وطنا اليوم -. واجهت البشرية برمتها جائحة (كوفيد 19)، وكان لزاما أن تتظافر كل الطاقات الوطنية بل وجهود البشرية جمعاء لمكافحته ومحاصرته ومنع تفشيه وانتشاره، واقتضت طبيعة هذا الوباء من دول العالم اتخاذ جملة من الاجراءات والتدابير الاحترازية التي الزمتها ببروتوكولات صحية وأخرى وقائية أثقلت الكواهل، وحدّت من حرية الحركة، وأثرت على اقتصاديات الدول وانعكست سلبا على مستويات معيشة الناس.
كل هذا وجميع حكومات العالم تقريبا تتمسك بالثبات ورباطة الجأش ، فلم يدفعها هذا الوباء للخروج على مبادئ الديمقراطية أو المساس بالإنسان وحقوقه وحرياته ، أو الانقلاب على قواعد الحكم الرشيد وإدارة الظهر لدساتيرها وعقودها الاجتماعية مع مجتمعاتها ، ولم تذهب صوب القوانين الاستثنائية والتدابير العرفية التي تصادم حقوق الانسان وحرياته العامة والخاصة ، فبقيت حكومات العالم الحر على عهدها بالمحافظة على قيم ومبادئ الديموقراطية التي تُعلي من شأن الانسان وتحافظ على كرامته وتحوط حرياته بعين العناية والرعاية ، ضمن مستويات لم تمنعها من محاصرة الوباء والقضاء عليه تقريبا ، مما سمح لعجلة الحياة بالعودة للدوران بشكل طبيعي ، وأتاح المجال أمام جميع القطاعات والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية للانتظام واستمرار الحركة والتطور والنمو بشكل مضطرد .
ولكن حكومات الأردن والجهات المتنفذة فيه وجدت في مثل هذه الظروف الحالكة ضالتها واعتبرتها فرصة للذهاب بأقصى سرعة نحو التفرد بإدارة المرحلة غاضةً الطرف منذ اللحظة الأولى لوصول الوباء إلينا عن كل مشورة أو فرصة للاستفادة من طاقات ضخمة في مؤسسات المجتمع المدني بأشكالها وآثرت المسارعة – بشكل فريد عن دول العالم – نحو قوانين الدفاع والتدابير الاستثنائية لتوظف ما تتيحه من أوامر ورخص لخلق مناخ سياسي واجتماعي ضاغط ، ظاهرُة مكافحة الوباء وباطنه ردّة إلى الوراء ، واعتداء على هوامش الحرية الضيقة أصلا ، ونيلٌ من حقوق البشر والمواطنين وحرمانهم من حق الاجتماع والتجمع السلمي وحقوق التظاهر والتعبير وإبداء الراي ، بل إن الحكومات الأردنية بالغت في توظيف قانون الدفاع سيء الصيت رقم (13) لسنة 1992 م في فرض الإغلاق وحظر التجول في معظم الأوقات التي أعقبت انتشار هذا الوباء ، كما بدا واضحا في أكثر من محطة فشل أوامر الدفاع في أن تراعي ظروف العمال وصغار المستثمرين في كثير من القطاعات التي سحقت تحت أوامر الدفاع تلك أضعاف ما أثرت عليها ظروف الوباء ، الامر الذي أدى الى شلل الحياة الاقتصادية ومفاقمة الأوضاع المعيشية السيئة اصلا” لمعظم المواطنين وفقدان عشرات آلاف الشباب والشابات لأعمالهم ليصحبوا أرقاما جديدة مضافة إلى أرقام المتعطلين عن العمل المتصاعدة أساسا، في واحد من اسوأ تجليات تفعيل مثل هذه القوانين الاستثنائية ، والتي لا يجوز توظيفها إلا ضمن أضيق الظروف ، وأقصر الآماد الزمنية ، وبما لا يحيلها الى واقع حال ، وقوة أمر واقع ، ولقد كان في تفعيل بنود قانون الصحة العامة كل الغنى عن هذه الممارسة المريبة من قبل السلطة الحاكمة.
إن الجهات الموقعة على هذا البيان، وبعد مراجعتها لقانون الدفاع المذكور، وتقييمها للطرائق التي لجأت لها الحكومات والجهات المتنفذة في توظيفه والأهداف التي توختها من جراء الإصرار على العمل به فإنها توصلت إلى النتائج التالية:
أولا: لقد ثبت على وجه القطع ، المبالغة في توظيف هذا القانون ، واستثمار حالة الهلع المجتمعي خوفا من تفشي الوباء لإضفاء الشرعية على الخيار الذي لجأت له قوى الدولة العميقة بإيقاف التعليم الوجاهي والذي يرمي إلى أن تكون المدرسة والبناء المدرسي –فضلا عن البيت والأسرة – حاضنة من الحواضن الطبيعية للنشأ والطلبة بحيث تصقل بين جدرانها سلوكيات أبنائنا وبناتنا ، وتتهذب أخلاقياتهم، وتتوطد في نفوسهم قيم الولاء للوطن والانتماء له ، وإبدال هذا النمط من التعليم ، بنمط آخر هجين وهو التعليم عن بعد الذي ثبت فشل الحكومات في تطبيقه بحيث يحقق الرسالة التربوية والأهداف التعليمية على حد سواء ، كما أن نظام التعليم بالتناوب استمرار لفشل المرحلة السابقة ليس إلا ، ونرى أن الجائحة قد زادت من كشف حجم الإهمال والتقصير المتراكم في تطوير البنية الأساسية لقطاعي التعليم والصحة ولا شك في أن تطبيق قانون الدفاع وكل أوامره لن يحل هذا النوع من المشاكل كما لن ينجح في صرف الأنظار عن هذا الإهمال والتقصير.
ثانيا: لقد تسببت المبالغة والاستمرار في تطبيق قانون الدفاع المشؤوم وأوامره المتعددة والإيغال في فرض مزيد من المخالفات على المنشآت والأشخاص في جمود الحركة الاقتصادية في البلاد ، وشل قدرة المنشآت التجارية والصناعية والسياحية والزراعية بشكل كبير عن القيام بأنشطتها المعهودة وتطوير أدائها ، وهو الأمر الذي ألحق بها خسائر فادحه منعها من تغطية التزاماتها بالحدود الدنيا وأفضى في نهاية المطاف إلى ركود اقتصادي كبير وفقدان عشرات الآلاف من المواطنين والمقيمين لوظائفهم وأعمالهم مما عمق من مشاكل الفقر والبطالة ، ونلفت النظر لمدى خطورة تلك المشكلات التي يفاقمها استمرار تفعيل قانون الدفاع وذلك باعتبارها مشاكل اجتماعية وسياسية قبل أن تكون مشاكل اقتصادية ومعيشية.
ثالثا: إن القراءة المنهجية الدقيقة لنص المادة (124) من الدستور الأردني التي وضعت الأساس الدستوري لتشريع قانون الدفاع رقم (13) لسنة 1992 والذي ما زالت السلطة وحكوماتها والجهات المتنفذة تتمسك بتطبيقه على البلاد والعباد ، تقودنا للقول بوجود شبهة دستورية تحيط بالقانون المذكور ، حيث يُفهم من تحليل المادة 124 من الدستور الأردني عدم جواز إصدار قوانين الدفاع بشكل مسبق ، وإنما ينبغي أن يكون صدور قوانين الدفاع مقترنا بكل حالة طارئة أو قوة قاهرة تداهم البلاد ومتزامنا معها ، بحيث تكون نصوص القانون ونطاقاته الزمنية والمكانية منسجمة مع طبيعة الظرف الطارئ أو القوة القاهرة التي استدعت صدوره، وتاليا نص المادة (124) من الدستور:
(إذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع تعطى بموجبه الصلاحية إلى الشخص الذي يعينه القانون لاتخاذ التدابير والاجراءات الضرورية… الخ).
رابعا: إنه من الثابت قطعا أن السلطة بحكوماتها المتعاقبة وجهات النفوذ فيها قد حادت في تطبيقها لقانون الدفاع عن معايير العدالة والموضوعية والشفافية ، فتراها تسمح بعقد حفلات راقصة خليعه لمطربين من هنا وهناك ، بحيث يجتمع فيها عشرات الآلاف من البشر بغياب كلي للبروتوكولات الصحية وشروط التباعد ودونما رقابة حقيقية من قبل الأجهزة المعنية ، الأمر الذي يخشى معه من معاودة تفشي الوباء بوتيرة يصعب السيطرة عليها ، في حين تمنع بضع شباب من التجمع ورفع شعارات وطنية وإصلاحية مع يقينها الكامل بالتزامهم الكامل بشروط التباعد والبروتوكولات الصحية ولا تكتفي بذلك بل تقمعهم وتمنعهم جهارا نهارا من ممارسة حقوقهم الدستورية في التجمع السلمي والتعبير والتظاهر ، وتحيلهم إلى الحكام الاداريين والقضاء الذي يلجأ الى توقيفهم بشكل تعسفي وبإدانتهم بجرائم لم يرتكبوها، وهو مظهر خطير من مظاهر الكيل بمكاييل متعددة وازدواجية التعاطي مع المواطنين الذين يفترض فيهم أنهم جميعا متساوون أمام القانون.
خامسا : إن الجهات الموقعة على هذا البيان ، وإذ تقلقها وتستفزها تلك الأنباء الراشحة عن نيّة الحكومة رفع أسعار المحروقات والمشتقات النفطية مجددا وبشكل كبير يتجاوز قدرة الغالبية الساحقة من الناس المثقلين أصلا بتبعات الفقر وضنك العيش وارتفاع الأسعار والضرائب وتعاظم كلفة المعيشة وهو الأمر الذي سيقود حتما إلى ارتفاع أسعار جميع السلع ، ويهدد بانفجار مجتمعي وثورة جياع مما لا يمكن للدولة والمجتمع تحمل آثاره وربما يهوي بالبلاد نحو الفوضى والاقتتال الداخلي وإجهاض السلم الاهلي ، وهو ما نريد تجنيبه لبلدنا وشعبنا من خلال مطالبتنا اليوم بوقف تفعيل قانون الدفاع الذي فقد موجبات الاستمرار في تطبيقه ولم يكن لتطبيقه حاجة ابتداءً .
*إننا وفي هذا النطاق وبغية ايصال رسالة واضحة الى أصحاب القرار في الدولة مفادها رفض غالبية شرائح المجتمع لأي زيادة على أسعار السلع والمحروقات، ورفض الاستمرار في تطبيق قانون الدفاع لندعو جميع الفعاليات الشعبية والوطنية والحزبية وجميع المواطنين والمواطنات إلى التظاهر أمام المسجد الحسيني الكائن في وسط عمان يوم الجمعة 12/11/ 2021 بعد صلاة الجمعة.
30 – 10 – 2021
الموقعون:
– الحركة الشعبية للتغيير (تغيير)
– حزب جبهة العمل الإسلامي
– حزب المستقبل الأردني
– حزب الشراكة والإنقاذ
– حزب أردن أقوى
– الحراك الأردني الموحد