وطنا اليوم – في مثل هذا اليوم من عام ١٩٧٦، توفي سليمان النابلسي، رئيس الحكومة الحزبية المنتخبة الوحيدة في تاريخ الأردن، وأحد أبرز قادة الحركة الوطنية الأردنية.
ولد النابلسي في السلط بالعهد العثماني عام ١٩٠٨، إلى أسرة من كبار الملاكين، تمتعت بنفوذ سياسي واجتماعي كبير.
بدأ دراسته مثل أبناء جيله في الكُتَّاب، وبعدها انتقل إلى مدرسة النجاح في نابلس، ومن ثم إلى الكلية الإنجليزية في القدس، ليتخرج في النهاية بتفوق في الاقتصاد والعلوم السياسية من الجامعة الأمريكية ببيروت عام ١٩٣٢.
تأثر كثيراً بالأفكار القومية التي كان ينشرها معلموه في المرحلتين المدرسية والجامعية، وتنامت شخصيته واتسعت ثقافته خلال دراسته الجامعية، فاختير في نهاية عامه الأول، خطيباً باللغة العربية في حفل تخرج الطلاب الجدد، وألقى خطاباً أثار إعجاب أساتذته وزملائه.
كان وقد خاض غمار العمل السياسي لأول مرة في تلك الفترة، بترأسه لجمعية العروة الوثقى.
عاد النابلسي إلى إمارة شرق الأردن عام ١٩٣٢، ليعمل معلماً في الكرك والسلط عاماً واحداً، وبعدها شغل عدة مناصب غير وزارية في الحكومة حتى عام ١٩٤٢،
وعمل بعد ذلك مديراً في البنك العربي بطلب من عبدالحميد شومان، مما أثار غضب الملك عبدالله الأول، الذي كان معجباً بذكاء النابلسي، وكفاءته كموظف، وأحاديثه. ولكن النابلسي عاد لاحقاً كوزير للمالية عامي ١٩٤٧ و١٩٥٠. كان في تلك الفترة أيضاً من مؤسسي النادي الفيصلي الذي ترأسه لسنوات عديدة.
سُجن النابلسي وتعرض للنفي عدة مرات في حياته، كان أولها بضغط من الانتداب البريطاني عام ١٩٤٥، بسبب تجييشه ضد الحكومة، بعد قيامها بمنح شركة أجنبية – تردد وقتها أن بعض مالكيها من اليهود – ترخيصاً بالتنقيب عن البترول والمعادن، فتم نفيه إلى الشوبك.
قام مجموعة من الأردنيين بتأسيس الحزب الوطني الاشتراكي عام ١٩٥٤، حتى لا يستفرد الشيوعيون والبعثيون بالعمل الحزبي، حسب ما جاء في مذكرات أول أمين عام للحزب هزاع المجالي،
ولكن المجالي استقال بذات العام بسبب مشاركته كوزير في الحكومة، دون موافقة قيادة الحزب، التي قامت بدورها باختيار النابلسي خلفاً له، بعد عودة النابلسي من عمله كسفير للأردن في بريطانيا.
بعد طرد الملك حسين لغلوب باشا وقيامه بتعريب قيادة الجيش عام ١٩٥٦، جرت أول انتخابات نيابية حرة ونزيهة، وفاز الحزب الوطني الاشتراكي بأكثرية ١٢ مقعداً من أصل ٤٠، فقام الملك حسين بتكليف النابلسي بتشكيل حكومة،
بصفته رئيس حزب الأكثرية، رغم عدم تمكن النابلسي من الفوز بمقعد نيابي في عمّان، الذي خسره بمواجهة مرشح جماعة الإخوان المسلمين.
جاء في البيان الوزاري لحكومة النابلسي، التي تشكلت بتحالف الاشتراكيين والبعثيين والشيوعيين ومستقلين، بأنها حكومة قومية، ذو سياسة داخلية تريد ارساء قواعد الديمقراطية، وضمان سيادة القانون، واطلاق حريات المواطنين، من أجل “تحقيق الأهداف القومية الكبرى”.
قرر رئيس الوزراء النابلسي إقامة علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي في أول أشهر من عمر حكومته، وقاد مفاوضات تعديل المعاهدة البريطانية-الأردنية، التي نجح في إلغاءها بشكل كامل.
لم تصمد هذه الحكومة ستة أشهر، فتم إقالتها وفرض الأحكام العرفية وحل جميع الأحزاب في نيسان من عام ١٩٥٧، مما تسبب بنشوب مظاهرات عارمة في الضفتين. كان من أحد الأسباب التي أدت إلى الإقالة هو قيام الحكومة بطلب إقالة عدد من كبار المسؤولين.
بعض القرارات وصفها النابلسي لاحقاً بالمتسرعة، جاءت بدفع بعض من وزراءه المتهورين. فُرض لاحقاً على النابلسي الإقامة الجبرية حتى عام ١٩٦١، ولكنه بعدها بعامين، أصبح عضواً في مجلس الأعيان حتى عام ١٩٧١.
.
كان النابلسي مولعاً بالمطالعة، الأمر الذي ازداد أثناء فترات سجنه، وكان أيضاً يحب الزراعة. توفي عام ١٩٧٦ عن عمر ناهز ٦٨ عاماً، بعد حياة طويلة أفناها يكافح في العمل السياسي، ليستحق لقبه الشعبي بجدارة؛ الزعيم الوطني.
ملاحظات:
حكومة سليمان النابلسي حصلت على ثقة ٣٩ من أصل ٤٠ عضواً في مجلس النواب، النائب الوحيد الذي لم يمنح الثقة هو أحمد الدعور ممثل حزب التحرير الإسلامي الذي تم حظره لاحقاً. الإخوان المسلمين من خلال ممثلينهم الأربع أعطوا حكومته الثقة ولكنهم لاحقاً وقفوا ضدها عند إقالتها.
لم نذكر تفاصيل عن أحداث معسكر الزرقاء وما تبعها من أحداث، لجدليتها ولتركيز هذا المنشور على شخصيته وتاريخه السياسي.