الخلود الرخيص ((لمن يقرأ))

10 يونيو 2022
الخلود الرخيص ((لمن يقرأ))

بقلم : سهل الزواهره

تفرُ النوقُ العصافير من نُعمانِها الممدوح مهرولةً بدأبٍٍ ونزقٍ مُتعالي نحو المراعي التي تسيجت في غفلةٍ من النواطير بسياجٍ من الوَهم و أضحت هي و المستقبل و التاريخ رهنًا لهوى الغواني و الذراري التي لم تكن يومًا إلا فراخًا صُفرًا حلَّتْ على هذهِ الأرض و تحكمت في حلقاتها الطيعة المُترابطة فأحالتها فراغًا يآئسًا يرتقب قليلًا من حظٍ تائه أو رُبما صبيًا عابثًا يُعيد لها بركلةِ الصُدفه شيئًا من ألَقِها الذي لم يكنْ يومًا حاضرًا في ذهنِ تلك الأبدان الجاثمة التي اعتمر في دواخلها كل نوايا التفرقة و خلْقِ كل تناقضات الدنيا على مساحةِ تلك القرية الوادعة التي قيل ألفُ ذم في جُذورها الحانية ممن حل فيها ولاذ إليها، وألف رِثاء في عبيرِ تُرابها الذي جفت كل أسباب خصبهِ فغدا في عيونِ أصحابه قفرًا موحشًا على كلِ مسلكٍ منهُ عيَّارٌ جشعٌ تأمَّرَ على ثلةٍ من شُطَّارِ السُلطة يسلب الفقراء أقواتهم و يُخيف عيالهم لينشأ جيلٌ جديد من المذعورين و أهل السؤال و المكارم.
لا بُكاء يشفعُ لمن باعَ الدار و لا ولاء يستقيمُ لمن خفر الذمار فمعادلات تلك القرى المُزمنةِ قد ولَّت يوم ولىَّ أهلها وسادت مكانها تعاليمٌ جديدة قديمة كل خيوط وقتها تصبُ في مُستنقعات السُخرة و التمكين لكل دخيلٍ تاجر لا عَرق لهُ مجبول في أرض ولا دم سال لِحدود ولا لهفة لحائط و لا حتى دمعة مصطنعة على أطلال …
و يصطفي الذئبُ من أنصاف الشيوخ رهطًا يُعلمهم أصول البيع و التحرر من جينات الحِفاظ و عِظام الأجداد فيُحيلها في غمضةِ عين جُيوبا لا تمتلئ و نهمًا على توريث الولدان و عقوق الأوطان باسم الخُلود الرخيص و تحتَ قواعد الاصطفاف المشبوه الذي صاغهُ جرو كليب الأعجمي و صيرهُ قواعدًا مُلزمةً لكل من أراد أن يكون ضمن حسبةِ الحاضر المغدور أو المستقبل المفروز إلى قطعٍ مُرتبة لكل خاقان لاجئ قطعة مكتنزة تكفيهِ وتكفي فراغلهُ وصعاليكهُ، ويضيع في هذه القسمة الآثمة أهلَ الديارِ و تستمر تلك الحكاية وتدور مع كل جيلٍ حتى تُصبح هي الصورة و يضيعُ الأصل و يصبح هو و الهوية جزءا منحورًا من أساطير البلاد وأحاديث خُرافة لا يُصدقها إلاَّ أهل السذاجة و المقابر .
مَنْ جَنكَزَكُم على خاننا الصَغير و وهبكم مَفاتيح دِيارنا العتيقة لتعبثوا فيها و تُحيلوا البيارات إلى بارات و الشيوخ إلى مُسوخ و الجنان إلى حسابات سرية ، من سهَّل لإبن العَلقمي دُروبَ البلاط فعربد فيه و أفشى الأسرار النفيسة و باعَ المُستعصم ، فأصبحنا مُجردَ ورقة مَحروقه في لعبةٍ حرامٍ كُل أصولها قائمة على غشٍ وتصبُ عطايا و أسلاب في كُروشٍ لم تعرف يومًا حرَّ شمسِنا الزاهد أو برد سلاسلنا المنسية، من أذِنَ لأبي كُردوس أن تُصبح وسوسته نشيدًا وطنيًا وفرضًا تنتظمُ لِسماعهِ كل النفوس الشقيه لتَمتطي صهوةَ فِردوسنا الذي بِيعَ مئة مرة حتى ملَّه كل أهل السوق والرهان، من أوهمكم أن شمشومنا قهرته دليلة إلى الأبد و أنه لن يستعيد في غفلةٍ من غربانكم المأجورة جدائله الطويلة فتكون بقدرة قدير حبلاً متينًا ينسابُ في بئرِ الكرامةِ المعطلة من نوافذ القصر المشيد و يُخرِج للدنيا دِلاءً بماءٍ عذبٍ يتجسدُ وَقودًا لِكرةٍ تَردُ الروحَ الذبيحة و تَذوب الألوانُ في ذراتها الراقصة العبقة لتخلق لوحةً عبقريةً يُطاف بها على كل الدروب فتكون عنوانًا للخلاصِ و القيامة ….