هكذا تجهِّز أوكرانيا المدنيين لحرب عصابات استعداداً للغزو الروسي

27 ديسمبر 2021
هكذا تجهِّز أوكرانيا المدنيين لحرب عصابات استعداداً للغزو الروسي

وطنا اليوم:بينما تتواصل ضغوط بوتين على الغرب ليحصل على ضمانات تخص حلف الناتو في شرق أوروبا، تستعد أوكرانيا لغزو روسي قد يقع في أي وقت، فماذا سيحدث للمدنيين حال تعرض الجيش الأوكراني للهزيمة؟
حشدت روسيا أكثر من 175 ألفاً من قواتها العسكرية على طول حدودها مع أوكرانيا، وتستعد للغزو العسكري خلال أسابيع، بحسب التقارير الغربية، بينما تنفي موسكو نيتها في الغزو، وتُلقي باللوم على الغرب في التصعيد الحاصل حالياً.
وترجع جذور الأزمة الأوكرانية، التي تهدد أوروبا والعالم بشبح الحرب، إلى ما قبل ثلاثة عقود عندما تفكك الاتحاد السوفييتي وقدمت الولايات المتحدة وعداً لروسيا بأن حلف الناتو لن يتوسع في شرق أوروبا بوصة واحدة، لكن واشنطن لم تلتزم بذلك الوعد وتوسع الحزب لمسافة 950 كيلومتراً بالقرب من روسيا.
والآن أعلن بوتين أن ضم الحلف الغربي لأوكرانيا يمثل “خطاً أحمر” بالنسبة لروسيا، ويريد ضمانات قانونية ملزمة من نظيره الأمريكي جو بايدن بذلك المعنى، والمفاوضات الآن جارية بين الطرفين في هذا الصدد.

تدريب المدنيين في أوكرانيا
صحيفة The New York Times الأمريكية نشرت تقريراً عنوانه “المدنيون الأوكرانيون بدأوا التدرُّب على القتال استعداداً لغزو روسي محتمل”، رصد استعدادات كييف لمواجهة روسيا في حالة وقوع الغزو وتعرض جيشها للهزيمة.
ويُجري التدريب المُحاكي لمعارك الشوارع في غابةٍ لأشجار الصنوبر لا تبعد كثيراً عن العاصمة الأوكرانية كييف. صاح القادة بالأوامر، فاجتمعت عناصر مموهة خلف الأشجار. وما لبث أن سقط أحد الجنود أرضاً وهو يصرخ طالباً النجدة.
كانت صرخات الجندي بمثابة إشارة إلى أنستازيا بلوشيتسكا، وهي شابة تبلغ من العمر 25 عاماً، لتركض مسرعةً إلى خط النار وتركع مستندة إلى الأرض الموحلة وتفتح صندوق أدواتها الطبية لتقديم المساعدة للجندي المصاب. تقول بلوشيتسكا: “الناس الذين استعدوا لن يهلعوا” إذا حلَّت بهم الحرب الحقيقية.
أنستازيا بلوشيتسكا هي واحدة من آلاف المدنيين الأوكرانيين الذين سجَّلوا أسماءهم لتعلُّم المهارات القتالية في برامج التدريب التي أقامتها الحكومة وتشرف عليها إلى جانب مجموعة من المجموعات شبه العسكرية الخاصة.
وهذه البرامج هي جزء من خطة الدفاع الاستراتيجية عن البلاد في حال أقدمت روسيا على غزوها المحتمل لأوكرانيا، وترمي إلى تعزيز المقاومة المدنية القادرة على الاستمرار في القتال إذا وقعت الهزيمة بالجيش الأوكراني.

لم تصدر بعدُ عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إشارة حاسمة بشأن ما إذا كان سيشن هجوماً على البلاد أم لا. ولكن إذا جاء القرار بالغزو، فإن الجنرالات الأوكرانيين أنفسهم يقولون إن جيشهم النظامي ضعيف الفرصة في الوقوف أمام غزو روسي شامل.
وبناء على ذلك، استخلصت أوكرانيا دروساً من حروب الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان خلال العقدين الماضيين، عندما تمكَّن المقاتلون من الاستمرار في المقاومة في مواجهة القوة النارية الأمريكية الأشد تفوقاً بفارق كبير.
وقالت ماريا يوزكيف، وهي طبيبة تعمل في مجال الأبحاث الإكلينيكية وأحد المشاركين في التدريب الذي أُجري هذا الشهر، للصحيفة الأمريكية: “لدينا جيش قوي، لكنه ليس قوياً بما يكفي للدفاع عن البلاد ضد روسيا. إذا وقع الاحتلال، وأتمنى ألا يحدث ذلك، سنصبح المقاومة الوطنية”.

عقيدة عسكرية في أوروبا الشرقية
يأتي التدريب العسكري للمدنيين برعاية الحكومة متماشياً مع تقاليد متَّبعة لدى الاستراتيجيات العسكرية في دول الشمال الأوروبي والسويسري لعقود من الزمن، غير أن هذا التقليد تشتد أهميته ومكانته حتى يصبح أقرب إلى عقيدة عسكرية في أوروبا الشرقية.
فالدول، مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، عادة ما تدفعها التهديدات الروسية إلى انتهاج برامج تشجِّع على امتلاك بعض المدنيين للأسلحة والتدريب الرسمي على المقاومة في حال وقوع احتلال للبلاد.
ومثالُ ذلك يحدث في إستونيا نهاية كل أسبوع تقريباً، إذ تعمد “رابطة الدفاع”، وهي منظمة للتدريب العسكري الدفاعي، إلى إجراء تدريبات عسكرية في الغابات للمتطوعين، ويشمل ذلك التدرُّب على صنع العبوات الناسفة، وهو السلاح ذاته الذي عانى جيشُ الولايات المتحدة الأمرَّين بسببه في العراق وأفغانستان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الدفاع المدني ليس أمراً غير مألوف في أوكرانيا، فقد كانت كتائب المتطوعين العمودَ الفقري لقوة البلاد في الشرق في عام 2014، عندما شهدت أوكرانيا المعارك الأولى ضد الانفصاليين الموالين لروسيا، وكان الجيش الأوكراني وقتها في حالة من الفوضى.

والآن بدأت المساعي لتنظيم هذه الجهود وإضفاء الطابع الرسمي عليها في وحدات من قوات الدفاع الإقليمية المكوَّنة حديثاً، وقد باتت جزءاً من الجيش. وفي العام الماضي، أقام الجيش الأوكراني تدريبات تُجرى نهاية الأسبوع للمتطوعين المدنيين في هذه الوحدات.
تستعين الحكومة الأوكرانية بقوات الدفاع الإقليمية لإدارة هذه الدورات التدريبية، وتدعم بعضها مالياً. وتتولى المجموعات شبه العسكرية الخاصة، مثل الفيلق الأوكراني، إقامة دورات تدريبية أخرى، يدفع الأعضاء فيها جميع التكاليف. وقد أجرى الفيلق إحدى دوراته التدريبية في الغابة الواقعة خارج كييف هذا الشهر.
يقول الأوكرانيون إن الهدف ليس أن تصبح القوة الأوكرانية ندّاً لثقل الجيش الروسي أو التغلب عليه، فهو أمر يكاد يستحيل فعلياً على أي حال، لكن الهدف هو إعداد قوةٍ قادرة على عرقلة الاحتلال ومقاومته حتى تصبح رادعاً عن غزو البلاد من البداية.

الأوكرانيون يتطوعون للدفاع ضد الغزو الروسي
وفي معرض التوضيح لهذه الاستراتيجية، يقول الجنرال أناتولي بارهيليفيتش، نائب قائد القوات البرية الأوكرانية، إن البلاد تسعى إلى أن تكون قادرة على حشد 100 ألف متطوع في حالة اندلاع النزاع مع روسيا. لكن متحدثاً باسم قوات الدفاع الأوكرانية قال إنه لا يمكنه الكشف عن عدد الأشخاص الذين جُنِّدوا رسمياً في برامج التدريب.
تشير استطلاعات الرأي في أوكرانيا إلى نوعٍ من الدعم العام لهذه الجهود. فقد أظهر استطلاع للرأي أُجري هذا الخريف أن 24% من الأوكرانيين يقولون إنهم سيقاومون “بأي أداة متاحة في أيديهم” إذا غزت روسيا البلاد، وقال 39% من الرجال المشاركين في الاستطلاع إنهم سيقاومون بالسلاح. وقد اعتاد الأوكرانيون نشر صور سيلفي على وسائل التواصل الاجتماعي وهم يحملون البنادق.
يقول القادة العسكريون الأوكرانيون إن البلاد بها نحو نصف مليون أوكراني يمتلكون الخبرة العسكرية، وإنهم يأملون في أن ينضم غالبية هؤلاء للقتال، ومنهم أولئك الذين ينتمون إلى مجموعات خاصة مثل الفيلق الأوكراني.
لكن المتشككين يقولون إن هذه التصريحات ينطوي بعضها على نوع من الادعاء المزيف، لأن القيادة الأوكرانية يصعب عليها أن تعتمد على طوفان من المحاربين القدامى الذين قد ينقلبون عليها ويصبحون متمردين في أي وقت.
في غابة التدريب، التي اكتنف ساعات الصباح فيها ضباب بارد قارس، توافد معلمو المدارس والمحاسبون والنادلات والمُبرمجون من عرباتهم الخاصة المدنية وشقوا طريقهم إلى مواقع الدورات التدريبية العسكرية.
في أحد المواقع، وقف المدرِّب ميخايلو هيرالدو راميرس يشرح كيفية ربط فتيل بلوحٍ شديد الانفجار متصلٍ بلغم مضاد للدبابات، وشدَّد على أهمية التدريب بالقول: “ليس لدينا الكثير من (الجافلن)، لكن الروس لديهم الكثير من الدبابات”، والجافلن Javelin هو نوع من الصواريخ الأمريكية المضادة للدروع قدَّمت الولايات المتحدة عدداً محدوداً منها للجيش الأوكراني.

وبين الحضور، كان إيهور جريبينوشكو، البالغ من العمر 56 عاماً ويعمل مدير قسم الإعلانات في شركة أدوية، يستمع باهتمام ويدوِّن الملاحظات، وقال: “كلما زاد عدد توابيت القتلى التي نعيدها، كان ذلك أدعى بأن يفكر الشعب الروسي مرتين” قبل أن يقدم على احتلال البلاد.
لا يوزع الفيلق الأوكراني أسلحة، بل يشجِّع الأعضاء على التدرب بأسلحتهم. كما أنه لا يوضح كيف ستصل المتفجرات إلى أيدي المدنيين، لكن الأعضاء قالوا إن كلاً منهم يحتفظ بحقيبة ظهر في منزله مليئة بأجهزة اتصال لاسلكية وأدوات طبية وأكياس نوم وملابس، وهذه الحقائب جاهزة للاستخدام في أي لحظة.
مع ذلك، يلفت المنتقدون إلى المخاطر التي تنطوي عليها خطة الدفاع المدني. وأحد أبرز هذه المخاوف هو أن تؤدي الانقسامات السياسية الداخلية إلى اندلاع أعمال عنف بين الميليشيات المسلحة. وتشير بعض السيناريوهات إلى أن موسكو قد تستغل نقطة الضعف هذه، وتحوِّل الميليشيات الوطنية إلى تهديد مُزعزع لاستقرار الحكومة الأوكرانية.
كما أشارت دراسة أعدَّها معهد دراسة الحرب الأمريكي في واشنطن حول سيناريوهات الحرب بين أوكرانيا وروسيا، إلى أن هذه المجموعات قد “تتحول سريعاً في حالة الغزو إلى تمرد لامركزي يندلع في أجزاء مختلفة من البلاد”.
كذلك أبدى آخرون قلقهم من أن هذه الجهود قد تشجِّع مزيداً من الناس على حيازة الأسلحة الخاصة، وهو أمر ينطوي على مخاطر أخرى تتعلق بارتكاب الجرائم عامةً والانتحار والعنف المنزلي، لا سيما أن بيانات وزارة الداخلية الأوكرانية تشير إلى أن 1.3 مليون أوكراني يمتلكون أسلحة نارية مرخصة، في بلد يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة.
ويشمل التدريب المدني محاضرات نظرية بالإضافة إلى جلسات للتدريب العملي. وفي وقت سابق من هذا الشهر، حضر نحو 100 شخص محاضرة مدتها ما يقرب من ساعتين أُقيمت برعاية قوات الدفاع الإقليمية حول الخطط المحتملة للهجوم على كييف- ومنها نشر القوات المدرعة على الطرق السريعة أو استيلاء جنود من قوات المظلات الروسية على المطار- وألقى المحاضرة الملازم يوري ماتفيينكو، الملحق العسكري الأوكراني السابق في إسرائيل.
تقول أنستازيا بلوشيتسكا، التي درست التربية للعمل معلمةً ولكنها تعمل الآن نادلة، إنها لو كانت في عطلة نهاية أسبوع طبيعية، لكانت تقرأ الآن كتاباً أو تغسل ملابسها أو تقابل صديقاً في المقهى، لكن الغزو الروسي المحتمل جعل تعلُّمها لتضميد الجروح تجربةً جديدة يتعين عليها خوضها