لماذا تدخل وزير الداخلية؟

9 يونيو 2022
لماذا تدخل وزير الداخلية؟

حسين الرواشدة

‏تصريحات وزير الداخلية، مازن الفراية، حول نية الحكومة رفع أسعار المشتقات النفطية لأكثر من أربع مرات، حتى نهاية العام الحالي، لا تحمل أي مفاجأة، الأردنيون بحكم “خبرتهم” مع الحكومات يتوقعون أن تتكرر “الرفوعات”، لكن إعلانها بهذه الطريقة، كان لافتا، وربما غير مسبوق.
الوزير تحدث بالنيابة عن غيره، فهو لا يحمل ملف الطاقة، ولا علاقة له بتسعيرتها، المناسبة التي أطلق فيها تصريحاته “استثمارية”، والمستمعون مستثمرون، ثم إن الهدف تطمينهم وتشجيعهم على الاستثمار، التوقيت، أيضا، جاء بعد يوم واحد من إطلاق “الرؤية الاقتصادية”، والقادم الأجمل الذي بشر به الرئيس، أما الأهم فهو السياق والمضمون، وهذا يحتاج إلى كلام طويل.
سواء أكان الوزير (وهو بالمناسبة شخصية محترمة ومهنية) تطوّع من نفسه لإيصال هذه الرسائل السياسية، أو عبّر عنها بعفويه ونية حسنة، أو أن الحكومة كلفته بإيصالها، فإن تمريرها عبر بوابة “الداخلية” يبعث للأردنيين بإشارات غير مريحة، وهنا يقتضي التذكير بمسألتين اثنتين:
الأولى أن الأردنيين لا يقبلون خطاب التخويف، ولا يجوز التعامل معهم بهذا المنطق، إن تحملهم لكل الظروف الصعبة، وصبرهم النبيل على ارتباك الحكومات واخطائها، يجب أن يفهم في سياق واحد، وهو حرصهم على بلدهم وخوفهم عليه، وليس خوفهم من أي شيء آخر.
اما المسألة الثانية فهي ان مصارحة الأردنيين بالغلاء الذي ينتظرهم، وقرارات الحكومة لرفع الأسعار خلال الأشهر المقبلة، كان يفترض أن تسبقه مصارحات أخرى أشمل وأعمق، بعضها يتعلق بآليات التسعير والضرائب التي تفرض على المحروقات، والآخر بالخيارات والبدائل التي ستقدمها الحكومة للتخفيف على الناس، وضبط حركة السوق، وضمان معادلة عادلة للأسعار، وهي مهمة يجب أن يقوم بها الوزراء المعنيون بهذا الملف.
أعرف أن “الكلفة” الأمنية لأي قرار مهمة، وأن من واجبات المسؤول أن يقدرها، ويحسبها بدقة، لكن في إطار آخر قائم على تجويد القرار أولا، وإقناع الناس به ثانيا، ثم الثقة بأنهم سيتعاملون معه بمنطق وطني، وحتى لو اعترضوا عليه، كما حصل ذلك مرارا، فإن حرصهم على أمن بلدهم لا يقلّ أبدا عن حرص المسؤولين.
المهم، هنا، أن نضبط معادلة الشراكة والشفافية، ومراعاة أوضاع الناس، وتقدير غضبهم، في إطار واحد، وهو الصالح العام للدولة، بعيدا عن الاستهانة بردود فعل المجتمع ومواقفه.
نقطة نظام فقط، عدد “الضرائب” التي تترتب على المواطن الأردني لا تحصى، وربما لا توجد دولة في العالم لديها ما لدينا من ضرائب، ومن يتفحص بنود اي “فاتورة” سواء كانت فاتورة كهرباء او ماء او ترخيص سيارة او رخصة بناء (دعك من الضرائب على المحروقات).. الخ، سيجد انواعا من الضرائب يصعب فهمها، فثمة ضريبة اضافية، واخرى بدل عداد تم شراؤه سلفا، وثالثة للجامعة، ورابعة للتلفزيون، وخامسة للصرف الصحي، بل ان ثمة ضرائب على الضرائب، وضرائب ليس لها اسماء ايضا.
كيف يستطيع المواطن الأردني ان يدفع من دخله “المتواضع” كل هذه الضرائب، وكيف يمكن ان يقتنع بأن عليه حين يفكر بشراء “وجبة طعام” ان يدفع عليها ضريبة “مبيعات” تعادل خُمس ثمنها؟ وهنا لا فرق بين الغني والفقير، لأن ضريبة “المبيعات” توحد بينهما تماما.
السؤال الذي يفترض أن يشغل الحكومة، ويستفز مجساتها، هو: هل يستطيع الأردنيون أن يتحملوا سلسلة هذه الضرائب، والارتفاعات القائمة والقادمة للأسعار، ثم ما هي الكلفة الاجتماعية لذلك؟ هل لدى الحكومة خيارات وبدائل (دعك من الخطط والبرامج الموجودة والمعلّقة) لمواجهة مرحلة الغلاء القادم؟ وهل الاختناقات الاقتصادية تستلزم انفتاحات سياسية حقيقية (اختراقات:أصح)، لا مجرد تطمينات فقط؟
لا أدري إذا كانت هذه الأسئلة مطروحة على طاولة الرئيس، خاصة وانه منهمك، حسب بعض التسريبات، بإجراء تعديل موسع على حكومته، ما أعرفه أن الإجابات تبدو صعبة، وأننا بانتظار صيف ساخن وثقيل، سنواجه فيه ملفات تتعلق بأمننا الوطني، ما يستدعي تأمين الجبهة الداخلية، هذه المهمة لا يمكن إنجازها إذا ظلت الادارة العامة للدولة تمارس دور “المرسل” الأمني والسياسي فقط، وتتوقع من الأردنيين أن يقبلوا “المكتوب”، دون أن تقدم لهم روايات رسمية مقنعة، ودون أن يلمسوا تحولات حقيقية في مسار السياسات والمناخات العامة بكافة المجالات.
حمى الله بلدنا من مكل مكروه