وطنا اليوم:العين الأردنية سياسياً وأمنياً تتجه مرة أخرى وباهتمام بالغ وبشغف هذه المرة نحو الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، وبالطبع في إطار الحرص على الاستمرار في تقليب صفحات برنامج التهدئة العامة الذي اقترحه على الأردن والسلطة والإسرائيليين، الرئيس الأمريكي جو بايدن، عندما زار المنطقة قبل عدة أسابيع.
برنامج بايدن للتهدئة سقط تماماً وخرج من معادلة الواقع الموضوعي والحديث عن تفاعلات اقتصادية تحت عنوان «تحسين معيشة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة» سقط هو الآخر، لا بل ترنحت فكرة بايدن ودول الطوق العربي أو دول المحور المعتدل تماماً تحت عنوان حسابات الانتخابات الإسرائيلية الداخلية بين يمينيين متطرفين كلاهما ضد الآخر الآن ويجر معه في الأثناء المنطقة برمتها. الأردن في حالة قلق، ورئاسة الوزراء تلقت عدة تقارير، والخارجية تتابع، والمنظومة الأمنية الأردنية بدأت تحترز لاحتمالية القفز بسيناريو انتفاضة ثالثة ستكون أعنف من الانتفاضتين السابقتين هذه المرة، وقد ترقى إلى مستوى الصدام المسلح بمعنى الانتفاضة المسلحة.
وهو سيناريو تعتقد عمان أنه الأسوأ بلا منازع وقد يجر المنطقة إلى حالة فوضى غير مسبوقة، ومما لا شك فيه يؤثر بسياق التداعيات على الحالة الاجتماعية والاستقرار العام حتى في عمق معادلات شرقي نهر الأردن خلافاً لأنه يترك «فراغات» يمكنها أن تؤدي لتقويض السلطة الفلسطينية وانقسام حركة فتح واستثمار «إيراني» في المقابل. من هنا كثفت السلطات الأردنية اتصالاتها بالسلطة الفلسطينية وتحاول إجراء مباحثات تهدئة للأوضاع المتفجرة في مدن الضفة الغربية مع الإسرائيليين، وحصرياً مع شريكها في عملية السلام حتى الآن أو في البحث عن الاستقرار، يائير لبيد الذي ربطته علاقات جيدة نسبياً بعمان خلال الأسابيع القليلة الماضية.
لكن المحاولات الأردنية في هذا الصدد تحت عنوان إعادة سيناريو التهدئة قدر الإمكان يتطلب إجراءات إسرائيلية أمنية مباشرة على الأرض تقول الحكومة الأردنية إن لديها قناعة بأن لبيد وفريقه الوزاري يرفضان إقرار تلك الإجراءات على الأرض بسبب صعوبة المعركة الانتخابية في نوفمبر المقبل للكنيست. ولأن التصعيد ضد الفلسطينيين أصبح عملياً بمثابة اللغة الوحيدة التي يمكن أن ترجح كفة جناح عن آخر في ميزان اليمين الإسرائيلي المتشدد.
عمان تقرأ باهتمام بعض تقارير الميدان التي تشير إلى أن إسرائيل هي التي قررت التصعيد بالاحتكاك المباشر بأهالي الضفة الغربية وبانتهاكات المسجد الأقصى المستفزة في مسار سيرجح حتماً «تقويض السلطة»، حيث لا خيار إلا المواجهة اليوم بالنسبة لشباب الضفة الغربية جراء المطاردة والقتل والإهانة.
الأردن بهذا المعنى يراقب أيضاً الانتهاكات التي تؤدي إلى تقويض الوصاية الأردنية على الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس، لكن خطوة عمان التكتيكية تتمثل الآن في البحث عن طريقة للتهدئة داخل أقطاب حركة فتح ومنع استرسال الصدام داخل الحركة بمعنى الاستثمار في الحركة لإعادة ضبط البوصلة في الضفة الغربية، حيث تصل تقارير تتحدث عن وضع خطير جداً وقابل للانفجار والتطور. ويبحث الأردن بهذا المعنى عن مقاربة فلسطينية داخلية جديدة قوامها العودة إلى التهدئة بدلاً من تكليف جميع الأطراف في المنطقة انتفاضة ثالثة جديدة ستكون صدامية ويسيل فيها الكثير من الدماء، حسب مصدر سياسي أردني رفيع المستوى تحدث عن حسابات فواتير وكلف الصدام خصوصاً وأن استمرار الوضع الحالي في الأراضي الفلسطينية المحتلة لم يعد خياراً بالنسبة للشعب الفلسطيني وللأجيال الشابة، فيما المجتمع الإسرائيلي ومؤسساته يتجهان بوضوح نحو اليمين المتطرف.
تلك الحسابات الأردنية الدقيقة قيلت خلف الستارة والكواليس للإسرائيليين بهدف إقناعهم بالعودة إلى مسار التهدئة وتخفيف الانتهاكات في القدس باعتبار مسالة القدس هي الأساسية التي تدفع بفصائل المقاومة مجدداً للظهور والولادة لا بل لتحشيد الجمهور حتى خارج فلسطين والأردن بمعنى أو بآخر.القدس العربي