تسليمها طوعا إلى الدولة خوفا من العقوبات القاسية المترتبة على حيازتها….
و تغليظ العقوبات عند استخدام السلاح الناري في ارتكاب الجرائم سواء المرخص او غير المرخص.
مع ضرورة العودة إلى التشدد في موضوع مصادرة الأسلحة علما بأن الاحصائيات تظهر تراجعا كبيرا في هذا المجال خلال السنوات الخمس الماضية حيث تم مصادرة ما يقارب من 3300 قطعة سلاح عام 2014، وانخفض هذا الرقم ليصبح 2500 قطعة سلاح عام 2019.

وجوب العمل على استهداف منابع التسليح وتجفيفها وبالاخص:
– التهريب المنظم.
– الهدايا.
ويكون ذلك من خلال تشديد إجراءات ضبط الحدود ومنع التهريب عبرها…. وبنفس الوقت تعديل قواعد الاشتباك مع المهربين ليكون رد الفعل الأمني قويا وحازما في التعامل مع تجاوز الحدود غير القانوني.
وللحديث بقية…