ما بعد الديمقراطية الأردنية : الأردنيون الأكثر صمتا ، لكن لا يملكون شيئا

7 يناير 2022
ما بعد الديمقراطية الأردنية : الأردنيون الأكثر صمتا ، لكن لا يملكون شيئا

د.ابراهيم عيسى العبادي

خبير الشؤون الاستراتيجية والأمنية

كانت ثقافة التنوير السياسي لدى الأردنيين منذ نهاية الثمانينات وعودة الحياة السياسية الأردنية ليحصل الشعب على مؤسسة برلمانية تمثل طموحاتهم للمستقبل ؛ ترى بأن التجربة الديمقراطية المباشرة هي الحل السحري لكل ما يواجهنا من أزمات ومشاكل على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية سواء بسياساتنا الداخلية او الخارجية .

اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاث عقود على تجربتنا الديمقراطية ؛ بدا أن الديمقراطية اسم مشكلة أكثر مما هو حل ! وبعد التجربة البرلمانية المتعاقبة طوال الدورات النيابية السابقة كانت النتيجة أن سقطت التيارات الثلاث ( اليمين والوسط واليسار ) بسبب عدم وجود المدارس السياسية وفقدان الفكر السياسي للكثير من أعضاء البرلمانات المتعاقبة وعلى وجه الخصوص الجيل النيابي للعام ٢٠٠٧ ؛ هذا الجيل الذي افقد الديمقراطية عناصرها الأساسية بعد أن اثبتوا أنهم أعضاء علاقات عامة وليسوا نواب سياسة ولم يأتوا من مدارس او تجارب سياسية ؛ سواء من جاء منهم عبر التعيين او الترضية او المال ؛ ليطفو على السطح نظام هجين يجمع جماعات الضغط بين السياسة والمال . هل جاء الخطأ في تجربتنا الديمقراطية من الناخبين أنفسهم او ممن مثّل العمل البرلماني ام من كليهما . هل الخطأ في التجربة الديمقراطية ام في ممارستها ام أن الديمقراطية في النهاية مجرد وهم ! وهل التعديلات الدستورية التي أقرها مجلس النواب مؤخرا او قانوني الإنتخاب او الأحزاب التي أقرتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والتي سيقرها المجلس أيضا كما جاءت مسودتها ؛ تقفز بنا لمرحلة ما بعد الديمقراطية بحيث يناط بالشعب الأردني تخليه عن كل طموحاته ليقتصر دوره فقط على يوم الاقتراع بأدواته المعتادة ؟ حتى عندما كانت فكرة الديمقراطية في صلب الحياة السياسية مطمحا أردنيا ؛ كيف نفسر اليوم أن الديمقراطية نفسها تنتج نقائضها وربما أسباب أنقضاء دورة حياتها الطبيعية ؛ وكيف أن الديمقراطية الممثلة لسلطة الشعب ؛ قد بات الشعب يكرهها .

نحن نؤسس اليوم الى ما بعد الديمقراطية الاردنية المنشودة ؛ الحالة الهجين حيث سلطة المال التي ستكون الأكثر تحكما في المستقبل ؛ وستكون الأجيال الأردنية القادمة صامتة أكثر من أي وقت مضى ؛ لكنها لا تملك شيئا من مستقبلها وربما سيصحو الشعب الأردني يوما فيجد بأن الديمقراطية المباشرة ليست التي كانوا يعتبرونها الحل الأمثل لتحقيق طموحاتهم وإنما تشكلت حالة جديدة من ديمقراطية هجين بمكونات وأداوت لن تترك لهم متسعا لمواجهة مخرجاتها! المطلوب هنا ومن الضرورات اللازمة حيث لا بد أن تتحول كثير من التيارات الشبابية والقيادات والحراكات الشعبية للعمل في إطار مؤسسي حتى لو كان ضمن ما هو مطروح قانونيا على الأقل لمواجهة تيارات سياسية ناشئة تدعي أن وجودها جاء لحماية الوطن وأنها تستند في شرعية وجودها كما يدعون للتوجهات العليا ؟ على الأردنيين اليوم أن يمتلكوا ضرورات التحول السياسي ضمن عمل مؤسسي سياسي حقيقي بعيدا عن العمل الفردي والأصوات المتناثرة هنا وهناك عبر الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي ؛ عليهم لملمة قواهم حتى نمتلك أدوات جديدة للمنافسة السياسية أمام تيارات مبعثرة بأفكار خالية من أي مضمون ومحتوى سياسي لا يرتقي لطموحات هذا الشعب العظيم بكافة مكوناته وأطيافه الاجتماعية والسياسية . علينا البدء اليوم قبل غدٍ بنشاط سياسي فعال حتى نضمن التأثير على الساحة الأردنية لما يحقق بناء مستقبل أفضل . دعونا نفكر للعمل بأدوات وفكر سياسي ذكي ومتحرك لا أن يبقى الأردنيون الظاهرة الأكثر صمتا ومجرد أصوات متناثرة أمام أقلية مؤثرة والقافلة أمامهم تسير ولن تتوقف ؛ الا اذا اندمجوا في مواجهة سياسية بلا حدود ضمن عمل مؤسسي سياسي حقيقي ؛ عدا ذلك سنصحوا يوما على فجر بدون أدنى تأثير في بناء المستقبل الذي نصبوا اليه ؛ ولنا الكلمة؟