بقلم: د. ماجد الخواجا
مرت البلاد على مدى عقدين من الزمان بتغيرات وتغييرات وتحولات هائلة شملت مختلف المفاصل المجتمعية بحيث زادت الموازنة العامة أضعافا مضاعفة، زادت المديونية والدين العام للدولة بصورة متوالية هندسية غير مفهومة، زاد عدد السكان بشكل مطرد، زاد عدد الملتحقين بالتعليم ، زاد عدد المستفيدين من التأمينات الاجتماعية، من الصحة، زادت مدخولات السياحة، زادت مستويات الاستهلاك، زاد حجم الاستثمار وخاصة في مجال الخدمات، زادت التحديات وشحت الفرص، إلا في مجال الاصلاح الحزبي والنيابي والسياسي عموما، فهذا المجال لا نستطيع أن نقول عنه أو نحكم عليه بالزيادة والنقصان لأنه يتسم بالنوعية وبما يترتب عنه.
لم تأت حكومة إلا وتوشحت بالإرادة الملكية وخطاب التكليف لها، ولم يخل كتاب تكليف من محاور أساسية تكررت مع مختلف الحكومات المشكلة.
عند قراءة كتاب التكليف للسيد الدكتور بشر الخصاونة، يلاحظ أنه قد ركز على الشأن الداخلي وما يمس الهم اليومي للمواطن، مع هيمنة واضحة لفيروس كورونا المستجد وبالتالي التركيز على الجانب الصحي الوقائي والعلاجي والحماية التأمينية للمواطن.
ولم يتم التطرق إلى الفساد والفاسدين إلا في جملة واحدة جاءت ضمن حديث عن سيادة القانون والمساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص.
كما ورد في كتاب التكليف جملة تتحدث عن دعم الهيئة المستقلة للانتخابات في عملية اجراء الانتخابات النيابية القادمة.
وخلا كتاب التكليف من أي حديث عن الإصلاح السياسي مركزا على الجوانب الاقتصادية باعتبارها أولوية للحكومة القادمة.
لقد أصبح تشكيل الحكومات في الأردن يمثل عبئا سياسيا واجتماعيا نتيجة تراكمية الخبرات السلبية والانطباعات الشعبية عما أنجزته الحكومات المتعاقبة.
شعبيا لم يرض الشعب يوما عن أداء أية حكومة بشكل واضح وكبير، بل يكاد يكون ثمة اجماع على أن كل حكومة جاءت كانت سببا في زيادة الصعوبات وتردي الأوضاع المعيشية والحياتية .
شعبيا لم يقتنع الشعب لغاية الآن بمجمل ما يدعى بالإصلاح السياسي، لأن ما كان يجري أثناء عهد الأحكام العرفية لا يختلف الحال عنه بعد إلغائها، وإن أصبحت الاجراءات مغطاة بالقانون ومن ذلك قوانين الانتخاب والأحزاب السياسية وقوانين الإعلام وخاصة الجرائم الالكترونية.
شعبيا لم يلمس المواطن حقيقة شيئا مؤثرا مما سمي بالإصلاح الاقتصادي والقضاء على البطالة وتحسين مستويات المعيشة، فقد توالت سياسة الجباية الضريبية التي أصبحت أداة من أدوات إفقار المواطن وإنهاكه. وتوالى ارتفاع الأسعار للسلع الأساسية ، وربما لم يشعر المواطن بأية مشاريع ذات قيمة باستثناء الطريق الصحراوي والباص السريع المشاهدين من قبل المواطنين مع أن المشروعين قد عانيا كثيرا خلال العمل بهما.
نعم : التحديات كبيرة ومتزايدة ومتراكمة، والعجز يكبر في تحقيق الغايات الوطنية الصغرى قبل الكبرى.
قلتها في لقاء تلفزيوني ذات مرة : هناك أسئلة كبرى في الوطن بحاجة للإجابة عنها منذ عقود. أسئلة قد لا يكون للحكومات المتعاقبة دور في وجودها، لكن لا بد من الإجابة عنها.
إن حكومة الخصاونة محددة المهام حسب كتاب التكليف والذي ينبغي عليها الالتزام بما ورد فيه، فهي قد تكون حكومة مؤقتة لإجراء الانتخابات وإقرار الموازنة العامة للدولة، وربما تواصل العمل بعد الانتخابات، وهذا يجعل الطريق ليس ممهدا أمامها في المرحلة الحالية الانتقالية.
لهذا لا يتوقع من هذه الحكومة شيئا خارقا ومختلفا عن ممارسات الحكومة السابقة التي كانت عبارة عن تحالفات واقطاعيات بين عدد من الوزراء على حساب الأداء الوطني الجماعي، ولم يستطع الدكتور الرزاز من إعادة اللحمة للحكومة مع أنه أجرى أكثر من ستة تعديلات عليها.
لا أدري معنى وطبيعة المشاورات التي عادة ما يقوم بها الرئيس المكلف، لكن ما أتمناه حقا أن يحدد إن كان الأمر له، أي نوع من الوزراء يريد ؟ هل يريد وزيرا سياسيا بالدرجة الأولى أم وزيرا تقنيا، في الحالتين يستطيع أن يضمن حكومة ذات أداء مهني معقول، لكن الخشية من التدخلات التي تحرف الوجهة عن الغايات، فنشاهد وزراء كطبيخ الشحادين، ليسوا من طراز سياسي وحزبي ولا هم تقنيون تكنوقراط.
كنت أريد الحديث عن مجمل العمل السياسي ، فنحن في الدرك الأسفل من عمليات الإصلاح السياسي، هناك إشكالية قانون الأحزاب السياسية والذي أفرز مجرد دكاكين وواجهات شخصية في معظمها، هناك تشوه ومرض مزمن في قانون الصوت الواحد المشوه والفريد في تطبيقه عن سائر دول العالم، هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في قوانين الإعلام وخاصة قانون منع الجرائم الالكترونية الذي أصبح سيفا بيد كل مسؤول بذريعة اغتيال الشخصية والتشهير.
الحديث يطول لكنه يظل في البدايات دوما.