سلاسل التوريد وجنون الأسعار.. أرق يتفاقم منذ عامين

13 مارس 2022
سلاسل التوريد وجنون الأسعار.. أرق يتفاقم منذ عامين

وطنا اليوم:سرعان ما تفاقمت أزمة ارتفاع الأسعار واختناق سلاسل توريد السلع الغذائية والأساسية بشكل مطرد في الأسواق والبورصات العالمية في ظل انحسار الخيارات الدبلوماسية بمواجهة الحرب الروسية الأوكرانية.
وتعتبر روسيا وأوكرانيا مصدرين رئيسيين لسلع أساسية ما يجعل لهما دورا مهما من امدادات السلع في الأسواق العالمية خصوصا من القمح والزيوت النباتية والمعادن كالحديد إضافة إلى تصدير النفط والغاز للدول المنتجة من أوروبا.
وتسببت الحرب التي اشتعل فتيلها بين الدولتين الشهر الماضي بارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوى في 14 سنة إذ تجاوز سعر برميل النفط خام برنت 138 دولارا فيما قفز سعر طن “قمح الخبز” إلى أكثر من 470 دولارا بعد ان كان لا يتجاوز 375 دولارا مقتربا من مستويات الأسعار التي سجلها إبان الازمة المالية العالمية عام 2008.
ولجأت دول عدة من بينها الأردن الى منع وإعادة تصدير سلع أساسية في خطوة تهدف للمحافظة على مخزونها الغذائي وتأمين احتياجات مواطنيها في ظل ضبابية مشهد الأسعار عالميا.
ولكن الأردن كبلد يستورد قرابة 80 % من احتياجاته الغذائية وكغيره من دول تعتمد على الأسواق الخارجية في توفير معظم احتياجات مواطنيها من الأساسية والغذائية سيتأثر حتما بارتفاع الأسعار بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، بحسب خبراء، خصوصا ما بعد شهر رمضان المبارك في ظل وجود مخزون حالي من السلع عند مستويات أسعار مستقرة في معظمها.
وبدأت أسعار السلع الأساسية والغذائية تشهد ارتفاعا مستمرا منذ بداية جائحة كورونا خلال العام 2020 خصوصا مع زيادة الطلب العالمي المفاجئ على السلع ما أدى إلى حدوث خلل في سلاسل التوريد وارتفاع أسعار السلع في بلد المنشأ وزيادة أجور الشحن خصوصا للبضائع المستوردة من دول شرق آسيا والتي وصلت إلى أكثر من 11 ألف دولار بدلا من 2000 دولار للحاوية التي تبلغ سعتها 40 قدما.
وشهدت أسعار الزيوت ارتفاعات متلاحقة إذ وصل سعر طن زيت النخيل بداية الشهر الحالي إلى 2250 بعد أن كان يباع بـ 600 دولار خلال العام 2020 فيما ارتفع سعر زيت دوار الشمس 2100 دولار بعد ان كان يباع بـ800 دولار لنفس الفترة.
كما ارتفع سعر طن زيت الذرة بداية الشهر الحالي الى 2400 دينار بعد أن كان يباع بـ 870 دينارا خلال العام 2020 وزيت الصويا الى 2500 دولار للطن الواحد بعد ان كان يباع بـ750 دولارا.
بدورها، أبدت الجمعية الوطنية لحماية المستهلك تخوفها وقلقها من سلسلة الارتفاعات التي طالت بعض السلع الأساسية التي تحتاجها الأسر الأردنية وكذلك الارتفاعات الجنونية على أسعار النفط العالمي مما سينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي محليا خاصة وان المملكة تستورد أغلب منتجاته.
وطالب رئيس الجمعية د.محمد عبيدات المواطنين بعدم التهافت على الأسواق لان السلع متوفرة وبكميات كافية حتى لا يتم استغلال هذا التهافت من قبل بعض التجار لاحتكار هذه السلع أو زيادة أسعارها نتيجة الطلب المتزايد عليها.
ودعا عبيدات التجار إلى الوقوف في صف المواطن ومراعاة أوضاعه الاقتصادية الصعبة وذلك من خلال توفير كافة السلع الغذائية والأساسية بأسعار مقبولة.
وقال رئيس الجميعة ” يتوجب على الحكومة التحوط من سلسلة الارتفاعات المستمرة على أسعار أغلب السلع سواء الأساسية والتموينية وحتى الكمالية وذلك أن أسعار هذه السلع قد ارتفعت مع نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي والآن عاودت وارتفعت الأسعار مرة أخرى خلال الشهرين الماضيين مما يشكل عبئا جديدا على القدرة الشرائية للمواطنين وأبرز مثال على ذلك ارتفاع أسعار الزيوت النباتية التي ارتفعت أسعارها في السوق المحلية بالرغم من توفرها بكميات كافية تغطي حاجة السوق لأكثر من ستة أشهر بحجة اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وهذا الأمر مناف للحقيقة لأنه لا يجب أن تتأثر الأسعار محليا بين ليلة وضحاها”.
وشدد على ضرورة إيجاد آلية يتم فيها ضبط الأسواق وتشديد الرقابة عليها من قبل الجهات الرسمية ذات العلاقة وكسر حالات الاحتكار التي يمارسها بعض التجار، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة للحيلولة دون حدوث ارتفاعات أخرى قد تطال هذه السلع خاصة إننا نمر في ظروف استثنائية صعبة نتيجة الجائحة والتي تزامنت مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أفراد الطبقتين الفقيرة والوسطى”.
وقال رئيس غرفة تجارة الأردن نائل الكباريتي إن “العوامل الخارجية لها تأثير ونحن غير قادرين على السيطرة على ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية” مشيرا إلى أن الإجراءات الداخلية التي اتخذتها الحكومة متواضعة بالنسبة للتكلفة المرتفعة في بلد المنشأ.
وأوضح الكباريتي أن أسعار المواد الغذائية في بلاد المنشأ بدأت تشهد ارتفاعات مستمرة منذ بدء جائحة فيروس كورونا وتعطل سلاسل التوريد التجارية وزيادة أجور الشحن، وتعمقت كثيرا منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
وحول مستويات الأسعار خلال شهر رمضان المبارك بين الكباريتي أن السلع الغذائية والأساسية أصبحت موجودة في مستودعات التجار وهنالك ارتفاعات في بعض السلع مثل الزيوت النباتية مؤكدا أن 95 % من السلع ما زالت أسعارها مستقرة.
وأكد الكباريتي أن الغرفة حريصة بالتعاون مع التجار والمستوردين على توفير السلع خلال شهر رمضان المبارك بأسعار بمتناول الجميع وهذه تعتبر قضية أساسية لدى الجميع.
وقال الكباريتي إن “مستويات الأسعار ما بعد شهر رمضان المبارك ستشهد ارتفاعا ملموسا في العديد من السلع وفي حال وصول سعر برميل النفط حاجز 200 دولار وأكثر سيكون الأثر أكبر على كلف النقل ما ينعكس على أسعار السلع”.
وأضاف رئيس الغرفة في حال استمرت روسيا وأوكرانيا في حظر تصدير السلع الغذائية سيؤدي ذلك إلى خلل في سلاسل التوريد بالأسواق العالمية رغم وجود بدائل أخرى وهذا يؤدي إلى مواصلة ارتفاع الأسعار بالأسواق العالمية والتي ستنعكس محليا.
وقال ممثل الصناعات الغذائية في غرفة صناعة الأردن محمد وليد الجيطان “هنالك حالة من القلق والترقب تسود بين أوساط الصناعيين بعد الارتفاعات الكبيرة والمستمرة في أسعار مدخلات الإنتاج والنفط بالأسواق والبورصات العالمية والتي عمقتها الحرب الروسية الأوكرانية”.
وبين الجيطان أن الأردن ليس بمعزل عن العالم وأن أي تغيير في مستويات الأسعار وكلف الشحن سيؤثر حتما على تكاليف الإنتاج ومستويات الأسعار بالسوق المحلية، مشيرا إلى أن أسعار السلع عالميا بدأت بالارتفاع منذ بداية جائحة كورونا عام 2020.
وأكد الجيطان أن أسعار معظم الصناعات الغذائية بالسوق المحلية ما زالت مستقرة نظرا لوجود مخزون من مدخلات الإنتاج المستوردة عند مستويات أسعار مستقرة ولن تشهد ارتفاعات خلال شهر رمضان المبارك.
وأشار الجيطان إلى أن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية واستمرار حظر تصدير سلع غذائية من قبلهما ودول أخرى سيؤثر على مواصلة ارتفاع الأسعار وتفاقم أزمة امدادات الغذاء بالأسواق العالمية الأمر الذي يؤدي إلى زيادة مستويات الأسعار بالسوق المحلية بشكل ملموس.
وطالب الجيطان الحكومة بتخفيض ضريبة المبيعات للتخفيف من حدة ارتفاعات الأسعار في السوق المحلية خلال الفترة المقبلة خصوصا وأن المدخلات التي تستوردها المصانع حاليا ارتفعت بشكل ملحوظ.
وقال نقيب أصحاب شركات التخليص ونقل البضائع ضيف الله أبو عاقولة إن “أسعار السلع المستوردة من الخارج لها قيمتان الأولى تتمثل في اثمان السلع في بلد المصدر والثانية كلف الشحن”.
وأوضح أن كلف الشحن تشمل الكلف والمصاريف التي تدفع بعد نقل البضائع من بلد المصدر سواء كانت أجور التحميل وشحن البضائع ورسم ميناء العقبة والمناولة ورسم الجمارك وضريبة المبيعات ورسوم الملاحة وأجور التخليص وأجور الشحن من العقبة إلى عمان.
وبين أن كل المصاريف التي تدفع خارج قيمة البضاعة حتى وصولها إلى مستودعات التجار تعتبر كلف شحن وتؤثر على قيمة البضاعة، مبينا أن أجور الشحن ارتفعت منذ بداية جائحة كورونا حتى اللحظة بنسبة 500 % بسبب نقص الحاويات وهذا زاد من كلف السلع.
وقال أبو عاقولة إن كلف الشحن من بلد المصدر إلى ميناء العقبة كانت تبلغ 200 دولار خلال العام 2019 والآن تصل الى 12 ألف دولار مشيرا إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من تخفيض للرسوم الجمركية ستنعكس إيجابا على تخفيف أجور الشحن خصوصا وأن أجور الشحن تشمل الرسوم الجمركية وميناء العقبة وأجور المناولة.
وبحسب أبو عاقولة شملت قرارات الحكومة أيضا عدم اعتماد قيمة الشحن المرتفعة ووضع سقوف سعرية لاحتساب كلف الشحن والذي ينتهي نهاية الشهر الحالي مطالبا بتمديد القرار حتى نهاية العام الحالي في ظل ارتفع أجور الشحن عالميا.
وقال أبو عاقولة إن كل دينار يخفض على كلف الشحن سيؤثر حتما على تراجع الأسعار في السوق المحلية، لافتا إلى أن المؤشرات حول مواصلة ارتفاع أسعار النفط عالميا سيؤثر على ارتفاع كلف الشحن وقيمة البضائع.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الصناعة والتجارة والتموين ينال البرماوي إن “أسعار السلع الغذائية ما زالت مستقرة في السوق المحلية باستثناء بعض الأصناف مثل الزيوت النباتية والتي قامت الوزارة أخيرا بوضع اسقف سعرية لها”.
وأشار البرماوي الى قيام الوزارة باتخاذ حزمة من الاجراءات لضمان تعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الغذائية والأساسية إذ قررت منع وإعادة تصدير العديد من المواد التموينية.
وبين أن قرار منع وإعادة تصدير السلع شمل: الأرز، السكر، الحليب المجفف، البقوليات الجافة، الأعلاف، القمح ومنتجاته، الطحين، الذرة الصفراء العلفية، مركزات الأعلاف، السمنة والزيوت النباتية بجميع أنواعها “زيت الذرة، زيت دوار الشمس، زيت النخيل وزيت الصويا”.
وقال البرماوي إن “من المؤمل أن لا ترتفع الأسعار خلال شهر رمضان المبارك في ضوء وفرة المخزون والإجراءات التي اتخذتها الحكومة سابقا”.
وأشار البرماوي إلى أن الحكومة اتخذت نهاية العام الماضي مجموعة من الإجراءات والمقترحات لتسهيل انسيابية وصول السلع الأساسية وتعزيز المخزون الاستراتيجي.
وشملت الإجراءات، تخفيض رسوم الفحص على المواد الغذائيَّة المستوردة بنسبة (30 %) لمدَة ثلاثة أشهر، وذلك في جميع الجهات المعنيَة بإجراء الفحوصات وهي: (وزارة الزراعة، وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، ومؤسسة المواصفات والمقاييس، والمؤسسة العامة للغذاء والدواء).
كما شملت الإجراءات السماح للقطاع الخاص بالتخزين في مستودعات الشركة العامة الأردنية للصوامع ومستودعات وزارة الصناعة والتجارة بسعر الكلفة وتمديد فترة الإعفاء لتخزين الحاويات من (6) أيام إلى (14) يوما لمدة ثلاثة أشهر للمواد الأساسية فقط، بالإضافة إلى تخفيض رسوم المعاينة في ساحة (4) للحاويات بمقدار (15) دينارا لكل حاوية للمواد الأساسية ولمدة ثلاثة أشهر، ليصبح رسم المعاينة للحاوية التي تبلغ سعتها (40) قدما بواقع (60) ديناراً بدلاً من (75) ديناراً، أمَّا الحاوية التي تبلغ سعتها (20) قدماً بقيمة (50) ديناراً بدلاً من (65) ديناراً.
وأشار البرماوي إلى أن الوزارة تقوم برصد يومي لواقع الأسعار داخل السوق المحلية وهي تراقب تغيرات الأسعار بالأسواق العالمية .
وأكد أن السوق المحلية تمتاز بتوفر بدائل واسعة للسلعة الواحدة وبأسعار متفاوتة.
وأشار البرماوي إلى أن الوزارة ستتحمل كلف ارتفاع أسعار القمح للحفاظ على أسعار الخبز عن مستوياتها الحالية، مبينا أن مخزون المملكة من القمح يغطي الاستهلاك الى 14 شهرا فيما يتوفر مخزون من السلع الغذائية الاخرى يغطي الاستهلاك لمدة تتراوح بين شهرين و 7 أشهر بحسب طبيعة كل سلعة ومدى قابليتها للتخزين.
وكان البنك الدولي أكد أن الأردن لديه مخزون كاف من الحبوب وآمن غذائيا ولم يتأثر جراء الأزمة الروسية الأوكرانية وتم تصنيف الأردن بـأنه غير معرض لأزمة أمن غذائي.
وارتفعت القيمة الإجمالية لمستوردات المملكة خلال العام الماضي بنسبة 25 % لتصل إلى 15.3 مليار دينار مقابل 12.2 مليار في العام 2020 بحسب آخر أرقام التجارة الخارجية الصادرة عن دائرة الاحصاءات العامة