ليث الشبيلات جَانَبَ الحقائق بإمتياز

10 يناير 2022
ليث الشبيلات جَانَبَ الحقائق بإمتياز

د. عادل يعقوب الشمايله

-بث المهندس ليث شبيلات عدة فيديوهات صاروخية متعددة الرؤوس والاتجاهات خلال الاسابيع الاخيرة. هذا التكثيف في القذف لقي رواجا كبيرا لأن مضمونها ولذعها راق للناقمين الذين يستمعون للقول غير مدركين كُنههُ ولا بواعثهُ ولا صحتهُ، وهم كثرُ. ولو قُدِّر للمفكر الانجليزي جون لوك أن يَطَّلِعَ على فيديوهات المهندس ليث لقال عنه أنه يهرف بما لا يعرف. ولنصحهُ أن يَكُفَ عن الحديث عن الدستور، وأن يلتزم بجغرافيا الهندسة المعمارية التي درسها وعمل بها، أو أن يلتحق بكلية قانون او كلية علوم سياسية ليتدبر ابعاد ومعاني ما يقول وما يكتب.
-لم يتوقف السيد ليث شبيلات عن التباكي على دستور ١٩٥٢ موجها سهام نقده للحكومات ومجالس النواب المتتالية التي اخضعت الدستور لمبضع جراح يعشقُ الاستبداد. وإزاء هذا الاصرار على تكرار ما يعتقده أنه صواب وما نعتقده نحن على أنه خطأ، أُقدِمُ له مجرد عينة داحضةٍ.
-تجاهلَ، أو غابَ عن وعي السيد شبيلات أن بذور الاستبداد مزروعة اصلا في نصوص دستور ١٩٥٢، وأن تلك النصوص هي التي مكنَّت من التعديلات اللاحقة المتتالية دون مقاومة، لأن المقاومين مجردون من السلاح حتى من الاسنان. صحيحٌ أن دستور ١٩٥٢ يفضلُ بكثير دستور ١٩٤٧، الا أن كليهما غير معنيان بتمكين الشعب من المشاركة الحقيقية في الحكم، وفي جعل الشعب فعلا مصدرا للسلطات.
ولعل اول امتحانٍ لِحقِ الحكومة بالولاية العامة التي يُكثرُ الشبيلات الحديث عنها هو ما جرى لحكومة سليمان النابلسي الحزبية البرلمانية عام ١٩٥٧. فقد مكنت نصوص الدستور المُجمِدَةِ لمبدأ ولاية الحكومة من التخلص من حكومة النابلسي رغم شعبيتها الواسعة. ونظراً لأن تلك الحكومة كانت الوحيدةَ التي إدَّعت لنفسها الولايةَ العامةَ، أو حاولت تفعيلها وتطبيقها فَمُنعت ثم ُحلت وعوقبت، لم تجرؤ حكومةٌ بعدها من الاقتراب من موضوع الولاية العامة. ذلك الدستور نفسه أُستخدِمَ لحل الاحزاب ومنعِها عقوداً طويلة. ذلك الدستور الذي يُلحِقُ بكل نصٍ دستوري له علاقه بحقوق المواطنين بعبارة “حسب القانون” ليأتي قانونٌ يجمدُ النصَ الدستوري أو يشوههُ. كلا الدستورين لم يُستفتى الشعبُ عليه، كما لم يستفتى على أي التعديل. أي أن دستور ١٩٥٢ غيَّبَ الشعب الاردني تماماً واستبدله بمجالس بصيمةٍ يأتي معظم اعضائها بالتزوير او بالمال الفاسد او بعشائرية عمياء.
-تجاهل أو غاب عن وعي السيد شبيلات أن دستور ١٩٥٢ هو الذي مَكَّنَ من حل مجلس النواب عام ١٩٦٦ عقابا على رفضه منح الثقة لحكومة سمير الرفاعي وبقي الاردن بدون مجلس نواب حتى عام ١٩٨٩ الى أن فَرضت انتفاضةُ معان بعثَ الحياة فيه. أي أن دستور ١٩٥٢ مَكَّنَ من تعطيل الدستور فلم يعد نظامُ الحكمِ في الاردن برلمانيا لمدة ٢٣ عاما أي ربع عمر الملكة.
-تجاهل المهندس ليث شبيلات أنهُ قَبِلَ عضوية المجلس الوطني الاستشاري الذي أُنشئ كبديل لمجلس النواب. أي أن السيد شبيلات قبل بعضوية المجلس غير الدستوري وغير الشرعي المُنبَثِقِ عن قرار تعطيل الدستور. وكان انضمامه مؤشرا على قبول دخول الحياة السياسية من بوابة غير شرعية، وبالتالي الاذعان لمخرجاتها. يُبررُ السيد ليث قبوله بالانضمام للمجلس على أنهُ تنفيذٌ لرغبة الملك. أي أن رغبة الملك تقدمت عند ليث الشبيلات في تلك المناسبة على الدستور. اليس هذا نفاقا؟ أين الوطنية التي يتغنى بها من هذا السياق ولماذا غابت الغيرة على الدستور؟ ولماذا يلومُ غيرهُ من الذين يرون الانتهازية شيمةً وشامةً.
-تجاهل المهندس ليث الشبيلات حقيقة أن دستور ١٩٥٢ هو وريث دستورِ ١٩٤٧ الذي تم بوجوده ضمُّ الضفة الغربية بقرار أُحاديٍ، رغم أن قرار الضم ذاك كان مرفوضا عربيا ودوليا وفلسطينيا ولم يُستفتى عليه الشعبُ الاردني الذي فُرِضت جنسيتهُ بدون إذنهِ على مئات الالاف من المهاجرين بدونِ رِضاهم بجرة قلمٍ وهو ما لم تفعله الحكومات العربية الاخرى التي لا تتوقف فيها رقصاتُ القومية والوحدة العربية لحظة من نهار ولا ليل ولديها موارد بشرية وطبيعية ومساحة تفوق الاردن بكثير.
قرارُ ضم الضفة الغربية ظل مرفوضا من قِبَلِ الشعب الفلسطيني حتى لحظة ضياع الضفة الغربية في مهزلة عبدالناصر عام ١٩٦٧. وجميعنا يتذكر تكرر المظاهرات والمصادمات الدامية بين القوى الامنية والرافضين للوحدة من ابناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والتي تأكد مضمونها وبواعثها في الاعوام ١٩٦٨-١٩٧٠ في احياء عمان وشوارعها. وعليَّ من باب الانصاف والحقيقةِ أن ابين ان اعتراض الشعب الفلسطيني على الوحدةِ لم يكن نابعاً من كُرهٍ للوحدة من حيث المبدأ، فالشعب الفلسطيني وحدوي بالطبع. وكذلك الحال بالنسبة لشقيقه الشعب الاردني. ولكنه كرهها لأن مسرحية الضم قد اجهضت طموحاته بالاستقلال وإنشاء دولته الوطنية على ما تبقى من ارض فلسطين مثلهُ مثل بقية الشعوب العربيةِ التي نشأت دُولُها ضُحى اليوم التالي لتبدد ليل الاحتلال العثماني المستبد الغاشم المتخلف. إذ كان من الممكن أن تتم الوحدةُ بعد قيام الدولة الفلسطينية. الدستور الذي اتاح فرض قرار الوحدة، أتاح أيضاً قرار فك الارتباط النئ المخالف للدستور الذي يمنع التنازل عن جزء من اراضي المملكة.
-زعم السيد ليث شبيلات أن طاهر المصري يُمثلُ الاردنيين من اصل فلسطيني وأنهُ الناطقُ باسمهم. وبالتالي كرر تحميلهُ مسؤولية ما جرى ويجري في الاردن لأنه لم يصدح بالحق كما يراه ليث. هذا الزعم يخالفُ حقيقةَ ان الاردنيين من اصل فلسطيني منقسمون سياسيا. فمنهم من يتولى شطر منظمة حماس الاخوانيةِ ومنهم من يتولى شطر منظمة فتح وقيادة السلطة الفلسطينية ومنهم من يتولى شطر اطياف التيار اليساري ودول الرفض العربي. وأظنُ أن ليث شبيلات يعرف أن طاهر المصري محسوبٌ على النظام من وجهة نظر الاردنيين من اصل فلسطيني وأنه مجردَ موظفٍ في جهازه الاداري وأداةً من ادواته، الامر الذي يُفقدهُ الحد الادنى من التأثير على العقل والقلب والتوجه السياسي لهذا المكون الهام والواعي واليقظ من الشعب الاردني.
-تجاهل السيد ليث شبيلات خلفية وكيف جاء بقيةُ رؤساء الحكومات الذين وجه لهم لومهُ واتهمهم بالتخاذل لأنهم لم ينساقوا كالخراف مع مخططاته. ولي أن أتسائل هل غاب عن ذاكرة واطلاع ليث أن عددا من رؤساء الحكومات الذين ذكرهم كانوا ضباطا في جهاز المخابرات، بل من قادة ذلك الجهاز، وأن البقية تم التنسيب بها من نفس الجهاز؟ وهل جهازُ المخابرات في أي دولة في العالم جهازٌ شعبوي او حزبٌ سياسي أو تآلفٍ من احزاب سياسية؟
-الا يتطلبُ دستورُ ١٩٥٢ من رئيس الوزراء والوزراء أداء قسمٍ ينصُ على الاخلاص للملك؟فكيف يطلبُ ليث منهم ويكلفهم بما لا يطيقون وبما يُخالفُ الدستور ويخالف القَسم؟
-من اعطى السيد ليث الشبيلات سلطة تحويل رؤساء الحكومات السابقين الذين هم مجرد موظفين بيروقراطيين الى ممثلين شرعيين ومعبرين موثوقين عن ارادة الشعب الاردني وحراساً على مصالحهِ مع ان معظمهم قد عانى من معارضة شعبية لم تهدأ طيلة فترة رئاسته وبعضهم أُقيلَ بسبب المعارضة الشعبية لأنهم لم يأتوا بإرادة الشعب، ولم يرى الشعبُ منهم خيراً؟
-الم يعتد معظم رؤساء الحكومات المكلفين تذييل كتاب قبول التكليف الملكي بعبارة “خادمكم الامين” رغم أن النص الدستوري حسب المادة ٤٣ هو “اقسم بالله العظيم أن اكون مخلصا للملك وأن أحافظ على الدستور وأن اخدم الامة”. ونظرا لأن الانسان لا يخدم سيدين في آن واحد لأن هذا ما يقرره القرآن الكريم” ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه” وما قاله السيد المسيح “لا يقدر أحدٌ أن يخدم سيدين لأنه إما أن يُبغض الواحد ويحب الاخر ويلازم الواحد ويحتقر الاخر”. لذلك فإن ايراد تلك العبارة هو حنثٌ باليمين وتخلٍ عن خدمة الامة. لا يوجد نص قانوني أو دليل على ان الملك كان يطلب من رئيس الحكومة المكلف أن يكتب له هذه العبارة. فالملك الذي اقسم حسب نص المادة ٢٩ من الدستور على الحفاظ على الدستور والاخلاص للامة لا يرضى بأن يحنث رئيس الحكومة بيمينه. ونظرا لأن لدى الملك الكثيرَ من الخدم، فإن آخر ما يحتاجه الملك خادمٌ برتبة رئيس وزراء. من مصلحة الملك والشعب معاً ان يَكتُبَ له من يختارهم كرؤساء حكومات ما يبرهن على صدق تنفيذ ما ورد في كتب التكليف. أن يكونوا بناةً لمجد الوطن ومحققين لرفاه الشعب حتى يُحِبَ الشعبُ الملك أكثر، ويلتفون حوله أكثر، وحتى لا يجدَ الباحثون عن الشهرة والشعبية ثغرةً ينفذون منها. ولكن النفاق والبهجة المنفعلة من اشخاصٍ كلفوا بمناصب ليسوا اهلا لها ولم يحصلوا عليها بارادة شعبية هو ما يسوغ لهم أن يتبرعوا باذلال أنفسهم.
-واخيراً فإن تهجمَ السيد ليث على جماعة الاخوان المسلمين كان انفعاليا ومبالغا فيه ولا يملك الحق فيه. حيث أنه صنف نفسه تارة على أنه كان ينتمي للجماعة وهذا منافٍ للواقع، وتارةً نفى ذلك ليُصنِفَ نفسه ضمن التيار الاسلامي العريض. وعادةً يترتبُ على الانتساب اليه وبالضرورة المنافسة والتحاسد والتدافع الداخلي والخارجي.
-لقد حَمَّلَ السيد الشبيلات جماعة الاخوان المسلمين ايضا ما هم غير قادرين عليه لأنهم غير مؤهلين له. فجماعة الاخوان المسلمين في الاردن هم مجردُ فرعٍ من التنظيم العالمي للاخوان، وبالتالي فرأسهم السياسي ومصدرُ قراراتهم كان دوما خارج الاردن، إما في مصر أو في مدن المنفى كلندن. أي أن جماعة الاخوان المسلمين ليست تنظيما وطنيا من حيث المبدأ، ولا تعترف بالحدود السياسية ولا بالجغرافيا السياسية. يترتب على ذلك أن اجندة الاخوان وهمومها واهدافها وتطلعاتها وبرامجها عالميةَ الطابع والتوجه، ولا تتبنى تطلعات واوليات وبرامج الدول الوطنية ومن بينها الاردن. فالاردن بالنسبة لها مُجردَ محطة على سكة القطار العابرة للحدود. لذلك فإن شعار “الاسلام هو الحل” والذي يقبل به السيد شبيلات هو مجردُ ذرٍ للرماد في العيون أو قنبلةً دخانيةً أو تملصا من التعبير عن النوايا الحقيقية وخداعاً للبسطاء من المسلمين. فالجماعةُ ليس لديها برامج اقتصادية اجتماعية تعليمية صحية خدمية لتعلن عنها كما هو حال الاحزاب في الدول الديموقراطية لانها غير قادرة على انتاجها، ولأنها غير معنية بها اصلا وليست اولويةً من اولوياتها. فجماعة الاخوان المسلمين مثلها مثل بقية التيار السلفي تؤمن بمنهج الفتوحات والغزو وجلب الغنائم. ونظرا لأنها تستمدُ شرعيتها من الله حسب زعمها فهي لا تسعى الى ارضاء الشعب بمتع الحياة الدنيا الفانيةِ ليعيد انتخابها. فمهمتها أن تقودهم الى الجنة مقابل تضحياتهم في الدنيا. فوضع برامج اقتصادية واجتماعية وتحقيق الرفاه للشعب يُقعدهُ عن الجهاد.
-الامر نفسه ينطبق على السيد الشبيلات الذي لم يُقدِم على تشكيل حزب سياسي برامجي مدني ومستنير يُسهمُ في إغناء التجربة السياسية الاردنية ويقدمَ بديلا عن الاخوان الذين ينتقدهم أو اليسار الذي يخاصمه. الم يكن ذلك خيراً من أن يظل يلعن الظلام ويرسمَ الغربان على جدران الخيبة الحكومية المُزمنةِ ومضايقة رؤساء الحكومات السابقين المعذورين لأن فاقد الشئ لا يعطيه. لكن يبدو أن السيد شبيلات ايضا لا يملك اي برنامج وغير قادر على ايجاده. لقد آثرَ الانضمام الى مجموعة المتذمرين المتبرمين الشتامين من المسؤولين السابقين الذين تطولُ فترة تجمدهم عند اجهزة الهاتف.