أوروبا ترتجف بسبب وصول الغاز لأسعار فلكية

6 أكتوبر 2021
أوروبا ترتجف بسبب وصول الغاز لأسعار فلكية

وطنا اليوم:وصلت أزمة الغاز في أوروبا لمستوى خطير، وانتشرت المخاوف من أن تضطر القارة إلى إغلاق مصانعها من أجل ضمان تزويد المنازل بالغاز للتدفئة، في وقت سجل فيه الغاز الطبيعي سعراً قياسياً تاريخياً، الأربعاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ففي التعاملات الصباحية، الأربعاء، سجَّل سعر العقود الآجلة للغاز الطبيعي مستوى 1229.9 دولار لكل ألف متر مكعب، أعلى مستوى تاريخي، بالتزامن مع تراجع مخزونات دول أوروبا من الغاز إلى أقل مستوى منذ عقد.
وباتت أسعار الغاز في أوروبا في حالة تقلب مستمرة، محطمة الأرقام القياسية مرة بعد أخرى، وقد يتفاقم الأمر؛ إذا جاء الشتاء قارس البرودة وانخفضت الحرارة إلى مستوى التجمد أو دونه.
وتعيش الأسواق الأوروبية حالة تأهب في ظل أزمة الغاز الحالية، وهي بانتظار تحديثات حول الإمدادات الجديدة التي ستأتي عبر خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي لم يكتمل بعد، والذي يربط بين روسيا وألمانيا.

دعوة لمعرفة سبب أزمة الغاز
دعت دول أوروبية إلى تحليل سوق الغاز الطبيعي بغية كشف أسباب أزمة الغاز وسر ارتفاع أسعاره لمستويات قياسية خلال الأيام الماضية، وسط غموض حول أسباب الأزمة.
وأصدرت إسبانيا والتشيك واليونان وفرنسا ورومانيا بياناً مشتركاً في وقت متأخر أمس الثلاثاء، دعت فيه إلى اتخاذ نهج يقود إلى خفض أسعار الغاز الطبيعي في السوق الأوروبية.
وبحسب البيان المشترك، طالبت الدول الخمس بأهمية إنشاء صندوق تنظيمي، يستجيب لأية تطورات طارئة في سوق الطاقة بين الدول الأعضاء في التكتل.
وزاد البيان: “علينا تحليل سوق الغاز الطبيعي لفهم أسباب زيادة الأسعار، ومعرفة الأسباب وراء عدم كفاية عقود الشراء من الدول المصدرة.. ووضع قواعد لتخزين الغاز”.
وتعتبر كل من روسيا والنرويج من أكبر مزوِّدي الغاز الطبيعي والمسال للقارة الأوروبية، في وقت تطمح فيه موسكو لتشغيل خط الغاز “نورد ستريم 2” الذي واجه رفضاً وعقوبات من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ولم يغفل البيان المشترك الدعوة إلى تنويع مصادر التزود بالطاقة التقليدية (النفط الخام والغاز الطبيعي)، وتقليل اعتماد دول أوروبا على المصدرين الحاليين لها.
ووفق ما أوردته وكالة أنباء بلومبيرغ الدولية، الإثنين، تراجع المخزون الأوروبي من الغاز إلى أقل مستوى منذ حوالي 10 سنوات، بالنسبة لهذا الوقت من العام، وسط مؤشرات على زيادة أكبر بالأسعار.

أسباب أزمة الغاز
هناك أسباب متعددة لأزمة الغاز الحالية وارتفاع أسعاره الجنوني، منها تأثير إعصار إيدا على إنتاج الغاز في الولايات المتحدة، الذي تسبَّب في حالة من الفوضى العارمة بصناعة النفط الأمريكية، حيث دمر معظم المنصات البحرية في منطقة ساحل خليج المكسيك.
وفي ذروة تأثيره مطلع الشهر الماضي، قال مكتب سلامة وحماية البيئة في الولايات المتحدة إن حوالي 80% من إنتاج النفط والغاز في الجانب الأمريكي من خليج المكسيك ظل متوقفاً في أعقاب الإعصار الذي ضرب ساحل لويزيانا.

الصين تتحول إلى أكبر مستورد للغاز المسال
كما تسبَّبت زيادة استهلاك الصين في تفاقم أزمة الغاز.
ففي سبتمبر/أيلول المنقضي، صارت الصين أكبر مستورد في العالم للغاز الطبيعي المسال النادر، فقد ارتفعت عمليات التسليم منه بنسبة 20% عن السنة السابقة، وذلك وفقاً لبيانات تعقب الشحنات التي جمعتها وكالة Bloomberg الأمريكية.
على النقيض من ذلك، تراجعت عمليات التسليم المرسلة إلى الدول الأوروبية الغربية مقارنة بالعام الماضي، حتى في ظل انخفاض مخزونات الغاز الطبيعي للقارة عند أدنى مستوياتها الموسمية منذ أكثر من عقد من الزمن.
كما أدى تعافي اقتصادات دول أوروبا من التبعات السلبية لجائحة كورونا والشتاء المبكر في بعض الدول إلى زيادة استهلاك الطاقة.

أزمة الغاز
ويتهم البعض سياسات الاقتصاد الأخضر في أوروبا بالمسؤولية عن أزمة الطاقة، وهو سبب مرجح أيضاً لأزمة الكهرباء في الصين، في حين يرى آخرون أن الأزمة يجب أن تكون محفزاً لأوروبا للمضي قدماً في التخلي عن الوقود الأحفوري.
ويشير تقرير لوكالة بلومبيرغ الشرق إلى أنه يتم تحديد سعر معظم السلع من خلال تقلبات العرض والطلب؛ وفي الأشهر الأخيرة، كان على أوروبا أن تتعامل مع الحقائق التالية:

– انخفاض كميات الغاز المنقول عبر الأنابيب من روسيا.

– تصدير كميات أقل من الغاز من النرويج، وترينيداد، ونيجيريا.

– تخزين كميات أقل من الغاز الفترة الماضية؛ لأن الشتاء السابق كان أكثر برودة من المتوسط.

– ارتفاع الطلب على الغاز عالمياً مع خروج الاقتصادات من حالات الإغلاق المرتبطة بالجائحة.

– سرعة الرياح المنخفضة للغاية.

– الطقس الحار صيفاً زاد من استهلاك الطاقة ومنها الغاز.

– التوقعات بزيادة الاستهلاك مع إنهاء إغلاقات كورونا.

لماذا خفضت روسيا صادراتها من الغاز في هذا التوقيت؟
ولكن تبدو النقطة الأكثر تأثير في أزمة الطاقة هي قرار شركة الغاز الطبيعي الروسية العملاقة جازبروم إرجاء إعادة ملء مستودعات الغاز التابعة لها في أوروبا، فيما أعادت ملء مستودعاتها في روسيا.
وأشارت وكالة بلومبيرغ للأنباء إلى أن جازبروم وهي أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى أوروبا تتباطأ في إعادة ملء مستودعاتها في أوروبا بعد أن كانت قد سحبت كميات منها لتعويض النقص في الإمدادات القادمة من روسيا نتيجة حادث حريق في إحدى منشآت الغاز التابعة لها في الشهر الماضي.
وبحسب بيانات مؤسسة جاز إنفراستراكشر يوروب المعنية ببيانات قطاع الغاز في أوروبا، فإن كل مستودعات الغاز في أوروبا مملوءة بنسبة 72% فقط حالياً.
وفي الوقت نفسه، فإن مستودع كاترينا التابعة لجازبروم في ألمانيا والذي كان مملوءاً بالكامل تقريباً خلال العام الحالي أقل حالياً بنسبة 44% عن طاقته الاستيعابية.
كما أن مستودع ريدين الألماني الذي تستخدمه جازبروم أيضاً أقل بنسبة 5% من طاقته الاستيعابية.
وتبرر روسيا هذا النقص بأن الشتاء القارس العام الماضي قد استنزف المخزونات المحلية.
ولكن هناك من يرى أن ما تفعله روسيا هو محاولة للترويج لخط غاز السيل الشمالي الذي ينقل الغاز من روسيا مباشرة إلى ألمانيا عبر بحر الشمال، وهو الخط الذي يلقى انتقاداً شديداً من دول أوروبا الشرقية لاسيما أوكرانيا إضافة للولايات المتحدة.
والشهر الماضي، أكد الكرملين أن التشغيل السريع لخط أنابيب “نورد ستريم 2” سوف يساعد على مكافحة ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا.
وأعلنت شركة “غازبروم” الروسية قبل يومين أن عملية التعبئة في خط أنابيب “نورد ستريم 2” قد بدأت. المشروع المفترض أن يضاعف عمليات تسليم الغاز الروسي إلى ألمانيا، كان قد تأخر مرات عدة بسبب معارضة واشنطن وخلافات أوروبية.
ويقول موقع دويتش فيليه الألماني إن خفض غاز بروم للكميات الغاز التي تضخ لأوروبا ربما يهدف لخلق ضغط في السوق على خلفية بدء عمل نورد ستريم 2.
مؤيدو مشروع “نورد ستريم 2” يعتبرون أنه يمكن أن يحقق بعض الهدوء في أسواق الغاز الأوروبية التي تواجه أزمة إمدادات. وهو ما قد يشكل إنجازاً للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي أيدت إنشاء المشروع على مدى عقد من الزمن، واجهت فيه معارضة كبيرة من حلفاء رئيسيين على رأسهم الولايات المتحدة.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة “نويه تسوريشه تسايتونغ” (التاسع من سبتمبر/أيلول 2021): “منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة وروسيا تعتبر نفسها قوة رئيسية في مجال الطاقة، وبالتالي فإن مشاريع أنابيب الغاز ليست ذات طبيعية اقتصادية بحتة، وإنما لها أهداف جيوسياسية أيضاً، بالإضافة إلى معاقبة أوكرانيا المتمردة، وبالتالي زعزعة استقرارها بسبب توجهها الغربي (..) نظرة واحدة على خريطة شبكات أنابيب الغاز في أوروبا كافية لمعرفة كيف تحاصر روسيا أوكرانيا وجيرانها في شرق أوروبا من خلال نورد ستريم”.
اللافت أنه بعد كل هذه الضجة الأمريكية بشأن خط “نورد ستريم 2″، تخلت الولايات المتحدة عن العقوبات المفروضة على الشركة المشرفة على بناء الخط، وتم بموجب ذلك التنازل عن التدابير العقابية ضد الشركة ورئيسها التنفيذي الألماني ماتياس وارنيغ لأسباب وصفت بـ”المصلحة الوطنية”. وفي حين أن الشركة المسؤولة عن خط الأنابيب لن تخضع للعقوبات، ستخضع كيانات أخرى معنية لتدابير عقابية.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في بيان، إن معارضة واشنطن لخط الأنابيب “ثابتة”، وإن الولايات المتحدة ستواصل معارضة استكمال المشروع. وأضاف: “تظهر إجراءات اليوم التزام الإدارة الأمريكية بأمن الطاقة في أوروبا، بما يتفق مع تعهد الرئيس (جو بايدن) بإعادة بناء العلاقات مع حلفائنا وشركائنا في أوروبا”.
وعلى مدى سنوات، شكَّل المشروع موضوع خلاف جوهري بين واشنطن وبرلين، أبرز مروج للمشروع، لكن أيضاً بين الأوروبيين أنفسهم وكذلك بين روسيا وأوكرانيا. وبشكل مفاجئ غيَّرت واشنطن موقفها بالتوصل الى تسوية ألمانية – أمريكية لمحاولة إنهاء هذا الخلاف رغم أن كييف مقتنعة بأن “نورد ستريم 2” لا يزال “سلاحاً جيوسياسياً خطيراً في أيدي الكرملين”. وذهب موقع “نوردكورييه” (السادس من سبتمبر/أيلول) في الاتجاه ذاته، وكتب: “العقوبات الأمريكية أخرت بشكل كبير بناء خط الأنابيب، الذي كان من المفترض إتمامه في نهاية عام 2019.
وتعتبر واشنطن أن أوروبا تجعل نفسها رهينة للغاز الروسي في إمداداتها من الطاقة.
بينما تتهم روسيا الولايات المتحدة بالسعي في المقام الأول لتحقيق مصالحها الاقتصادية بمعارضتها لـ”نورد ستريم 2″. وتعرض الولايات المتحدة غازها الصخري المسال كبديل للغاز الروسي في السوق الأوروبية.