التحديث الاقتصادي.. بين التوصيف والتطبيق

19 يونيو 2022
التحديث الاقتصادي.. بين التوصيف والتطبيق

د. إبراهيم بدران

انطلقت قبل أيام، وبرعاية ملكية سامية، رؤية «التحديث الاقتصادي» والتي تركز على الفترة 2023-2033 وتحمل عنواناً فرعياً «إطلاق الإمكانات لبناء المستقبل». وتسعى هذه الرؤية في بعض نتائجها النهائية لزيادة دخل الفرد بمتوسط سنوي 3 % أو ما يمثل نمواً للاقتصاد الوطني بمعدل 5.6 % سنوياً، وخلق مليون فرصة عمل أو ما معدله 100 ألف فرصة عمل سنوياً. الأمر الذي يتطلب استثمارات جديدة تقدرها الوثيقة بالمتوسط 4.1 مليار دينار سنوياً. وتضمنت الوثيقة الإشارة إلى 8 محركات رئيسة لتنفيذ ما ورد في الرؤية تتمثل في «الاستثمار» و «الريادية والإبداع» و»نوعية الحياة» والبيئة المستدامة» و»الموارد المستدامة» و»الصناعات عالية القيمة المضافة» وتحويل الأردن إلى وجهة مقصودة على المستوى العالمي والتفوق في الخدمات المستقبلية. ولا شك أن الجهد المبذول في إعداد الوثيقة يستحق التقدير والثناء وإن جاءت عكس ما كان يتوقعه الكثيرون بسبب التوسع في التوصيف والعموميات وترك الكثير من المسائل مبهمة. غير أن التحدي الأكبر بعد صياغة الأفكار والتوجهات يتمثل في نقاط رئيسة أربع: الأولى آليات التنفيذ والثانية ضوابط العمل والثالثة آليات الشراكة بين الأطراف ذات العلاقة وكفاءة هذه الآليات والرابعة التمويل الوطني. وهنا يمكن الإشارة إلى عدد من الملاحظات وعلى النحو التالي. أولاً: أن الجهاز الرسمي للدولة يلعب دوراً حاسماً في رسم مسارات النجاح أو منزلقات الفشل لأي برنامج أو رؤية. وإذا كانت الرؤية مصممة لتكون عابرة للحكومات، باعتبارها تمثل رؤية دولة، فإن تفهم الجهاز الوظيفي للرؤية والبرامج التي ستنبثق عنها، وتفاعله مع محتوياتها وتفاصيلها عن وعي وإيمان ومسؤولية، يمثل حجر الزاوية في نجاح المسيرة الاقتصادية التي سوف تمتد لمدة 10 سنوات. بمعنى ان الأمر لا يعتمد فقط على الوزراء والمدراء وكبار المسؤولين بقدر ما يعتمد على كل موظف في الدولة كل في موقعه ليتحول من مسيطر ومتحكم بالمواطن إلى ميسر ومساعد في إطار القراءة الإيجابية للقانون. ثانياً: ولكي يتحقق الاستعداد بصورة صحيحة ربما على كل مؤسسة ووزارة تخصيص الأشهر الستة الأولى من برنامج تنفيذ رؤية التحديث لتأهيل موظفيها، ليكونوا طرفاً فاعلاً في التنفيذ، عن قناعة وتفهم وتفاعل، لا عن مجرد الطاعة لما يصدر من التعليمات. وهذا التأهيل لا يتحقق إلاّ من خلال التعاون مع الخبراء والأكاديميين والقطاعات ذات العلاقة لوضع برامج تعريفية مكثفة للموظفين في كل مؤسسة، تتضمن محاضرات ونقاشات حول كافة التفاصيل التي اشتملتها وثيقة رؤية التحديث الاقتصادي وبرامج التنفيذ من منظور تخصص تلك المؤسسة أو الوزارة، وبالتالي استيعاب دور المؤسسة وتفهم دور الموظف. ثالثاً: أن كلفة الطاقة المرتفعة، وبطء الإجراءات، وعدم اكتمال الثقة بالإجراءات الإلكترونية الرقمية، لا زالت تمثل العامل المحبط المشترك بين مختلف القطاعات. ولم تتناول الوثيقة البدائل الممكنة للخروج. رابعاً: أن الوثيقة على الرغم من التوسع في كثير من المواضيع إلا أنها تناولت موضوعي المياه والطاقة ببساطة وتوصيفية تماما كما تناولت المواضيع الأخرى. هذا في حين أن أي تحديث للاقتصاد وأي تحسين لنوعية الحياة يتوقفان بالضرورة على «مركب المياه والطاقة والغذاء»، والذي هو لدينا بالغ الهشاشة. ويزداد هشاشة سنة بعد أخرى نتيجة لثقافة التسويف من جهة وتسارع التغيرات المناخية من جهة ثانية وعدم استقرار المنطقة من جهة ثالثة. وبالتالي فإن البرامج التنفيذية التي سيتم وضعها في جميع المجالات ينبغي أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار. أن أي تحديث للاقتصاد وتحسين نوعية الحياة، وإعمار البلاد، وتطوير القطاعات الإنتاجية، كل ذلك يتوقف بالضرورة على مدى الصلابة الوطنية لمركب المياه والطاقة والغذاء باعتباره ركنا رئيسا في بناء الأمن الوطني، بكل ما يستلزم ذلك من اعتماد على النفس واستثمار وتنويع وتخفيف الاعتماد على الآخرين، وخاصة دولة الاحتلال الصهيوني والتي تسعى للسيطرة على المفاصل الحيوية العربية. خامساً: تناولت الوثيقة التعليم في مرحلتيه الأساسي والعالي. ولكن مستوى الإنفاق على التعليم والذي هو متواضع بالمقاييس الدولية ولا يتعدى 500 دينار للطالب في الأساسي، و3500 دينار للطالب الجامعي،لا بد من معالجته بزيادة الإنفاق على التعليم، ووضع آليات مستقرة لتحقيق هذه الزيادة، ولتمويل التعليم بشكل منتظم، بعيداً عن التقلبات الموسمية، من خلال الصناديق الاستثمارية والصناديق الوقفية وبنك التعليم ومن خلال إعادة رسوم الجامعة للجامعات في صندوق خاص، وعدم دخوله الخزينة. سادساً: لم تعط الوثيقة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي حقه من الاهتمام، سواء من حيث معدلات الإنفاق على البحث العلمي، أو إعادة توجيه البحث والتطوير ليركز على وضع الحلول اللازمة للمشكلات التي يعاني منها المجتمع والاقتصاد الوطني بقطاعاته المختلفة. وهذا يتطلب أن تتوافق الجامعات، الرسمية والخاصة ومراكز الأبحاث، مع الحكومة بأن يركز الباحثون والمطوّرون والمبدعون على

الآخرين، وخاصة دولة الاحتلال الصهيوني والتي تسعى للسيطرة على المفاصل الحيوية العربية. خامساً: تناولت الوثيقة التعليم في مرحلتيه الأساسي والعالي. ولكن مستوى الإنفاق على التعليم والذي هو متواضع بالمقاييس الدولية ولا يتعدى 500 دينار للطالب في الأساسي، و3500 دينار للطالب الجامعي،لا بد من معالجته بزيادة الإنفاق على التعليم، ووضع آليات مستقرة لتحقيق هذه الزيادة، ولتمويل التعليم بشكل منتظم، بعيداً عن التقلبات الموسمية، من خلال الصناديق الاستثمارية والصناديق الوقفية وبنك التعليم ومن خلال إعادة رسوم الجامعة للجامعات في صندوق خاص، وعدم دخوله الخزينة. سادساً: لم تعط الوثيقة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي حقه من الاهتمام، سواء من حيث معدلات الإنفاق على البحث العلمي، أو إعادة توجيه البحث والتطوير ليركز على وضع الحلول اللازمة للمشكلات التي يعاني منها المجتمع والاقتصاد الوطني بقطاعاته المختلفة. وهذا يتطلب أن تتوافق الجامعات، الرسمية والخاصة ومراكز الأبحاث، مع الحكومة بأن يركز الباحثون والمطوّرون والمبدعون على الجوانب التطبيقية والتجريبية التي تتأثر بها حالة الإنتاج، ويتأثر بها الاقتصاد والمجتمع، والابتعاد قليلاً، ولو لفترة محدودة 10 سنوات، عن البحوث النظرية التي تهدف فقط إلى النشر العلمي لغايات الترقية. ولا يزال الإنفاق على البحث العلمي لدينا متواضعاً وأقل من 0.8 % من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 2.2 % المتوسط العالمي و4.9 % لإسرائيل. وكان من المتوقع أن تضع الوثيقة رقماً مستهدفاً لتخصيصات البحث والتطوير والإبداع لا تقل عن 2.0 % من الناتج المحلي الإجمالي. وخلال السنوات الماضية لم تفلح الجهود في تجسير الفجوة بين القطاعات الإنتاجية وبين الأكاديميا يسبب الإفراط في الاستيراد وتقاعس الإدارات الرسمية عن حل التناقض الظاهري بين عائدات الجمارك ومساندة الاقتصاد الوطني من خلال التوسع في الإنتاج. هذا إضافة إلى الاعتماد على المؤسسات الأجنبية، مما أدى إلى ضعف مزدوج في الإنتاج والأكاديميا. الأمر الذي يتطلب اهتماماً خاصاً وآليات مستقرة للتجسير ومحفزات لكل من القطاعات الإنتاجية والأكاديميا. سابعاً: أشارت الوثيقة إلى تحديث النقل وهو ركن من أركان الاقتصادات الحديثة. وكانت هناك إشارة إلى شبكة سكة حديد تربط جنوب الأردن بشماله وهو أمر غاية في الأهمية. وتبلغ كلفته التقديرية في حدود 4 مليارات دينار لكن لا يتضح كيف يمكن إنجاز ذلك خلال السنوات العشر القادمة، وكيف سيتم التمويل، وهل ستكون الشبكة الأردنية مستقلة تنطلق من العقبة، أم ستكون جزءا من شبكة شرق أوسط تنطلق من حيفا، تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى إنشائها لتشمل أقطارا عربية متعددة.

وأخيراً فإن الرؤية يتطلب تنفيذها فترة زمنية أطول بكثير من 10 سنوات، خاصة وأنها تناولت معظم القطاعات في نفس الوقت. وكان من المتوقع أن تركز الوثيقة على قطاع أو قطاعين مترابطين، أو توجه واحد كالبطالة أو التصنيع وتضع الأرقام المستهدفة، ليكون ذلك التوجه بحد ذاته رافعة للقطاعات الأخرى، وبذا يمكن للجهود أن تتركز وتتبلور، بدلاً من تفرق الجهود في شتى الاتجاهات، خاصة وأن النمو الاقتصادي يتأثر بعوامل عدم استقرار المنطقة والتغيرات المناخية وفرط الاعتماد على المنح والمساعدات والقروض. وكان من المتوقع أن تؤكد الوثيقة على مساهمة كافية من الحكومة ومؤسساتها في تمويل المشاريع، إضافة إلى مشاركة الأردنيين في الاستثمارات وخاصة صغار المدخرين وأن تؤسس الرؤية لبناء اقتصاد اجتماعي تكنولوجي متماسك أسوة بما نجد في بلدان متقدمة كثيرة. إن قطار المستقبل يتحرك بسرعة فائقة والاعتماد على الذات هو مفتاح الدخول.