المثالية صناعة مجتمع

3 نوفمبر 2021
المثالية صناعة مجتمع

نيفين عبدالهادي

في الحديث عن المثاليات ألف معنى ومعنى، وهناك الآلاف ممن يتحدثون عنها، باحثين عن شكل مثالي لكل قطاع ولكل قضية، وبذلك بطبيعة الحال حق بشري يبحث عنه الإنسان دوما ليشعر أنه يعيش برضا عن كل ما حوله، حتى ولو كان هو نفسه بعيدا في ممارساته عن هذه المثالية التي ينادي ويطالب بها.
نقف أمام عشرات الحالات التي شغلتنا خلال الأيام الماضية، صحيا وتعليميا وسياسيا، باحثين عن شكل مثالي يخرجنا من الجدليات بشأنها، فهناك من يطلب انهاء كورونا بشكل كامل، فيما نرى الآلاف يعيشون حياتهم دون أدنى التزام باجراءات السلامة العامة، والوقاية، وغيرها من الجوانب التي يمكن حسمها لجهة المثالية ولو كانت بأدنى مستوياتها في حال التزم كلّ منّا بدوره وبواجباته، ومارس ذلك بقناعة أنه شريك في صناعة الحالة المثالية والنموذجية لأي قطاع أو قضية.
نريد شنّ حرب على الفساد، لكننا في الوقت ذاته نرفض فكرة وجود فاسدين، وكأنّ الفساد نبتة بور تنبت بمفردها دون أياد تؤدي لوجودها، ونريد مدارس وجامعات خالية من كورونا وبعض المؤسسات التعليمية لا تتقيد بأدنى شروط السلامة العامة، نريد ديمقراطية، وما يزال بيننا من لا يمارسها وفق النهج السليم ويحسب أن في كثرة الكلام عن السلبيات أو الحديث عن تفاصيل غير واقعية أو اغتيال الشخصيات أو النقد لمجرد النقد، يحسب أن في كل ذلك ممارسة سليمة للديمقراطية ويرفض مواجهته بعكس ذلك، للأسف الوصول للحال الذي نحلم به في أذهاننا يحتاج منا جميعا بكافة مواقعنا أن نشارك في صناعته لا أن نبقى في دائرة المطالب فنيلها لن يكون بالتمني ما لم نكن جزءا من صناعتها .
الانتهاء من كورونا والقضاء على الفساد، وحماية أبنائنا طلبة الجامعات والمدارس من فيروس كورونا، وتحقيق الإصلاح السياسي والديمقراطية، كل هذا وغيره لن يكون صنيع الصدفة، أو هديّة المصادفة، فهذه تفاصيل تتطلب من الجميع المساهمة بها فالتفاصيل العبثية لا تقودنا لما نرنو له جميعا، من تجاوزلأي سلبيات أو تحديات، دون ذلك سيبقى واقع الحال يدور في ذات الحلقة المفرغة نبدأ بها من حيث ننتهي.
الوصول للمثالية ليس صعبا، وانتهاء كابوس كورونا والإطمئنان على أبنائنا الطلبة أيضا ليس صعب المنال، وتجاوز الفساد بكل أشكاله أمر متاح، والاستماع للرأي والرأي الآخر بممارسات ديمقراطية نموذجية أيضا يمكن عيشه، على أن نكون جميعا أصحاب المبادرة في كلّ ما هو نموذجي ومثالي، وأن نبدأ جميعا من أنفسنا ونبتعد عن الإشارات على غيرنا في كلّ خطأ أو سلبيات، أو مشاكل، فالمثالية صناعة مجتمع وليس أفرادا، أو حتى جهات رسمية كانت أو غير رسمية.
حاجتنا لتجاوز أي تحديات أو سلبيات حق مشروع، لكن الأمر يتطلب تشخيصا عمليا، واعترافا بقصورنا في تفاصيل معينة، وجعل مسؤولية الإصلاح ومواجهة التحديات والوصول لمثالية نأملها جميعا ملقاة على عاتقنا جميعا، وليبتعد البعض عن مساحات الحديث والنقد السلبي، لأن الكلام يبقي الأداء هشا ولا يقود لأي انجاز أو تطوّر أو علاج لأي مشاكل، وستبقى المثالية بعيدة المنال.