هيكلة التعليم العام والتعليم العالي

2 أغسطس 2022
هيكلة التعليم العام والتعليم العالي

 

أ.د. أمين مشاقبة

إن المتفحص للحالة الديمغرافية في الأردن يرى أن 63%؜ من أبناء الشعب الأردني اعمارهم أقل من 30 عاماً، وأن 53%؜ أقل من 19 عاماً والزيادة السكانية تصل إلى معدل 2.8%، وهناك ما يزيد عن اثنين مليون ومئتي ألف طالب وطالبة على مقاعد الدراسة، ونسبة الزيادة في المتقدمين للثانوية العامة سترتفع تدريجيًا من 12.5% إلى ما يقارب 20% في السنوات الخمس القادمة.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن نسبة النجاح في الثانوية العامة متوسطها 58% تقريباً، والذين يدخلون الجامعات الرسمية حوالي 47 ألف طالب وطالبة سنوياً، علماً بأن الطاقة الاستيعابية أقل من ذلك بكثير، إذ أنه في السنوات الأخيرة كان هناك 22 ألف طالب وطالبة، ناهيك عن أعداد الطلاب والطالبات الذين يدخلون البرنامج الموازي الذي يترك للجامعة تحديده.

وبالنسبة لأعداد الخريجين سنوياً، فيصل إلى 60-70 ألف طالب وطالبة من الجامعات الرسمية والخاصة، ناهيك عن أن هناك 42 ألف طالب وطالبة أردنييين يدرسون في الخارج.

إن نسبة البطالة في الأردن تصل إلى 25-29%، وهذا الرقم مختلف عليه بين أرقام الحكومات وأرقام المنظمات الدولية، وبكل الأحوال فإن هناك 455 ألف طلب توظيف في ديوان الخدمة المدنية، واذا احتسبنا تطور وتزايد هذا الرقم للسنوات الخمس القادمة وهو 350 ألف طلب وظيفة من حملة الشهادات العلمية ليصبح الرقم الكلي 805 آلاف طلب وظيفة يضاف لهم ما يقارب 250 ألفا لا يحملون درجات علمية ليصبح الرقم الكلي مليون و55 ألفا، عندها تصبح البطالة فوق 70%؜ اذا اعتمدنا أن حجم القوى العاملة هو مليون و600 ألف.

وفي محاولة لتقليص الأرقام قليلاً، لنقل أن نسبة البطالة ستصل في حدها الأدنى إلى 50%؜، وهنا الكارثة الكبرى، إذ سيفقد الناس إيمانهم بالدولة الوطن، وستتقلص مستويات شرعية النظام السياسي، وستزداد معدلات الجريمة والفقر والمخدرات، وتبدأ ساعتها حالة من الانفجار الاجتماعي الذي قد يقود إلى شيء آخر تحدثت عنه الدراسات العلمية.

وليقرأ المسؤلون كتاب النظم السياسية في مجتمعات متغيرة لــ “صاموئيل هنتغتون” او غيره من الكتب المتشابهة، وانا مدرك أن المسؤليين لا يقرأون مطلقاً إلا من رحم ربي.

البعض سيقول أن هذه رؤية متشائمة أو سوداوية.. وأنا أقول لهم بالفم المليان أن هذه رؤية استشرافية للواقع الذي نعيشه في البلاد.

إن الهرم التعليمي مقلوب جداً، ولا أحد يفكر في إعادة هيكلة التعليم العام والتعليم العالي في الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة التي يوجد بها حوالي 344 ألف طالب وطالبة. وفي غضون ثلاث سنوات قادمة سيصل العدد إلى 500 ألف طالب وطالبة، ونسبة الإناث تزيد عن الذكور بمعدل 15%؜.

إلى أين نحن سائرون؟، إلى الكارثة والتهلكة ودمار البلد!!، والحل لا يكمن في قرار حكومي القانون أو حتى في استراتجية!!. فقد عملنا العديد من الاستراتيجيات وكلها ذهبت أدراج الرياح.. إن الحل يكمن في نقطة واحدة هي الانتقال نحو التعليم المهني والتقني والفني من المراحل الأولى للدراسة، وأقصد الصف العاشر الأساسي، وإعادة ما كان يسمى “المترك” في الصف العاشر، وليس في كل المواد، بحيث يتم اختيار خمس مواد يتم من خلالها تحديد مستوى الطالب وحسب إمكانياته يتم التوجيه نحو الدراسة سواء بالفرع الأدبي أو العلمي أو الصناعي أو الزراعي أو التكنولوجي، وهنا يتم الفرز، فليس بالضرورة أن يذهب جميع الطلبة المتخرجين من الثانوية العامة إلى الدراسة الأكاديمية في تخصصات مشبعة جداً أو راكدة، وينضم عندها إلى جمهور العاطلين عن العمل، حتى امتحان الثانوية العامة يجب أن يعاد النظر به من خلال تقليص عدد المواد إلى خمسة فقط ضمن إطار التخصص علمي أو أدبي أو أي تخصص آخر، ومن ثم رفع معدل القبول في الجامعات الخاصة والحكومية إلى 70-75% كما هو معمول فيه في العديد من دول العالم.

والمطلوب فتح كلية جامعية تقنية في كل جامعة حكومية، ويكون التدريس فيها لمدة سنتين مجانًا، وأن يتم العمل بذلك خلال عشر سنوات، وأن يتم توفير راتب شهري لكل طالب يدخل تلك الكليات، ووقف التجسير كلياً لغاية تخريج جيل فني تقني مهني خلال عشر سنوات بمعدل نصف مليون شخص، والعمل على نشر ثقافة العمل المهني من خلال برامج توعوية واسعة النطاق، أي تغيير منظومة القيم الاجتماعية، وإنهاء ثقافة العيب، وإعلاء قيمة العمل المهني والتقني كما هو معمول به في كل دول العالم المتحضر، ففي الولايات المتحدة الأمريكية هناك 16 مليون طالب وطالبة يذهبون سنوياً للتعليم المهني والتقني والتدريب بشهادة، وفي فرنسا هناك 53% من الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة يذهبون للتعليم التقني والمهني، أما في الأردن، فهناك 34 ألف طالب وطالبة يذهبون لبرامج الكليات، منهم فقط 19 ألف طالب وطالبة مهني أو تقني.. إلى متى سيبقى هذا الوضع كما هو؟؟؟؟.

دولة رئيس الوزراء ومعالي وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، إننا نقرع الجرس أمامكم وأمام صاحب القرار.. إن القادم أصعب والكارثة قادمة إذا ما بقي الوضع كما هو عليه، وهناك أفكار أخرى مهمة في هذا السياق لها موضع آخر.. انقذوا البلاد والعباد من الشر القادم، اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.