عوني الرجوب
امين عام حزب الانصار الاردني
معلوم أن الأحزاب هي مؤسسات مدنية معنية بإشراك الشعوب في حكم ذاتها، وهي المؤشر الاول على ممارسة الديموقراطية، ولما كان حزب الانصار الاردني منذ نشأته يؤكد على ثوابته الوطنية، وفي ظل سياسات التخبط الاقتصادي التي لم تثمر عبر الايام إلاّ مديونية وانكماش اقتصادي وتفشي للبطالة وزيادة التضخم وغلاء الاسعار، فقد إرتأى الحزب أن يتبنى ويطلق في هذه الظروف حواراً وطنياً لرؤية اقتصادية هادفة، سنعمل عليها بكل إمكاناتنا، ونتطلع الى إشراك أعضاء الحزب وكل الخيّرين من أبناء الوطن في إعدادها.
ولكي نقدم لأبناء الوطن هذه الرؤية، فلا بد من تشخيص حالتنا الاقتصادية على حقيقتها، فمنذ عقود تعيش الأردن أزمات اقتصادية متحولة من شكل إلى آخر بسبب ظروف هذه الأزمات وأسبابها، والغريب المستغرب أن تتحول القوى الاقتصادية وتتشكل المحركات الاقتصادية حسب الظروف والمستجدات في ثقافة غريبة ومستهجنة في عالم الإنتاج والسوق ولغة الاقتصاد؛ ففي الثقافة الاقتصادية تفرض قوى السوق والإنتاج والخدمات أجندتها على السياسة والتعليم وكل قطاعات المجتمع بمجملها إلا في الأردن فالمعادلة معكوسة تماماً.
كلنا سواء اقتصاديين أو حتى عوام نعلم ونتحدث دوماً عن اقتصاديات عملاقة كالاقتصاد الأمريكي والألماني والياباني، ونعلم أن القوى الاقتصادية هي التي تحرك السياسة وتقرر الضرائب، وتحرك الجيوش وتوجه الإعلام وتقنن التعليم، وتتحكم في كل مفاصل الدولة، لذلك جاءت مخرجاتها في كل مناحي الحياة منسجمة ومتوافقة مع الحالة الاقتصادية تماماً، فلا أحد ينكر أن قوة أمريكا متأتية من قوة اقتصادها أولاً وليس من مبادئها في نشر العدالة كما تزعم، بل إن أمريكا تنشر الظلم طوعاً لمتطلبات اقتصادها فقط، كما أن ألمانيا واليابان الدولتين المهزومتين في الحرب العالمية الثانية، تستعيدان حالتهما قبل الهزيمة من خلال كيانهما الاقتصادي الذي استعاد عافيته مجدداً، والحديث في هذا الموضوع يطول ويتشعب.
المهم، أن الناس دوماً تتساءل عن أسباب ضعف الاقتصاديات العربية كالسعودية والعراق رغم الإمكانات الهائلة من متحقق البترول فقط، وربما كان الجواب بكل بساطة طغيان السياسة على الاقتصاد، ففي الثقافة العربية التي لا يتم فيها تداول السلطات، فإن قوة الاقتصاد تعني الرفاه الاجتماعي، والرفاه الاجتماعي يعني بالضرورة التفكير أبعد من لقمة العيش، لذلك تخشى السلطات من المنافسة، وتأمن على نفسها ومصالحها إذا انشغل الناس بلقمة العيش.
أما في الحالة الأردنية فالوضع مختلف تماماً، فلا يوجد لدينا إيرادات طبيعية بضخامة بترول السعودية والعراق، ولا يوجد عندنا اختلاف على السلطة أو تنافساً معها؛ بل على العكس فإن همّ القيادة هو النهوض بالاقتصاد وتعميم الرفاه على الناس، بل إن القيادة تُكثر من التغييرات في القيادات دونها أملاً في الوصول إلى مرحلة تنعم فيها المملكة بالرفاه، والاقتصاد بالكفاية، إعتماداً على الذات فقط، ورغم هذه المحاولات الجادّة فلم نصل بعد إلى تلك الأمنية.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بعد هذه التجارب الطويلة والعريضة، هل عجز الأردنيون على اختلاف مستوياتهم وعلمهم وتنوع مشاربهم عن وضع إستراتيجية اقتصادية ثابتة في أهدافها وغاياتها متطورة في منهجها لإنقاذ الوطن من عواصف الأزمات الاقتصادية العالمية والإقليمية؟؟!!
والجواب في تقديرنا، لننظر إلى الحالة التركية، وقبلها اندونيسيا وتايوان وغيرها من نمور آسيا، ويمكنني القول بكل ثقة، أن الحالة الأردنية ربما كانت أسهل.
ومن مظاهر التردي الاقتصادي في الأردن هو التقليد وغياب التخصص، فكل مظاهر الأنشطة الاقتصادية الأردنية هي تقليد لحالات نجاح سواء في الداخل أو الخارج والتقليد الأعمى معلوم النتائج، ولكننا نقلد شكلاً طمعاً في النتيجة، ولا نقلد مضموناً رغبة في تأسيس حالة اقتصادية تدوم، وهنا يكمن سِرّ الفشل لمحاولاتنا في الغالب الأعظم منها.
الإطار العام للفكرة:
تقوم فكرتنا على تقسيم المملكة إلى: أقاليم أو مناطق أو وحدات أو ربما محافظات إقتصادية ذات شخصية مستقلة إقتصادياً وإدارياً ومالياً وفنياً، إستقلالاً تاماً، وترتبط في مجموعها مع الحكومة المركزية فقط بدعمها بنسبة من إيراداتها لنقل (20%)، بينما يذهب أو يُدار الباقي (80%) في المحافظة من خلال مجلس اقتصادي محلي (ضمن الوحدة الاقتصادية الواحدة والمستقلة).
تكون مهمة مجلس الوحدة الاقتصادية الواحدة هي كل مناحي الحياة الاقتصادية وتفاعلاتها؛ فالمجلس مسؤول عن تنظيم وتوجيه قطاعات الإنتاج والعمل والتوظيف والتشغيل والتعليم (الإلزامي والعالي) والصحة والبنوك والخدمات والنقل والصناعة والزراعة والتجارة والتعدين والسياحة والطاقة والأمن والجمارك وجميع مظاهر الحياة الاقتصادية.
أما الدين العام والذي اقترب من هاجس الـ(40) مليار دولار، فتقسم على الوحدات الاقتصادية (الحصة وفوائدها) وبحسب أسس واضحة، لخلق بيئة تنافسية بين الوحدات الاقتصادية أيها تسدد التزاماتها وتحرر اقتصادها، وهذا مدعاة لوقف الفساد ومحاربته بقوة ومحلياً دون ضغوط من أية قوى مجتمعية لحماية الفاسدين، ووقف الاقتراض والخلاص من الدين العام في زمن قياسي في ظل غياب إستراتيجية فاعله لذلك.
وبذلك يصبح كل العاملين في الوحدة الاقتصادية الواحدة ونفقاتهم من موارد هذه الوحدة والحكومة المركزية غير معنية بهم نهائياً.
أما شكل الإدارة المحلية ونظمها وقوانينها المحلية فهي مستقلة وليس بالضرورة متشابهه، ولكل وحدة اقتصادية (سواء إقليم أو محافظة) الحرية المطلقة في عقد الاتفاقات الاقتصادية والتنموية مع الوحدات الأخرى داخلياً وخارجياً لتنمية وتطوير نشاطها الاقتصادي بالطريقة التي تناسبها دون تدخل من الحكومة المركزية نهائياً.
النتائج الأولية المتوقعة لهذه الخطة الاقتصادية:
• تحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع أبناء الوطن في المكاسب والفرص.
• التخفيف على الحكومة المركزية في ما ذهبت إليه في الماضي من مسؤوليات.
• إلغاء الفساد الأصغر المريع والفساد الأكبر المهول الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه.
• تحرير القيادة والحكومة من الضغوط الدولية على قراراتها السيادية، فالكل محكوم لإرادة الحكومة المستقلة في الوحدات، بل يمكن أن تكون الضغوط عكسية على القوى المتحكمة في العالم في الأزمات الإقليمية كحالة اللجوء القسري في ظروف الحرب والأزمات السياسية والطبيعية.
• الخلاص من المديونية واستغلال الفائض في التنمية، وحصر الاستدانة لغايات التنمية بين الوحدات الاقتصادية داخلياً.
• بناء علاقات تعاون بين الوحدات أو الأقاليم لإقامة شراكات إنتاجية عملاقة أو مشاريع كبرى تحقق إيراداً ضخماً تستفيد منه الوحدتين في تحقيق الرفاه لمجتمعيهما، كما تستفيد منه الحكومة المركزية لتحصيل حصتها (20%) التي ستتضاعف بكل تأكيد.
• عدم تمركز الصناعة والتجارة والخدمات في العاصمة بينما تفتقر لها الكثير من المناطق الأخرى.
• تنحصر مسؤولية الأمن الداخلي بالوحدات الإدارية الاقتصادية المستقلة ضمن مناطق الوحدة الواحدة، وتتعاون مع الوحدات الأخرى أمنياً، بينما تنحصر مهمة الأمن المركزي في الأمن الوطني الخارجي (عسكرياً ومخابراتياً).
• يمكن لهذه الإدارات الاقتصادية إبطال فكرة الوطن البديل وما يرافقها من إضعاف للقرار الوطني واستمرار الضغوط الدولية على قراراتنا السيادية.
أن مثل هذه الرؤيا تحتاج الى خبراء في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وذلك لوضع الاطر الاساسية للبناء عليها، وهذا يقتضي بالضروروة تنظيم ورشة عمل أو (خلوه) من الخبراء والمختصين لمناقشتها بنوع من الاسهاب، بعيداً عن أية ضغوط أو محددات، ثم البدء بتقديمها للجمهور للحوار حولها، وتطويرها بما ينسجم مع ظروف الاردنيين وحاجاتهم، ثم اعادة صياغتها كخطة وطنية متكامله قابلة للتطبيق ضمن برنامج يمكن تسمية “برنامج التحول الاقتصادي التنموي الوطني”، والذي تتحرر فيه الوحدات الاقتصادية الوطنية من كل أسباب التردي والضعف والعبث والفساد.
وهنا فقط نتحرر من القرارات الفردية التي اهلكت اقتصادنا لعصور مضت، كما يمكن ان نتحرر من نتائج القرارات الظالمة التي تورط بها اقتصادنا على ايدي ثلة من الفاسدين، ماتت ضمائرهم وباعوا مقدراتنا لمنفعة ذاتية تافهه.
وقد نستطيع بهذا النهج اعادة تحرير مقدراتنا الوطنية (تأميمها) واستعادتها من الاتفاقيات الظالمة التي تنفع بها ثلة من الفاسدين على حساب الشعب كله.