وحدهم العرب.. من ينطلي عليهم “وهْم المذهبية”

1 نوفمبر 2021
وحدهم العرب.. من ينطلي عليهم “وهْم المذهبية”

سمير حباشنة

أخطر ما يواجه العرب في هذه الحقبة من الزمن ، المسئوول عن سوء أوضاعهم، ذلك  الأنقسام المذهبي المقيت .. مقيت ليس لأن لدينا مذاهب ، بل لأننا نصطف و نتنابذ و نتحارب على أساس مذهبي . مع أن المذاهب و أن تم التعامل معها، بصورة حضارية على قاعدة أحترام الآخر و أحترام قناعاته ، فأن المذاهب تتحول من حاله خلافية ، الى شكل من التنوع الحميد، سيؤدي بالضرورة الى الأبداع وتقدم المجتمع ،حيث تتحول المذهبية من أداة للكراهية الى عيش مشترك إيجابي.

******

و هذا ما إستكشفته الأمم الأوربية ، وما أتفقت عليه في معاهدة ” وست فاليا ” الشهيرة عام 1648 التاريخية ،التي وضعت حداً للأحتراب الدموي الطويل بين البروستانت والكاثوليك  … فتم فصل الطائفية عن السياسة ، و بالتالي تم إعلاء روح المواطنة، كمعيار وحيد يتم التعامل عبره مع كل الناس، دون التمييز بينهم على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي.

******

والحقيقة أن صراعاتنا المذهبية الراهنة كعرب ، هي وهْم لا ينطلي إلا علينا نحن ، فالأصطفافات الأقليمية إنما هي إصطفافات مصالح ، تُستخدم بها المذهبية كسلاح وكقوة ناعمه في وجه الآخر ، يتم توجيهه للأمم والشعوب التي يحاول كل طرف أن يجذبها الى معسكره.

وللتدقيق بما هو قائم في الإقليم حالياً  نرصد:

  • تركيا / دولة كبيره لا تتوقف عن السعي الحثيث الى تعظيم مكاسبها “مادية و معنوية” على حساب دول الإقليم و العربية بالذات، وتتلخص سياستها و سلوكياتها على قاعدة توسيع الأسواق  الخارجية امام منتجاتها، متلازمة مع شعور قومي توسعي طافح يسعى الى إعادة إحياء الخلافة العثمانية ” الطورانية ” ولو بأدوات وأشكال معاصرة ..

و أن واحداً من أهم أدواتها الناعمه، توظيف المذهبية، فتركيا تقدم نفسها بأنها زعيمة العالم السني .. والمنافح الصلب عن المذهب السني وعن منتسبيه ، الداعم الأكبر  “لفظياً” للقضية الفلسطينية والقدس..

لكن تركيا و بخط موازٍ  و متعارض تماماً مع موقفها المعلن هذا، فأنها تقيم أقوى علاقات أمنية و عسكرية و إستخباراتية مع إسرائيل ..!

بل و أن تركيا توظف خطابها “العقيدي” هذا لتبرير تدخلها في الشأن السوري،  و أحتلال أرض عربية في شمال سوريا، حيث تقوم بعملية تتريك ثقافي و تعليمي في المناطق التي أحتلتها، تحت ستار  التصدي للحكومة في دمشق، تحت يافطة حماية ” السنة “، مع أن ما يجري هو إحتلال بكل ما تعني الكلمه بل واحتلال استيطاني قومي يعبر عن رغبة تطلعات إستعمارية توسعية بائدة ، و ما وحدة المذهب إلا أحد وسائل تحقيق ذلك .

ومع الأسف فأن جمهوراً عربياً واسعاً يصدق الرواية تلك، و ينحاز الى خطاب تركيا ” اللفظي ” تجاه السنة و القدس ..!! يعزز ذلك  حالة الأحباط التي تسيطر على الروح العربية، في ظل غياب مشروع عربي جدير  بحماية مصالح اقطارنا وبالذات ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

******

أيران / وعلى جانب آخر من الصورة، فأن إيران تقدم نفسها كذلك كزعيمة و مدافعة عن المذهب الشيعي ، ذلك غطاء لتحقيق مصالحها الذاتية ، على حساب العرب وأرضهم وثرواتهم، و سعيها لأحياء القومية الفارسية، متلازمة بشعور عميق لتصحيح مسار تاريخي قديم، لم يكن في صالحهم، ويشكل غصة مزمنة في روح قوميتهم، التي تنظر للعرب كخصوم ، ونظرة دونية، تحملها أدبياتهم وتراثهم الشعبي.

وأن ذلك الرداء “الأيماني” ينكشف على حقيقته  عند أول  امتحان.  وعلى سبيل المثال فالخليج العربي لديهم هو “خليج فارسي” ولم تقبل إيران حلاً وسطاً لتسميته “بالخليج الإسلامي”، وايران بحقيقتها المجردة من أي رتوش، تحتل عربستان عام 1925 و تحتل الجزر الإماراتية الثلاث وتطالب بالبحرين، وتلك ثوابت توسعيه في السياسة الأيرانية لم تتغير في عهد الشاهنشاهيه و لا في عهد الجمهوريه الإسلامية. و أن تدخلها بالشأن العراقي بدافع السيطره يتم كذلك بأسم المذهب الشيعي.

ومع الأسف فأن جموعاً من العرب كذلك، تصدق ذلك و تنحاز الى إيران، بل و أن مثقفين عرب يرون بأيران المخلص للعرب و المنقذ لفلسطين .. !!

******

وبالطبع فأن القوة الأقليمية الثالثة هي، إسرائيل، والتي لا يحتاج القلم لأن يسطر سلوكها العنصري البغيض الممتد منذ إنشاءها حتى اليوم، ورغباتها المعلنة في السيطرة على المنطقة العربية سواء بالإحتلال المباشر أو غير المباشر ..

******

و على أي حال أن أكبر مثال صارخ على وهمْ المذهبية ، تلك الحرب التي جرت بين أذربيجان و أرمينيا مؤخراً. فأيران و على أساس وحدة المذهب ، فأن من المنطق أن تقف الى جانب أذربيجان فكلتاهما تنتمي الى المذهب الشيعي ، و مع ذلك فأن أيران تقف الى جانب أرمينا الأرذدوكسية ..!! و بالمقابل فأن تركيا السنية و إسرائيل ” اليهودية ” يقفن الى جانب أذربيجان رغم أختلاف المذاهب و الديانة !! .

*********

و بعد .. أن وهمْ المذهبية والطائفية والأنقسام الديني، ينطلي علينا نحن العرب فقط ، و على مفكرينا و مثقفينا و صانعي القرار في وطننا ، أن يعوا و أن يستيقظوا و يعتبروا من سلوك الآخر ، و أن  يصححوا المسار و أن يعيدوا لهذة الأمة وحدتها الفكرية و الثقافية و المعتقدية كخطوة لأن تعود أمة مهيوبة يحترمها الآخر ، و تحول الخلاف الى تنوع ، كنقطة البداية نحو السير في ركاب التقدم المنشود . و أن يقوموا ببناء علاقاتهم مع الآخر على أساس الأحترام المتبادل و مراعاة لكل طرف لمصالح الآخر ، فتركيا و إيران دولتان جارتان كبيرتان ، و لكن لايجوز أن ينطلي علينا خطابهما المذهبي الذي لا يخدم في النهاية الى مصالحمها القومية ..

“والله ومصلحة العرب من وراء القصد”