شعير الرئيس !

12 يناير 2022
شعير الرئيس !

المحامي بشير المومني

أعلنت الحكومة على لسان رئيسها ( المقل اعلاميا ) عن حزمة اجراءات اقتصادية كانت غاية في الأهمية لتشتعل وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخرة على حديث الخصاونة وقد لوحظ في ذلك أمرين مهمين الأول إنتقال ( منظومة السخرية ) من المواطن العادي ووصولها الى النخب المفترضة وقد زخرت مجموعات ( الواتس اب ) بحالة غريبة من التندر النخبوي وهي دلالة مؤسفة على ان النخب التي يفترض فيها تشكيل حالة الوعي اصبحت جزءاً من عملية التسطيح المعرفي لقضايانا الوطنية أما الأمر الثاني أننا انتقلنا من مرحلة عمليات بناء المحتوى الاسقاطي لأي جهد أردني وعمليات النيل من الانجاز من مستوى صناعة المحتوى خارجيا واسقاطه في الداخل الاردني الى مرحلة النهوض الذاتي ( بالمسخرة الوطنية ) وتحقير الذات الوطنية بمعنى أننا لم نعد بحاجة لمن يبني لنا منظومة هندسة الاعتقاد لأن المجتمع وصل الى تلقائية رد الفعل بلا توجيه كنمط سلوكي ..

ترك المجتمع الاردني بسياسييه ونخبوييه وصانعي اعلامه ومحتوى التفكير ومجموعات التنظير وصولا الى المستويات الافقية الادنى في سلم الاهتمام العام او السياسي كل ما تحدث عنه رئيس الحكومة الاردنية والتفت الى امر واحد فقط لا غير وقام بتأطير نفسه بالتفكير في اتجاه محدد وهو ( الشعير ) ليتم استحضار فكرة البهائم والدواب واسقاطها على الذات الوطنية بطريقة ممجوجة فجة ويكأن المسألة باتت عبارة عن التقاط لأي كلمة او اشارة صريحة او ضمنية لاختزال الذات الوطنية والمحتوى الاردني فيها فأصبحنا بقدرة قادر وقد انتقلنا من حديث عن منجزات وقرارات فعلية على الارض لصالح الاقل حظا الى ترك ذلك كله لصالح منظومة تنطع مبنية على تسخيف وتسطيح اهم ملف بالدولة الاردنية وهو الاقتصاد وفي الوقت الذي انشغل فيه المجتمع – الا من رحم ربي – بالشعير والبهم والتبهم كانت هنالك سفارات ومؤسسات متخصصة ترقب دلالات واثر ما اعلنت عنه حكومتنا وتخطط لكيفية التعامل معه بما يخدم مصالحها !

قلنا من السابق اننا امام حكومة مختلفة عما سبقها من حكومات سيوقراطية او رأسمالية او مدنية ليبرالية اورثتنا مصائب لا حصر لها واليوم تكشف قرارات الحكومة ان هنالك تحولا في مفهوم القرار الوطني الاردني وبأنه يتجه نحو فكرة وفلسفة ومنظومة ونظرية ( الملكية الشعبية ) لاستعادة فلسفة انحياز القرار السيادي باتجاه المواطن العادي وتوجيه القرار الحكومي لصالح جيب المواطن ولأول مرة منذ عقود طويلة ينتج المشهد الاردني حكومة تفكر بشكل فعلي وتتخذ القرار على الارض لصالح جيب المواطن ولاعادة ترسيم منظومة المؤسسة الخدمية لصالح المواطن واعادة بناء تعريف الفكرة الكلية للدولة من سيد لخادم للمواطن ..

يبدو ان منظومات الحكم السابقة وصالونات الترف الطبقي والسياسي التي انتجت مشهد البؤس الوطني لعقود والتي لا تزال تهيمن على مفاصل مهمة لا تتفق مصالحها مع وجود حكومة وطنية تنحاز لصالح المواطن العادي ومحاولاتها معالجة التوحش الذي افترس طبقات باتت اليوم الشغل الشاغل للملك في تحسين احوالها والتخفيف عليها ويبدو ان الحكومة التي يرأسها ابن الارض الاردنية ذلك ( الفلاح الاسمر ) والذي يعرف قيمة واهمية الشعير عند اهل الفلاحة والبداوة وكيف تؤدي لأن تطعم الافواه الجائعة في حاضر او باد غير مهتمة بما ينتجه الحلال لأنه لا يعرف غير محرمات اللحم المشوي ولو كان لحم ابناء البلد .. حكومة جاءت لتقف مع الاقل حظا وتعالج جرائم ارتكبت بحق الدولة وتعمل لتحسين ظروف معيشة الانسان العادي والتخفيف عليه لا تستحق قراراتها كل هذا التسخيف او بمعنى أدق السخف .