محاولة للفهم …. الأخلاق الحقيقية٣/٣

16 يوليو 2022
محاولة للفهم …. الأخلاق الحقيقية٣/٣

بقلم: د. ذوقان عبيدات

    تناولت مقالتي الأولى أصحاب الوجدان أو الضمير الجدّي الوقور، الذي يتلقى القواعد الجاهزة للسلوك ويطبقها حرصًا على نفع أو خوفًا من عقوبة،

    وفي مقالتي الثانية تناولت أصحاب الوجدان اللعوب المغامر الذي لا يستمع إلّا لصوت نزواته؛حرصًا على متعة لحظيّة، مثل الحكومة التي تتخذ قرارات غبيّة عل أساس أن الزمان منقطع ودون ذاكرة!!

    أما مقالة اليوم، فتتناول أصحاب الوجدان الأخلاقي الروحي، وهم الذين لا يسيرون على قواعد غيرهم، بل يصنعون قواعدهم برقيٍّ قيمي!

    إذا كان صاحب الوجدان الجاد يعيش في الماضي دون النظر للحاضر والمستقبل ، وصاحب الوجدان اللعوب يعيش في اللحظة الحاضرة فقط، فإن الوجدان الأخلاقي الروحي يعيش في زمن يتآلف فيه الماضي والحاضر والمستقبل، فيأخذ من الماضي بعض قيَمه، ومن الحاضر تنوّع وقائعه، ومن المستقبل بعض احتمالاته، وبذلك يفكر في وحدة الزمان وتسلسله واندفاعاته!  وصاحب هذا الوجدان:

١- يصنع قواعده وواجباته، ولا يستقيها من مصدر آخر؛ ولذلك، لا يطبق الواجب المفروض بل يصنع واجبًا واقعيّا يأخذ بالأهمية عدم الصدام مع الماضي ومع اللحظة الحاضرة.

٢-ولذلك يتمسك الوجدان الجدي بحرية الاختيار، فلا فضل له في تطبيق قانون، أو الالتزام بقاعدة مجتمعية إذا كان الخروج عنها يعرّضه لعقوبة! فالحياة الحاضرة غنية متنوعة ومتجددة، وإن عليه أن يختار لا أن ينفذ ويطيع.

٣-ويقيم صاحب الوجدان الأخلاقي الروحي توازنًا ثالثًا: لا يدير ظهره للوجدان الجاد من ثبات واستقرار وقيم، ولا للوجدان اللعوب المغامر الذي يحفل بالتنوع والتجدد والغنى،ويعطي نفسه حرية القرار، بدلًا من  إلزامية الخضوع، وحرية الإعراب عن الذات بدلًا من انصياعها، والالتزام بالكرامة والتسامي.

٤-يتمتع صاحب الوجدان الأخلاقي بالصحة النفسية، فلا يعيش خائفًا مرعوبًا من عقوبة ولا تمزقًا ناتجًا من اللهو والمتعة، يتمتع بالحزم الذي ينقذه من جمود أنصار الماضي ومن تفتت زمان اللعوب!

وأخيرًا!

فإن الوجدان والضمير  قد تصيبهما أمراض الخلل والتعثر والشك والضلال؛ ولذلك، وهذا هو هدف المقالات الثلاث: “تربية الوجدان لتحريره من أسر الأهواء السلبية” فهناك أهواء إيجابية، وبناء الأخلاق يتم داخل الذات لا بمناهج الوعظ والتخويف، صحيح أن الخير  يرتبط بالجمال، وأن فعل الخير ليس جميلًا دائمًا، فالفضيلة لا تحظى بسرعة انتشار الرذيلة، ولا ببعض جاذبيتها، فالجمال نموذج للخير في أحيان كثيرة!!