وطنا اليوم:افتتح جلالة الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، أمس الاثنين، مستشفى اللطرون العسكري بمنطقة الجويدة جنوبي عمان.
ويضم المستشفى، الذي أقيم بإشراف مباشر من مديرية مؤسسة الإسكان والأشغال العسكرية، أقسام الطوارئ والعمليات والنساء والأطفال وباطني رجال والعناية الحثيثة وغسيل الكلى والأشعة، إضافة إلى مختلف عيادات الاختصاص.
معركة اللطرون
حدثت معركة اللطرون في عام 1948، وانتصر فيها الجيش العربي بقيادة المشير حابس المجالي على قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد سلسلة معارك حصلت من ذلك العام.
أين تقع اللطرون؟
تقع منطقة اللطرون والتي تزيد مساحتها عن 1300دونم، في موقع مرتفع واستراتيجي يتحكم بالطرق الواصلة بين الساحل الفلسطيني ومدينة القدس.
تتمتع هذه القرية بأراض خصبة مليئة بالبساتين والبيارات الزراعية، وأغلب سكانها من الفلسطينيين المسيحيين، الذين قتلوا وشردوا وهجروا على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي وهدمت منازلهم فيما بعد.
من هم أبطال معركة اللطرون
الكتيبة الأردنية/ 4 الملكية بقيادة النقيب حابس المجالي، وعدد أفراد الكتيبة 1200 جندي مشاة أردني، ارتقى منهم 24 شهيدا.
أهمية الموقع العسكري لقرية اللطرون
تعتبر طريق اللطرون الطريق الوحيد الذي يستطيع العدو الصهيوني الوصول من خلاله إلى مدينة القدس، ويؤكد ذلك ما قاله بن غورين في مذكراته الشخصية، حيث قال: “إن مصير معركتنا في الوصول إلى القدس يتوقف على نتيجة القتال مع الجيش الأردني المسيطر على تلك الطريق، فإما أن نخترقه وإما أن نفشل”.
أحداث معركة اللطرون
في صباح يوم 15/5/1948 شنّت القوات الإسرائيلية “البلماخ” عالية التدريب والتجهيز والبالغ عددها 6500 جندي مزودين بأحدث الأسلحة والتجهيزات العسكرية في ذلك الوقت، هجوما كاسحا على مواقع الكتيبة 4. حيث دار قتال شرس بين قوات الاحتلال الإسرائيلية وأفراد الكتيبة الرابعة الأردنية.
استمر ذلك القتال عدة أيام وليال، ولم تتمكن قوات العدو من تحقيق أي اختراق لأي موقع من مواقع الكتيبة، حيث تكبدت قواته خلال هذه المواجهات خسائر كبيرة في الأفراد والمعدات مما اضطرّها لإيقاف التقدم و إعادة بناء خطتها العسكرية.
قرر العدو ضرب حصار على مواقع الكتيبة الرابعة لإنهاك وتحطيم معنويات الجنود وقطع كافة وسائل الدعم والتزويد والتعويض عنهم، مع محاولات متعددة للتقدم من خلال أي موقع يصاب بالانهيار أو التقهقر، غير أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل.
راهن العدو على استنزاف معنويات أفراد الكتيبة الرابعة من خلال استخدام قوة نار عالية تستوجب الرد بالمثل من أفراد الكتيبة الرابعة؛ بهدف إنفاد ذخيرة الكتيبة وضمان عدم التعويض بسبب الحصار المفروض على محيط الكتيبة كاملا، بالإضافة إلى إنفاد معنويات أفراد الكتيبة.
استمر العدو الإسرائيلي بتنفيذ تلك الاستراتيجية 10 أيام متواصلة بحصيلة زادت عن 1000 قتيل من جانبه، حيث يطلق عليها العدو الصهيوني اسم مجزرة اللطرون.
قائد الكتيبة الرابعة
بعد مرور عشرة أيام من القتال والرد على نيران العدو وارتقاء عدد من الشهداء من أبناء الكتيبة الرابعة، شعر قائد الكتيبة النقيب حابس المجالي بخطورة الوضع من حيث نفاد الذخيرة، مع يقينه أن معنويات الجنود ما زالت عالية مليئة بالعزم والإرادة، فاجتمع مع جنوده ليعرف مدى معنوياتهم ودرجة صمودهم وعزمهم على القتال، فوجد أن الجنود يبايعونه ويبايعون فلسطين على الموت وعدم الاستسلام أبدا.
لقد أجبر هذا الصمود الأردني العدو الإسرائيلي على إعادة تشكيل قوة هجومهم من جديد وبقيادة جديدة أكثر خبرة وحنكة، وبالفعل تم تشكيل قوة جديدة بقيادة الرائد دافيد ماركوس.
وفي هذه الأثناء كان قائد الكتيبة الرابعة الملكية النقيب حابس المجالي يضع أيضا خطة جديدة لمواجهة الهجوم الصهيوني، ولكن ليس أمامه خيارات عسكرية أبدا، فالحصار والقتال لم يُبق أمامه أي خيارات أخرى إلا الصمود أو الاستسلام.
خطة الكتيبة الرابعة لهزيمة العدو الصهيوني
اجتمع القائد النقيب حابس مع جنوده وضباطه وأطلعهم على حقيقة الموقف، ووقف أمامهم جميعا مخرجا مسدسه من على جنبه ورفعه بيده وأخرج مخزن الذخيرة خاصته وقال: “يا نشامى؛ تعرفون أنه لا يمكن تعويض الذخيرة التي استهلكت في قتال العدو على مدى 10 أيام بسبب الحصار، وأنا لم يبق لي في مسدسي إلا 6 طلقات”، وقام بعدّها أمام أعين جنده، “يا نشامى أريد منكم الآن عدّ الطلقات التي بقيت مع كل واحد منكم”، وبالفعل بدأ الجنود والضباط بعد الطلقات الخاصة بكل واحد منهم، وبعد أن انتهوا من عدّها تابع النقيب حابس كلماته قائلا: “اسمعوني زين، ترى إذا العدو اخترقنا راحت القدس، واحنا إذا راحت القدس حرام العيش علينا بعدها، أنا أخذت قراري إنه ما يمر العدو إلا على جثتي، وهاي 5 طلقات في مسدسي والسادسة بجيبتي، رايح أقاتل هؤلاء الأعداء حتى تخلص الخمس طلقات وحينها أضع الطلقة السادسة في مسدسي وأطلقها على رأسي، ولن أقع أسيرا بيد هؤلاء الصهاينة”.
في تلك اللحظة الحاسمة صاح جميع الجنود وبصوت واحد كلنا فدى القدس كلنا فدى القدس سيدي، وفعلوا نفس ما فعل قائدهم حابس المجالي و صاحوا بصوت واحد: “ما احلى الموت لأجل القدس.. يا ما احلى الموت لأجل القدس”.
مفاوضات العدو الإسرائيلي مع كلوب باشا
أما القائد في الجيش الإسرائيلي “دافيد ماركوس”، أشار إلى قيادته الأعلى بضرورة إيجاد مخرج من تلك الحالة، فقرروا الاتصال مع كلوب باشا قائد الجيش الأردني العربي حينها، وطلبوا منه الموافقة على هدنة تسمح لقواتهم بالانسحاب دون تعرضهم للنيران والرماية من جانب الكتيبة الرابعة أثناء عملية الانسحاب.
وافق كلوب باشا على تلك الهدنة وذهب مسرعا إلى موقع قيادة الكتيبة الرابعة في اللطرون ليزف لهم بشرى الهدنة -حسب توقعاته- وحين دخل من باب الكتيبة وجال بعينيه في أنحائها، رأى أن أفراد الكتيبة جميعهم في مواقعهم وخنادقهم، وأعينهم ترقب العدو وأيديهم على الزناد.
كان النقيب حابس قائد الكتيبة وقتها في جولة على مواقع جنوده، أوقف كلوب سيارة الجيب التي يركبها بجانب أحد الجنود، وسأله: وين قايدكم يا عسكري؟ فردّ عليه الجندي: بالخنادق مع الجنود سيدي، فطلب منه أن يناديه ويبلغه أن كلوب باشا يريده فورا.
هل استجاب الجيش الأردني لطلب العدو الإسرائيلي؟
بعد فترة من الزمن أقبل النقيب حابس واثقا متمهلا ومتجهما في مشيته نحو كلوب باشا. وقبل أن يقترب النقيب حابس من كلوب، بادره كلوب باشا بالكلمات التالية: “أبشرك يا حابس عقدت هدنة مع القوات الإسرائيلية وهم سينسحبون ويفكون الحصار عنكم، وأطلب منكم عدم التعرض لهم بالرماية أثناء الانسحاب، زين؟”، فما كان من النقيب حابس إلا أن وقف مبتعدا عن كلوب ومتجهما بوجهه قائلا: زين، ثم استدار النقيب حابس وأخذ يتمتم ببعض الكلمات لم يفهم منها كلوب إلا قوله: “ما أريد أنا هدنه يا كلوب.. خلي البواريد رجاده”، وهنا ركب كلوب سيارته العسكرية متجهما ومستغربا من ردة فعل قائد الكتيبة التي لم تظهر الفرح والسرور بالهدنة.. فتساءل كلوب في نفسه قائلا: “ألا يخافون الموت هؤلاء؟!”.
دعم الملك عبدالله الأول لقرار الكتيبة الرابعة
وكانت كل تلك الأخبار والمعلومات قد وصلت إلى الملك عبدالله الأول، فقرر زيارة جنود الكتيبة الرابعة ويسلم عليهم ويطمئن على أحوالهم بعد هذه الملحمة من القتال والصمود، فنصحه كلوب أن يؤجل الزيارة حت تستقر الأوضاع أمنيا، إلا أنه رفض وأصرّ على القيام بتلك الزيارة على الفور”.
وبالفعل قام الملك عبدالله الأول بزيارة الكتيبة في منطقة اللطرون، وأثنى على قائدها وجنودها وقال لهم العبارة الخالدة والمشهورة حتى هذه اللحظة: “أنتم يا نشامى منذ الآن لستم الكتيبة الرابعة، بل أنتم الكتيبة الرابحة”.
وعندما همّ الملك عبدالله الأول بالمغادرة وقف مودعا للقائد النقيب حابس المجالي وطلب منه أن يسمعه أبيات الشعر التي رد بها طلب كلوب باشا بقبول الهدنة، فقال:
“ما اريد أنا هدنةً يا كلوب.. خل البواريد رجاده
بيوم قيظ بحر الشوب.. والنار بالجو وقّاده
خلهم يحسبوا لنا محسوب.. إنّا على الموت وراده
صهيون اترك لنا المغصوب.. وابعد عن القدس وبلاده
النصر من الله لنا مكتوب.. والخوف ما هو لنا بعاده”