الشهداء وحدهم يوقظون ضمائرنا

20 ديسمبر 2021
الشهداء وحدهم يوقظون ضمائرنا

 

حسين الرواشدة

لا يحتاج شهداء “قلعة” الكرك لمن يكرمهم، فقد كرمهم الله بالشهادة، وهم أحياء عند ربهم يرزقون، نحن من نحتاج لاستذكارهم، ليس فقط لأننا مدينون لمن قدموا أرواحهم من أجلنا، وإنما لأن ما فعلوه هو أبلغ رسالة يمكن أن نهديها لأبنائنا الذين أغرقهم اليأس من الواقع، وافتقدوا النماذج الوطنية الملهمة التي تعيد لهم الثقة بأنفسهم، والأمل ببلدهم أيضا.
لم يتحرك، للأسف، أحد من المسؤولين لتقديم واجب العزاء بالشهداء في الذكرى الخامسة لاستشهادهم، وحدهم زملاؤهم بالواجب استذكروهم، تقديم الواجب هنا يتجاوز الراحلين، رحمهم الله، للأحياء من أهلهم، والأردنيين الذين تقاسموا معهم الحزن والفقد، ومن المفارقات أن كثيرين ممن هم أقل قيمة من الشهداء يحظون بالحفاوة والاستقبال والوداع، فيما يبخل البعض على قبور هؤلاء الرجال بباقة ورد، أو على أهلهم بما يستحقونه من إكرام.
لدينا مئات الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم دفاعا عن فلسطين (يتجاوزعددهم 1228 شهيدا)، ولدينا عشرات الشهداء الذين ذادوا عن بلدنا “غربان” الإرهاب وقطعان الانفلات الأمني منذ أن تأسست الدولة، هؤلاء هم رصيدنا الاستراتيجي حين نتحدث عن قيم الدولة، وعن أمنها واستقرارها، وهم الأصدق والأنقى من كل الذين عبروا على معاناتنا، وما يزالون يجترون أمامنا بطولاتهم، ويحذروننا من الوضع القائم، وهم شركاء فيه.
من حقنا أن نسأل: من تذكر أن يكتب بالنيابة عن الشهداء مذكراتهم، أو روايات استشهادهم وقصصها البطولية، ويحولها الى أفلام أو مسلسلات تليق بهم، من تطوع في مؤسساتنا المعنية بالثقافة والتعليم والاعلام والتربية وغيرها، أن يجعل من سيره هؤلاء النبلاء نماذج ملهمة لأجيالنا، من تحرك ضميره ليتفقد أسرهم ويطمئن على أبنائهم وبناتهم وزوجاتهم؟
يا خسارة، لم نفعل ذلك إلا في مرات نادرة، واستعراضية أحيانا، وكأننا نتعمد هذا التجاهل، أو كأن الدماء العزيزة والتضحيات لا تجد في أسواقنا المزدحمة بـ”الفهلوة” السياسية ما تستحقه من تقدير واحتفاء.
تريدون أن يستعيد الوطن عافيته، ويستعيد الأردنيون ثقتهم بدولتهم ومؤسساتهم، وألا نسمع إذا قلنا: هذا بلدنا، من يرد علينا: لا ، هذا بلدهم، تريدون أن نبدد قلقنا من القائم، وعلى القادم الذي يتربص بنا؟
إذن أعيدوا الاعتبار لدماء الشهداء، دعوا المناهج تتحدث عنهم، واجعلوا منهم منارات يستهدي بها شبابنا، علقوا صورهم في الشوارع والأمكنة العامة، افسحوا لهم مجالا للتكريم بكل مناسبة، لا تملوا من تكرار أن هذا البلد، بلد الشهداء الطيبين، ولا تمنعوا أرواحهم من التحليق في فضاءاتنا العامة، لتذكرنا على الدوام أننا أحياء، وقادرون على الصمود ورد العاديات، ما دام فينا شهداء، ولدينا مشاريع شهداء أيضا.
هذه ليست مرافعة وجدانية تتوسل المشاعر، بل محاولة لاستدراك أخطاء وقعت، وقيم عزيزة افتقدت، ومداميك وطنية كان يمكن ان يستند لها بلدنا، خاصة في هذه المرحلة التي “تصنمت” فيها السياسة أو، ربما، افتقدت للصواب، ولم نعد نميز فيها بين الأعداء والأشقاء.
الشهداء وحدهم القادرون على تعديل بوصلتنا، وايقاظ ضمائرنا، وتحريك الدماء الوطنية الصادقة في عروقنا، وتبديد الغبار الكثيف الذي تراكم أمام عيوننا، وأفقدنا الرؤية.
كرمي لدماء شهداء “القلعة” الذين واجهوا رصاص الغدر بصدورهم ووجوههم، ولدماء شهداء فلسطين والسلط والبقعة واربد والركبان، ولكل شهيد أردني خضب ثرى هذا الوطن العزيز، عزاؤنا بهم أنهم خيرتنا، وأفضل من أن أنجبنا، وعزاؤنا لأهلهم، وللبلد الذي استحق أن يفدوه بأرواحهم، وأن نفديه أيضا، كما نستحق أن نعيش فيه بكرامة.