هل تخط قرية برقة طريق الانتفاضة القادمة في الضفة

27 ديسمبر 2021
هل تخط قرية برقة طريق الانتفاضة القادمة في الضفة

وطنا اليوم:ساعة، اثنتان، ثلاث، وكادت الرابعة أن تقترب عقاربها من الثانية عشرة معلنة انتصاف الليل، حين خرج الطبيب من غرفة العمليات بمشفى النجاح في نابلس شمال الضفة الغربية، مطمْئنا عائلة الفتى أوس شبيب عن وضعه بعد إصابته بالرصاص الحي في مواجهات مع جيش الاحتلال بقرية برقة.
وأوس شبيب (17 عاما) واحد من مئات الفلسطينيين الذين أصابهم جيش الاحتلال الإسرائيلي الليلة الفائتة برصاصه المتنوع، بين الحي والمعدني المغلف بالمطاط، والغاز المسيل للدموع، في مواجهات وصفت بأنها “الأعنف” التي تشهدها قرية برقة منذ أسبوع بشكل متواصل دفاعا عن أرضها ضد اعتداءات المستوطنين.كانت “الإصابة حرجة، واضطررنا لبتر أجزاء من أمعاء المصاب، لكننا تجاوزنا مرحلة الخطر الشديد”، هكذا قال الطبيب خالد دمياطي، فهتف الشبان من أصدقاء أوس وعائلته الذين حضروا إلى المشفى بالعشرات بعلو صوتهم “الحمد لله”، ثم ابتهلوا إلى الله بأن يتم شفاءه.
وفي الأثناء، وبينما الأطباء يبذلون قصارى جهدهم لإنقاذ أوس، كان المصابون الآخرون يصلون إلى مستشفى رفيديا الحكومي بنابلس والمشافي الأخرى تباعا، وآخرون يعالَجون ميدانيا، بعد أن أمعن الاحتلال وراح يطلق الرصاص الحي مستهدفا كل من يراه أو يقع في مرمى منظار الجندي القناص.
وبين مواجهات على الأرض وإصابات تتقاطر للمشافي، لم يكن حال عائلة المواطن مأمون دسوقي (أبو حسين) أقل سوءا، إذ قضت العائلة ليلتها جلوسا على الأرض، فلم تملك أن تخلد للنوم أو حتى أن تغادر البيت الذي أغرق الغاز المدمع غرفه وهزَّت جدرانه القديمة قنابل الصوت.
وعلى ذات الوجع، أفاق أبو حسين (60 عاما) تفقد ذويه، ولا سيما ابنه أمين الذي أصيب قبل أيام بكسر في رجله بفعل اعتداءات جيش الاحتلال، ولملم ما تساقط في منزله من مخلفات جيش الاحتلال من فوارغ الرصاص والقنابل التي تجاوزت المئة قنبلة.
ويقول أبو حسين واصفا ما حل بمنزله “حوّله جيش الاحتلال -بحكم موقعه بين شارعين- لدرع أو ثكنة عسكرية لصد راشقي الحجارة، وصرنا نحن في عين العاصفة”.
لنحو 10 أيام، تعود حكاية التوتر الشديد في قرية برقة بين جيش الاحتلال والمستوطنين من جهة والأهالي من جهة أخرى، وخاصة بعد مقتل مستوطن إسرائيلي وجرح اثنين آخرين بعملية نفذها فلسطينيون أمام مستوطنة حومش الجاثمة فوق أراضي برقة والقرى المجاورة.
وطوال هذه الأيام لم تهدأ المواجهة، واشتدت بعد أن دعا المستوطنون وحشدوا أعدادا بالآلاف ونظموا مسيرتهم بحماية من جيش الاحتلال الخميس الماضي نحو جبل حومش، فتصدى لهم الأهالي، ثم أرادوا معاودة الكرة السبت وحشدوا لتنظيم مسيرة ثانية، فلم يتأخر رد برقة وجاراتها وكثير من القرى والمدن الفلسطينية ولا سيما الشمالية منها.
وصدحت مكبرات مساجد برقة والقرى المجاورة “حي على الجهاد”، فانطلق الآلاف صوب الحي الغربي حيث تشتد المواجهات، ولبوا النداء قادمين من كل حدب وصوب، وهتفوا بأعلى صوتهم “على الأرض صامدين.. شوكة بحلق المحتلين”.
ثم تقدموا بأجسادهم العارية وأشعلوا الإطارات لإرباك جنود الاحتلال الذين اعتلوا أسطح المنازل -بينهم قناصة- في القرية، وانتشروا بالمئات عند مدخلها وعلى طول الشارع العام لتأمين وحماية مسيرة المستوطنين.
لم يبق “شبر في المكان إلا وقف عليه متظاهر”، هكذا يصف المشهد الناشط في الحراك المقاوم للاستيطان بالقرية ضرار أبو عمر، ويقول إن تظاهرهم ليس رد فعل على اعتداءات المستوطنين في حومش وكأنها حدث طارئ، بل يعتبرون أن عودتهم للمستوطنة تحت أي ظرف “خط أحمر”، وأن “طردهم من حومش وحماية الأهالي من اعتداءاتهم” أولى أولياتهم الآن.
وأقيمت حومش كمعسكر للجيش الإسرائيلي عام 1978، فوق جبل “الظهور والقبيبات” من أراضي برقة والقرى المجاورة، واحتلت أكثر من ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) من الأرض، ثم ما لبثت أن توسعت لتسطو على نحو 4 آلاف دونم.
وعام 2005 أخلتها الحكومة الإسرائيلية بقرار “أحادي الجانب”، ليباشر أصحاب الأرض عمارتها، لكنهم فوجئوا باستمرار اقتحام المستوطنين واعتدائهم عليها حتى اليوم، واستغلوا مقتل المستوطن الأخير ليثبتوا وجودهم عبر مدرسة دينية، وأطلقوا اسم “شوماش” عليها بدلا من حومش.
وطوال أكثر من 40 عاما لم يتوقف نضال البرقاويين ضد حومش وجيش الاحتلال، وقدمت القرية 6 شهداء طوال انتفاضة الأقصى ومئات الأسرى والجرحى، وواصلت نفَسها المقاوم السبت حين دحرت آلاف المستوطنين ومنعت مسيرتهم، حيث ألغى جيش الاحتلال مسيرة المستوطنين بعد تصاعد المواجهات واستبسال الأهالي بتحدي المستوطنين وصد عدوانهم.
وتداعت مع برقة كل القرى المحيطة بها وقرى أخرى بالضفة الغربية، فضلا عن شخصيات سياسية وقيادية وكواد المقاومة الشعبية، كما نقلت مناطق أخرى ساحة المواجهات إليها، وأطلق مقاومون النار على مواقع لجيش الاحتلال ومستوطناته، كما حدث في مستوطنة بسجوت قرب رام الله ومعسكر حوارة جنوب نابلس.
وعبر عالم الافتراضي، لم يقل الانتصار لبرقة والحشد لها، وتصدرت وسوم “أنقذوا برقة” و”برقة تقاوم” التداول الفلسطيني والعالمي.
ويقول محمد عازم رئيس بلدية سبسطية المجاورة لبرقة إن الهبة الجماهيرية التي انطلقت نصرة لبرقة شكلت “مفخرة” للمقاومة الشعبية وانتصارا على عصابات المستوطنين، ولا سيما أنها جسدت “الوحدة الوطنية” بأقوى تجلياتها.
ويشير عازم إلى أنهم نقلوا تصديهم للمستوطنين في برقة إلى مدخل بلدتهم سبسيطة، بعد أن حاول مستوطنون اقتحام منازل قريبة من المستوطنة وحرقها، “فاحتشدنا بالمئات حتى الثانية من فجر اليوم، ووقعت 26 إصابة”.
وعلى الأرض، يُؤكد ما جرى ببرقة -وفق عبد الله أبو رحمة أحد قادة المقاومة الشعبية بالضفة الغربية- أن الإرادة الشعبية بخير ولها أن تحقق نتائج، كما أنها خطت طريقا للقضاء على ظاهرة العصابات الاستيطانية التي ازدادت عنفا وصلفا ضد الفلسطينيين.
ويقول أبو رحمة إن برقة لقَّنت الاحتلال والمستوطنين درسا مفاده أن الفلسطيني الأعزل بوحدته وتعاضده يفشل مخططاتهم، مضيفا أن ما جرى حقيقة “مبشر بالخير” لانتفاضة شعبية ستؤدي لانفجار الشارع إذا استمرت حكومة الاحتلال بحماية المستوطنين ودعمهم.