خيوط مهترئة( لمن يقرأ )

1 أغسطس 2022
خيوط مهترئة( لمن يقرأ )

بقلم : سهل الزواهره

تمتد أيادي اللصوصية و العبث إلى بطون الكتب الخاوية لتتلاعب بحروف التاريخ و النشأة و الثروة و المستقبل فتجعل الشمس تُشرق مساءً لا لساعةٍ حلت أو لعلامةٍ أذنت بل إنه الإيهام المُزوَّر الذي يَزُفه جوقةٌ من الطبالين و نماريد الورق و القلم ، كل يُوظِّف مَلكاتِه المثلية لترسيخ استمرارية السنين العجاف التي كتبها علينا صمتنا الخانع و قنديلنا المُعتم الضائع فغدونا كدجاج نحيل أحاط به سياج من الكذب و النار كل ينتظر دوره الآتي لا محالة ليتصدر أطباق المائدة الوطنية مشويًا بفوائد تتعملق و وقود يعز فداءً لِنهم تماسيح اليعبوب المُؤجرة حتى جف منه الضرع و أسن الماء و تاهت المراكب و استولى على خزائنه و مجراه مُؤنس الخادم و راح يتلاعب بعصاه السحرية محققًا الأُمنيات فيرفع من يشاء و يحط من يشاء بنفوذ لا ينفذ و لا يشيب ، و يستفيق على وقع هذا الجو المثالي فَراشُ النار و يروح يتطاير مُتراقصًا شرقًا و غربًا خاطًا النفاقيات المكشوفة لتبرير سلخ جلد الشاة حيةً و استبداله بجلد صناعي جديد تُختطف فيه الذراري من الأهل و العزوة تحت ذرائع العطف و الحريات المَشبوهة التي نبتت أوراقها الصفراء في بيئة تفوح منها روائح الشذوذ و الانحراف ، و يزيدون على ذلك بإطلاق نشابهم العفنة تحريضًا على كل مخالف فيصيبون الخلق حتى في نواياهم و حرصهم ، فيصبح في عرفهم المُختل الابيض أسودًا و الضياء عتمةً و الحق باطلًا .
عجبت لخيوط مُهترئة كيف لا تزال تمسك بتلك الأراجوزات الرخيصة و تتلاعب بأطرافها القصيرة و تجعلها نجومًا ساطعةً تتربع على اللحظة و تحوز الريع المُتَسوَّل و يتسابق الناس لإدراك رضاها و إنعامها و كأنها تملك من أمرها شيئا ، قديمًا قيل لكل زمان دولة و رجال ، أما هذا الزمان فلا دولة و لا رجال ، لا دولة تمتلك سيادتها و تراعي مصالح ابنائها فالإملاء هو سيد الموقف و هو العامل الأوحد الذي يؤخذ في الاعتبار و ليس في الميزان خلافه ، فعولمة و أخواتها قد كفونا مؤنة البحث و التكييف فليس مهمًا أن يكون الثوب ساترًا و على مِقدار جسمنا المُنهك أو يُلائم مناخنا المعتَّق ، المهم أن الصانع هو المانح فخُذ و البس فرِجال اليوم عُلِّقت في رقابها الخاضعة أغلال متينة تسوقهم حيث يشاء مزدَك و أيديهم المُرتجفة في الخير سرعان ما تنتشي أناملها فتُحلِّق تَوقيعًا و اعتمادًا لكل ما فيه تحريف و تجريف.
و في الزوايا المُعتمة الأُخرى من المشهد البائس يُطل صنف آخر برأسه المُشوه فيخنق الضحية و يتاجر بها من وراء البحار و يجاريه بعض الحمقى من أهل الدار في تواطؤ مُريب نظهر فيه كأننا أهل جهل و فوضى و يتم تكبير الصورة و السماح لها بأن تبرز و تُعمم و تصبح هي الصورة الأخرى و البديل المقترح و يتم حشوها بالتفاهة و اجترار ذات الكلام و الأفكار المكتنزة بلهًا و ركاكة فيَصيح المنطق المُجيَّر للأغلبية قائلًا “حنانيك بعض الشر أهون من بعض” و الملاذ الآمن افضل بأضعاف من وطن غير آمن وقد فاتنا أن المعارضة الهشة هي خير عون للأنظمة الخائبة و هي تماما تشبه الحمل الكاذب و الذي يمنح المرأة تسعة أشهر جديدة من الدلال و الراحة والصبر.
أما أهل الحق و النقاء فتُحاصرهم الحيرة وتتساقط على مآقيهم ألوان لوحة الأمل و التغيير و يتبخر رهانهم على الشعب الذي لا يغضب و رغيفه الراكض الذي لا يتعب، و لكن تعلمنا من دورة الطبيعة أن كل بُخار صاعد لا بد يومًا أنه عائد يكثفه الإيمانُ فيحيله مطرًا زُلالًا نقيًا ينساب على الأرض الجافة المنهوبة فيحيلها جِنانا أرضية يسندها عدل و رفاه يعيشه الأبناء و يصيغ مستقبلها كفان واحدة تُمسك على الجذر ضارعة إلى ربها و أُخرى تبني و تبني متصالحة مع ذاتها حُرة الإرادة لا تُهادن في قيمةٍ و لا هويةٍ و لا تتغافل عن أي أمر نظيف مَحسوب يُساهم في رفعتها و قيامتها و لو كان مرجعه قبائل الماساي ….