العشيرة والعشائرية

12 أغسطس 2022
العشيرة والعشائرية

أبوعربي/ إبراهيم أبوقديري

العشيرة بنية اجتماعية، متجانسة تجمعها صلة النسب والقربى، والألفة والمودة والمنفعة العامة… وهي تحرص على مصالحها (دون شك في وطنيتها) كما تحرص أيضاً على اسمها وعلى سمعتها؛ ولذلك كانت العشيرة قبل الإسلام تنبذ المسيئين من أبنائها، فتخلعهم، وتطردهم وتتبرأ منهم. وكان زعيم العشيرة نعم القائد أكثرها شجاعة وهو فارسها في المقدمة وهو أكثرها كرماً يفني أمواله في خدمتها.

و المجتمع العربي قبل الإسلام كان فيه من القيم النبيلة والأخلاق الفاضلةوالعادات الحسنة والتقاليد الحميدة التي أقرها الدين وزاد عليها بأن تمم مكارم الأخلاق فيها. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهناك مواقف أخلاقية
راقية لا حصر لها.
وحسبهم خلقاً أربعة أشهر
حُرُم لا قتال فيها؛ مما يعني أن الأمان والسلم هو الأصل والأساس، وأن الحرب هي الاستثناء والضرورة المكروهة ولكنها من أجل توفير الأمان والعيش بكرامة

وحتى لغتناالعربية مثلنا كالأمة : في طبيعتها واشتقاقها فيها صفة العشائرية / القبلية : فالجذر الثلاثي أو الرباعي للكلمة هو ( بمثابة الجد في العائلة)
منه تُشتق سلسلة نسل ممتد من المفردات تشكل شجرة المشتقات كشجرة العائلة.
وللغة – كالمجتمع – قواعد عامة وما خرج منها عن قواعدها يسمى ( الشواذ)

ولكننا _للأسف _نلاحظ حاليا ما يمكن أن يوصف
بالهجمة، على الأسرة… (وحدة بناء المجتمع) ، وعلى منظومة القيم والعادات، والتقاليد الاجتماعية الأصيلة : فإذا أساء فرد مثلاً، فإنه يتم التركيز على المقطع الأخير من اسمه ويصار إلى تضخيم الإساءة مجهرياً من أجل الإساءة إلى العشيرة / القبيلة إيحاءً… فهل ارتكب ذلك الفرد إساءته بقرار من عشيرته؟! هذا في حين وبالمقابل يتم تجاهل المواقف النبيلة الكثيرة الكثيرة ولا يتم إضاءتها ولا الإشادة بنعم الخلق ونعمت التربية لذلك الفرد المحسن…!

و للأمانة فقد أعجبني رأي القذافي_ رحمه الله_ في هذا الشأن يقول : إن
العشيرة /القبيلة بمثابة جمعية خيرية تعاونية أفرزتها آنذاك الحاجة الاجتماعية والضرورة التاريخية لرعاية وخدمة أفرادها حين لم تكن ثمة دولة تقوم بذلك.
ويضيف بأن قوة استمرار التماسك والترابط بين أفراد العشيرة / القبيلة أقوى منها بين أعضاء الحزب أو الجمعية… إلخ
وعليه يقول : فإنه ليس من الحكمة العمل على تفكيك هذه الكتلة البشرية المتجانسة بل يجب أن نفكر كيف نوظفها في خدمة الدولة العصرية الحديثة؟ (عن الكتاب الأخضر).

ومن الملاحظ أن تغيراً كبيراً لحق بمظاهر الحياة جميعها….. وقد أصاب العشيرة / القبيلة ما أصابها كذلك : صحيح لم تعد العشيرة / القبيلة تخلع المسيئين وتطردهم لكنها في الغالب لا تدافع عن إساءتهم. وصحيح أن الوجهاء تقلص نفوذهم وقلت قدرتهم على التأثير والتوجيه في مقابل محاولات اصطناع وجاهات بديلة… ولكن ذلك لا يعفي أحداً من مسؤولية التصدي لأي خلل والعمل الجاد من أجل الحرص على سلامة منظومة هذه القيم الاجتماعية الأصيلة.
علما بأن التكتل الاجتماعي نزعة فطرية وضرورة عصرية كما في جميع مؤسسات المجتمع المدني حالياً.

ومنذ العهد العثماني وإلى زمن قريب فقد نجحت العشائرية / القبلية في إرساء قواعد السلم الاجتماعي كما قام القضاء العشائري / القبلي بفض النزاعات ومعالجة الخلافات والبت فيها متوخياً السلم الاجتماعي ورأب الصدع وإحقاق الحقوق بعدالة. ولا يزال حتى اليوم يحظى بمكانة معتبرة في التصدي لحل أشد القضايا الاجتماعية خطورةً واستعصاءً..
و مع الملاحظة بأن
العشائرية / القبلية ليست هي سبب الأزمات التي تعاني منها أي دولة فتلك مسؤولية إدارة الحكومات في الدولة نفسها…

وفي بعض الدول العربية التي فقدت فيها الدولة المركزية السيطرة على مناطق فيها فقد نهضت مجالس العشائر بمهام الحكومة في تلك المناطق.

اللهم اشهد وأنت الأعلم فأنا لا أدعو إلى عصبية
ما ولكن هذا رأيٌ شخصي متواضع وتصوير للمشهد في محاولة لمنع اختلاط الأوراق أو إلقاء تبعات الأزمات جزافاً متوخياً الحرص على منظومة القيم السامية النبيلة والأخلاق الفاضلة والعادات والتقاليد الأصيلة في المجتمع والأمة؛ لأنها تمثل- في اعتقادي- قلعة الفضيلة..
ومنبهاً أيضاً إلى خطورة تجاهل أي عنصر في تركيبة المجتمع لأن ذلك
قد يبرز أمام المسؤول فجأةً في أخطر منعطف.

مؤكداً في الوقت ذاته على ضرورة وأهمية دور مؤسسات هذا المجتمع المدني كافةً من أحزاب ونقابات واتحادات ونوادٍ وجمعيات إلخ في النهضة
والتغيير على مستوى الوطن والأمة.