بقلم: مروان العمد
كنت قد نشرت خاطرة صغيرة في لحظة اطلاعي على نبأ اصابة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بوباء كوفيد 19 المتطور اثرت فيها شكوكا حول صحة اصابته بهذا الفيروس وان هذا قد يكون لغايات انتخابية فقط .
وبعد الاحداث التي مرت خلال الايام الاربعة التي تلت ذلك الاعلان والتي قضاها في مستشفى والتر ريد العسكري الوطني وما صدر خلال هذه الفترة من تصريحات وما قام به من تصرفات اصبح الامر متأرجحاً ما بين انه لم يكن مصاباً من الاساس وبين انه فعلاً تعرض للاصابة وحاول ان يستغل هذه الاصابة لغايات انتخابية . وانا سوف استعرض اليوم بعض الاحداث التي حصلت في تلك الليلة التي دخل فيها ترامب المستشفى والايام الاربعة التالية لذلك
وبداية نلاحظ التناقض في وصف حالته الصحية داخل دائرته المقربة في البيت الابيض ما بين التهويل بخطورة اصابته وما بين التهوين منها . وحتى داخل الجهاز الطبي وبالرغم من صدور تقرير رسمي يعلن اصابته بالفيروس الا ان تصريحات الفريق الطبي هي الأخرى كانت متناقضة ما بين تصوير حالته بأنها في منتهى الخطورة وما بين القول انه بحاجة لدخول المستشفى لعدة ايام من اجل المراقبة فقط وانه في حالة جيدة ولا خطورة عليه . ولا ادري اسباب هذا التناقض وفيما اذا كان مقصوداً وان التناقض هو عبارة عن توزيع ادوارو . ولكن هل يجرؤ مسؤولين حكومين امريكيين واطباء مختصين على القيام بدور في مثل هذه المسرحية التي هدفها المبالغة باصابته مع اعطاء مجال لتبرير سرعة شفائه التي سيتم الاعلان عنها في وقت قريب ؟ .
لقد شاهدنا مروحية الرئيس وهي تهبط في ساحة قرب المستشفى ويخرج منها بعض الاشخاص وهم يضعون الكمامات ثم هبط منها ترامب ( وهو يضع كمامة في مرة من المرات النادرة التي شوهد وهو يضعها ) . ثم سار بضع خطوات وركب سيارة سوداء فيها ايضاً بعض المرافقين في مخالفة لكل البروتوكولات الصحية التي يستوجب اتباعها في مثل هذه الحالات . ثم اتجهت السيارة الى المستشفى .
وبعد دخوله المستشفى استمرت التصريحات المتناقضة عن حالته الصحية ما بين الخطرة والبسيطة وتعمد هو ان يتم تصويره وهو جالس على مكتبه في المستشفى . وأثناء وجوده فيها تم حقنه بنوعين من العقاقير احدهما لم يجرب من قبل ، وللصدفة فأن مالكي الشركتين اللتين انتجتا العقارين هما من اصدقائه المقربين . وفِي يوم الاحد ثالث ايام دخوله المستشفى اثار ترامب غضب الفريق الطبي عندما خرج من المستشفي واستقل سيارة مصفحة بها بعض المرافقين من افراد حمايته معرضاً حياتهم للخطر ، وذهب ليلقي التحية على مناصرين له كانوا متجمعين باعداداً كبيرة( بطريق الصدفة ) في مكان قريب من المستشفى ثم عاد اليها وصرح انه سوف يغادرها في اليوم التالي .
كما انه واصل استخفافه بالمرض بعد ساعات من اعلان رئيس فريقه الطبي شون كونلي بأن الرئيس لا يزال في دائرة الخطر ، وقام بالخروج من المستشفى بطريقة درامية وكأنه يخرج في برنامج لتلفزيون الواقع الذي كان هو احد اشهر نجومه قبل انتخابه رئيساً للولايلات المتحدة الامريكية وحيث وقت خروجه مع وقت برامج الاخبار المسائية التي يشاهدها الملايين من الامريكيين ، ويقال انه قبل خروجه ( تناول جرعة من منشطات الستيرويد ) التي تعطي شعوراً مؤقتاً بأنه استعاد قوته ، ورغم ذلك كانت علامات الاعياء والتعب بادية عليه وهو يمشي .
وكان وقبل مغادرته المستشفي قد صرح قائلا لا تخافوا من كوفيد ، لا تدعوه يسيطر عليكم لفد طورنا تحت ( ادارة ترامب ) بعض الادوية والمعرفة العظيمة . حقاً اشعر بتحسن اكثر مما كنت عليه قبل عشرين عاماً .
ثم غادر ترامب المستشفى في سيارة اوصلته الى مكان طائرة الهيلوكبتر وكان يضع الكمامة على فمه . وعند وصول الطائرة البيت الابيض دخل اليه بطريقة مسرحية ايضا حيث صعد الدرج المؤدي الى الشرفة المطلة على مكان هبوط مروحيته ليحيى الصحفيين وبعض موظفي البيت الابيض ( بعد ان نزاع الكمامة ووضعها في جيبه ) قائلا اشعر بحالة جيدة ثم ادى التحية العسكرية لطاقم الطائرة ووقف ليحيى الحضور وليسمح للمصورين بالتقاط الصور له . وبعدها دخل البيت الابيض حيث استقبله مساعدوه (دون ان يعيد وضع الكمامة على انفه ) في مشهد كان مصمماً لخلق الانطباع بأن الرئيس لا يزال قوياً ويستعيد صحته بسرعة ولما يتمتع به من صفات قيادية بالرغم من ان تصرفاته هذه اثارت استياء الاطباء واخصائي الاوبئة لان ذلك عكس استمرار استخفافه بالفيروس وخطورته وعدم اكتراثه بإحتمال نقل العدوى الى موظفي البيت الابيض وافراد الشرطة السرية وخاصة في ظل ازدياد اعداد المصابين به من بين كبار العاملين في البيت الابيض وعدداً من موظفيه وافراد حمايته ، بالاضافة الى ثلاثة من اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين وشخصيات جمهورية أخرى كانوا يشاركون في حفل ترشيح القاضية كوني باريت التي عينها ترامب قبل الانتخابات عضواً في المحكمة العليا الامريكية بديلاً للقاضية المتوفاة روث بادر والتي تمتد عضويتها مدى الحياة ولكي يضمن سيطرة الجمهوريين على المحكمة ( باغلبية ستة اعضاء مقابل ثلاثة للديمقراطين ) .
وكان ترامب قد كرر عدة مرات اثناء وجوده في المستشفى بانه يريد العودة الى البيت الابيض (لاستئناف نشاطاته الانتخابية ) باسرع وقت ممكن بالرغم من معارضة رئيس فريقه الطبي الذي كان يفضل بقائه لبعض الوقت الاضافي فيها ، والذي قال بعد خروج ترامب بأنه يجب أن يبقى خاضعاً للرقابة والعناية الطبية الشاملة من قبل فريق طبي في البيت الابيض لبعض الوقت (وانه قد لا يكون قدتعافى تماماً من كوفيد 19 ) .
وكان ترامب قد دعى مواطنيه للخروج ولكن مع توخي الحذر ، وقال فور وصوله البيت الابيض لا تخافوا من المرض وسوف تهزمونه ولا تدعوه يسيطر على حياتكم مشيراً الى انه( ربما اكتسب مناعة ضد الفيروس ) واعلن انه ( سوف يستأنف جزئياً حملته الانتخابية ) .
وقد اصدر ترامب خمسة عشر تغريدة خلال نصف ساعة بعد خروجه من المستشفى تم حذفها فور صدورها . كم تم حذف منشوراً له على الفيسبوك زعم فيه ان الانفلونزا العادية اشد وطئة من وباء كوفيد .
وبعد هذا الاستعراض للاحداث ماذا نستنتج منها ؟ هل كانت هي مسرحية من بدايتها لنهايتها مع خطورة ان يقوم شخص ما في مستقبل قريباً أو بعيد بكشف اسرار هذه المسرحية ؟ . هل فعلاً اصيب بالفيروس وكانت اصابته خفيفة وانما تم ترتيب انتقاله الى المستشفي ( لكي يتم حقنه بالعقاقير التي تم حقنه بها وليعلن شفائه التام بعد حقنه بهما وليقدمهما للشعب الامريكي كعلاج لهذا الوباء بديلا للقاح الذي وعد الشعب الامريكي بطرحه ) قبل الانتخابات الامريكية ولم يتمكن من ذلك لرفض الجهات المعنية بهذا اللقاح لطرحه بهذه السرعة وللمزيد من الاختبارات عليه او لكي لا يكون سلاحاً يستخدم في الانتخابات ؟
هل يقصد الترويج لهذه العقارات على اعتبار انها تحقق النجاح في علاج مرضى هذا الوباء خلال يومين او ثلاثة على الاكثر مما سوف يحقق ارباحاً هائلة لمن ينتجهما وهما من اصدقائه المقربين ؟
وهل كان فعلاً مصاباً بهذا الوباء وخرج من المستشفى قبل شفائه مخالفاً تعليمات ورغبات فريقه الطبي ليقدم للشعب الامريكي (دليلاً يدعم وجهة نظره بعدم خطورة هذا الوباء والذي تعامل معه ومنذ البداية بأستخفاف شديد ) مما افقده الكثير من النقاط في مواجهة منافسه الديمقراطي ولكي يسترد هذه النقاط عن طريق محاولته اثبات ان هذا الوباء ليس خطيراً وانه اوجد العلاج الشافي له ؟
هل كان يهدف من ذلك التهرب من المناظرة الثانية مع منافسه لكي لا يخسر نقاطاً اخرى مع ان منافسه جو بايدن هو الذي اعلن عن عدم استعداده المشاركة فيها طالما لم يثبت شفاء ترامب بشكل قطعي من الوباء مما طرح فكرة عقدها عبر الانترنت الامر الذي سارع ترامب لرفضه بشكل مطلق ، ام ان ذلك كله يرجع الى (شخطيته المشاكسة وتصرفاته الغير متوقعة ) ؟ .
ومن خلال كلمة القاها ترامب بعد خروجه من المستشفى سوف اترك لكم حرية استنتاج ما تعتقدون انه كان يقصده من وراء كل ما حدث حيث قال : –
اعتقد انكم تعرفوني انا ( رئيسكم المفضل ) اقف امام المكتب البيضاوي في البيت الابيض وقد كنت قبل يوم في مركز والتر ريد وقد امضيت هناك اربعة ايام ، رغم انني كنت افضل البقاء في البيت الابيض ولكن الاطباء طلبوا مني ان اذهب للمستشفي وقد فعلت ذلك ( لانني الرئيس ) . لم اكن في حالة جيدة ، شعرت انني بحالة افضل خلال فترة قصيرة حيث اعطوني ريجينيرون وادوية أخرى ، ولكن اعتقد انه كان العلاج الرئيسي وشعرت بالتحسن على الفور بعد ثلاثة ايام . انا اريد ان اقول اننا طورنا هذا الدواء ولدينا دواء مشابه جداً له من شركة إيلاي ليلي وسيتم طرحهما ، نحاول اصدارهما بشكل طارئ ، ولقد اجزت ذلك .
ان كنتم في المستشفى وشعرتم بالتعب سنعمل على ان تحصلوا على الدواء مجاناً خاصة كبار السن سيحصلون عليه بسرعة . لدينا مئات الآلاف من الجرعات جاهزة تقريباً ( لدي تصريح بالاستخدام الطارئ لإجازة الدواء وسنقوم بتوقيعه الآن ) . وستشعرون بالتحسن بسرعة كبيرة لدى تناوله ، وهذا تطور لم نكن نتوقعه بهذه السرعة . ان المهمة التي قام بها العلماء والمعامل لا تصدق . اضافة ان لدينا العديد من الادوية الاخرى التي تساعد كثيراً ويقولون عنها انها ادوية علاجية ولكن بالنسبة لي لم تكن علاجية لقد جعلتني اشعر بتحسن كبير ، انا اسميها ( شفاء ) لذلك اريد الانتهاء من إجراءات الموافقة عليه وارساله الى المستشفيات حيث يشعر الناس بالاعياء . (انه اهم بكثير بالنسبة لي من اللقاح ). لكن في مجال اللقاحات لدينا العديد من الشركات التي باتت في المراحل النهائية من التوصل الى اللقاح وهي جونسون اند جونسون وموديرنا وفايزر وهي شركات عظمى وسنحصل على لقاح فعال قريباً جداً . ( واعتقد انه كان يجب ان يحصل ذلك قبل الانتخابات لكن بصراحة اعتقد ان الامر تم تسيسه لكن لا بأس بذلك . يريدون تأجيل إصدار العلاجات لما بعد الانتخابات مباشرة ، لكننا تمكنا من القيام بذلك ولم يتمكن اي شخص آخر من فعله ) .
لقد تعاملت إدارة الدواء والغذاء بشكل سريع وبشكل لم تقم به من قبل في التاريخ ( ولم يدفعهم اي رئيس للعمل بالطريقة التي فعلتها ) . الدواء والغذاء الآن تقوم بالموافقة على الامور في غضون اسابيع بينما كان ذلك الامر يستغرق سنوات . لدينا هذه الادوية إيلاي ليلي والادوية الاخرى الجيدة جداً ولكنهم يقولون ( وتذكروا ذلك انها ادوية علاجية فقط ) واعتقد انها كذلك ، ولكن بعض الناس لا يعلنون تعريف معنى علاج ، ورؤيتي مختلفة ، اعتقد انه شفاء . بالنسبة لي لم اشعر انني بحالة جيدة ولكن ( بعد اربعة وعشرين ساعة شعرت بتحسن كبير ووددت الخروج من المستشفي ) وهذا ما اريده للجميع . (اريد ان يلقى الجميع نفس العلاج الذي تلقيته كرئيس لانني اشعر بتحسن كبير )، لذلك اعتقد (ان هذه كانت نعمة من الله انني مرضت )، انها نعمة مقنعة . اعتقد انه لو لم اصب بالمرض كنا سننظر اليه كأي عقار آخر لكن مفعوله كان رائعاً .
اريدكم ان تحصلوا على ماحصلت عليه وساجعله مجاناً ولم يكن خطأكم انتشار الوباء ، ( لقد كان خطاء الصين وستدفع الصين ثمناً باهظاً لما اقترفته بحق هذا البلد والعالم ، لقد كان خطاء الصين تذكروا ذلك ) .
سوف نوفر لكم الدواء وسيكون مجاناً ، سنرسله الى المستشفيات في اسرع وقت ممكن ، وقد قامت شركات الادوية بأنتاج كميات كبيرة ، لذا آمل ان هذا لن يكون مجرد علاج بل سيكون اكثر من ذلك بكثير . سوف تتحسنون بسرعة كما حصل معي . ومرة اخرى هذه نعمة مقنعة ، وحظاً سعيداً .
هذا هو النص الكامل لكلمة ترامب بعد خروجه من المستشفى بيوم واحد ، ولكم ان تستخلصوا منها ما تريدون . ولكن هل بقي المزيد في جعبته مما يمكن ان يقوله او يعمله قبل الانتخابات ليغير موازين القوى لصالحه ام سوف يلجأ الى الخيار الاخير الذي يضمن بقائه في السلطة الا ( وهو الحرب مع الصين من خلال اعلانه حالة الطوارئ القصوى ) كما المح في خطابه ؟
اثر الاعلان عن اصابته بالفيروس اصبح جو بايدن يتقدم عليه باربعة عشر نقطة . برأيكم وبعد قصة مرضه وخطابه هذا كم اصبح هذا الفارق ؟ وهل تغيرت هذه النسبة لصالحه ام لصالح منافسه الديمقراطي ؟ تلك الاحجية سوف اعطيكم جوابي عنها عندما اكتب عن الانتخابات الامريكية الوقائع والتوقعات