وطنا اليوم:تتسارع خطوات الانفتاح بين الأردن وسوريا على أكثر من مستوى، في مقدمة على ما يبدو لرؤية سياسية واقتصادية تسير عليها عمّان، بالتعاون مع عدد من الدول الإقليمية لحل الأزمة السورية.
ويمكن وصف هذة الرؤية بـ”سياسة خطوة خطوة”، بحيث تُتخذ هذه الدول مجموعة من الإجراءات المنفتحة تجاه سوريا، على أن تقوم السلطات السورية بخطوات مقابلة، وهكذا إلى أن تتحلحل المسألة.
وشهدت العلاقات السورية الأردنية في الأسابيع الأخيرة تقدما ملحوظا على المستويين السياسي والاقتصادي، توج ذلك بمكالمة هاتفية مطلع أكتوبر الجاري، بين الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله الثاني، وهي الأولى منذ عام 2011.
الرؤية الأردنية، حسب المصادر، تبلورت خلال الشهور الأخيرة، وتم طرحها بشكل غير رسمي من طرف الملك عبد الله الثاني على عدد من الدول المعنية بالملف السوري، خصوصا الولايات المُتحدة، خلال مشاركته مؤخرا في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك.
الطرح الذي تقدم به الأردن يقوم أساسا على خلق فهم إقليمي ودولي مشترك، يعتبر أن التوجه السياسي نحو “تغيير الحكومة السورية” لم يُفرز أية نتائج ميدانية واضحة على أرض الواقع، بل زاد من مستويات التدهور في كل الملفات السورية، سواء السياسية أو الاقتصادية، بما في ذلك زيادة أعداد المُهجرين والنازحين السوريين، الذين تحولوا إلى أزمة إقليمية ودولية.
ولأجل ذلك، فإن مسارا آخر مختلف في المنهج والهدف، يمكن أن يخلق نتائج أخرى، خاصة الانخراط الإيجابي مع الحكومة السورية، ودفعها لاتخاذ خطوات مقابلة، وتاليا تهيئة الأجواء لإنهاء الحرب المندلعة منذ سنوات.
الرؤية الأردنية التي كشفتها الكثير من المصادر السياسية ووسائل الإعلام بشكل مُتطابق، ولم يتم نفيها من الجانب الأردني، مما يرجح صحتها.
وتقوم الرؤية الأردنية على إنشاء 5 مسارات للانخراط المتبادل مع الملف السوري: واحد قائم على تنشيط المساعدات الدولية الممنوحة للشعب السوري، ولاسيما عبر زيادة المنافذ الحدودية التي تتدفق منها تلك المساعدات.
وآخر يدفع نحو زيادة وتيرة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وتحديدا عبر قبول دمشق بمجموعة من الخطوات التي تُسهل تلك العودة الطواعية، مثل اللاجئين الذين يعيشون في مخيم الرُكبان بالأردن.
أما ثالث المسارات المعروضة من قِبل الأردن هو خلق مصالحة ثنائية بين السلطة والمعارضة ، لتهيئة الأجواء للحل السياسي في البلاد.
وينص التوجه الرابع على دعم التحقيق والمسائلة في قضايا التعذيب والتغييب وبقية الجرائم المُرتكبة في سوريا، ومن قِبل جميع الأطراف، بحيث يتم التوصل إلى الخطوة النهائية أي التوجه الخامس في المسألة السورية، وهو الحل السياسي حسب قرار مجلس الأمن رقم 2254.
الباحث والناشط باسل الجندي شرح دوافع هذا المسعى الأردني وإمكانية تحققه في الأفق المنظور.
وقال: “الأردن يشعر بمزيد من الضغوط جراء تمدد إيران المتزايد في سوريا والعراق ولبنان، ويعتبر أن الجفاء العربي في الانخراط في الملفات والصراعات ضمن هذه البلدان هو ما سمح بمزيد الاستفراد الإيراني وقدرته على الهيمنة على المسارات السياسية في هذه البلدان”.
وتابع: “لأجل ذلك فإن الأردن يريد مجموعة تنسيق عربية/دولية، تسعى لخلق مسارات وتفتح المجال أمام حلول وخيارات أخرى في هذه البلدان العربية، ولو على سبيل التجريب الحذر في مراحله الأولى”.
وبحسب الجندي، فإن “الأردن لا يملك أية ضمانات لأن تتوج مبادرته بالنجاح، وذلك لالتقاء شكلين من الاستعصاء، من طرف تخشى الحكومة السورية أن يؤدي أي تنازل حقيقي من قِبله إلى تغيير الوقائع على الأرض، وتالياً تفكك أسس استقراره”.
وتابع: “كذلك فإن القوى الرئيسية في المُجتمع الدولي تخشى لأن يؤدي انخراطها في مثل هذا المسار لعودة الاعتراف السياسي بالحكومة السورية، دون أن يؤدي ذلك لأي مسار سياسي حقيقي بديل في الملف السوري”.