المؤسسات الطبية بين سندان النقص في الإختصاص ومطرقة مواقع التواصل الإجتماعي

16 سبتمبر 2021
المؤسسات الطبية بين سندان النقص في الإختصاص ومطرقة مواقع التواصل الإجتماعي

عشا: ما حدث في مستشفى البشير مؤلم ولابُد من التريث في الحكم على أسبابها ومسببيها .

_ المستشفيات الحكومية ليست معصومة عن الخطأ والترهل حالها كحال باقي المؤسسات والوزارات .

_ قبل الرمي بسهام الإتهام على المؤسسة الطبية لابُد إن نستذكر التحديات والظروف القاهرة التي يواجهها الأطباء

البلص: المسؤولية الطبية والإشراف عليها يجب أن تكون من أولويات الدولة التي تحترم مواطنيها .

_ إهمال المنظومة الطبية من أخطر العوامل التي تهزّ المجتمع .

_ النيابة العامة هي وحدها صاحبة الولايه بتوجية الإتهام بحق المتسببين بوفاة الطفلة “لين” .

الملاعبي: قلة عدد المستشفيات الحكومية لا يتناسب مع أعداد المواطنين والمقيمين في الأردن عامة .

_ الطبيب إنسان وهو معرض للخطأ

_ من الواجب الوطني دعم قطاع المستشفيات الحكومية وكوادره وليس تقييده دون منحه الدعم الكافي للنهوض بالمنظومه الطبية .

وطنّا اليوم _ نسيبة المقابلة

الأخطاء الطبية تثير الرأي العام الأردني نتيجة ضعف المنظومة والإمكانات الطبية والتعليمية الملحوظ في الأوان الاخيرة، ومطالبات واسعة بإقالة وزير الصحة وإعادة هيكلة المنظومة الطبية للحدّ من الإستهتار بأرواح البشر .

وأستمرار المنظومة الصحية في القطاع الحكومي بهذا الشكل المترهل إدارياً مع ضعف الإمكانيات والتجهيزات وقلة الكوادر الطبية المتخصصة والمحترفة نسبة لعدد المراجعين سنستمر في خسارة أرواح بريئة .

إلى متى هذا الاستهتار؟ أين مقولة الإنسان أغلى ما نملك؟

تحدّث عضو لجنة الصحة النيابية النائب أحمد عشا حول إهمال المنظومة الطبية برمّتها، وتكرار الأخطاء الطبية والتقصير وعدم إتخاذ إجراءات رادعة بحق المقصرين في مستشفى البشير وقال بحال إننا كُنا منصفين لابُد أن نذكر أن بعض الفساد الإداري في مؤسسات الدولة والمستشفيات الحكومية ليست معصومة عن الخطأ أو عن الترهل، حالها كحال باقي المؤسسات والوزارات؛ نحن هنا نتكلم عن مؤسسة تتعامل بشكل مباشر مع أرواح البشر والخطأ المتعمد ممنوع و غير مقبول و يجب أن تكون نسبة الخطأ قليلة جداً، تكاد لا تذكر .

وأشار إلى عدة نقاط قبل أن الرمي بسهام الإتهام على المؤسسة الطبية، وقال لابُد إن نستذكر التحديات والظروف القاهرة التي يواجهها الأطباء و يعيشونا، فمنها: ساعات العمل الطويلة والمناوبات الكثيرة، الرواتب الضعيفة في وزارة الصحة، وعدم الإستقرار الفكري وذلك بسبب كثرة الإعتداءات على الأطباء، وقلة الموارد البشرية ونقص الكوادر الطبية، وعدد الحالات ثلاث أضعاف الحالات التي يستطيع الطبيب أن يعاينها، والتنوع في الحالات فما نسبته 30% حالات حرجه و 40% من حالات ما بين الحرجة للمتوسطه، وإختلاف مستويات الأطباء العلمية والخبرة العملية .

وقال أنا لا أُجيز الخطأ الطبي المتعمد أو الإهمال، إنما أتحدث عن المضاعفات والأخطاء الغير مقصودة “العفوية” التي لا تشكل خطراً مباشراً على حياة المرضى .

وبيّن أن ما حدث في مستشفى البشير من وفاة الطفلة لين التي عانت من الزائدة الدودية وانفجارها و تسمم في الدم والذي إثره وافتها المنية فهذه حادثة مؤلمة لابُد من التريث في الحكم على أسبابها ومسببيها حتى تخرج لجنة التحقيق بتوصية نهائية ونحصل على تقرير الطب الشرعي النهائي، فإن ثبت خطأ طبي فلابُد من محاسبة المُخطئين بلا رحمة ولا محاباة وإذا ثبت عكس ذالك فلا عقاب لغير مذنب .

ومن جهتة قال الخبير القانوني د.هاشم البلص إن المسؤولية الطبية ومتابعتها والإشراف عليها يجب أن تكون من أول أولويات الدولة التي تحترم مواطنيها، والتقصير أو عدم الإهتمام بهذه المنظومة يعد من أخطر العوامل التي تهزّ المجتمع كافة بكل تقسيماته، وهي مؤشر قوي وقاطع على إهمال الدولة في متابعة مؤسساتها الحيوية وعدم تطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات التي قامت بتشريعها .

وأكد أن تكرار الأخطاء الطبية الأصل به مسؤولية إدارة المستشفى صاحبة الحق المباشر في توعية وطلب محاسبة المخطئين فإن كانت تخفي هذه الأخطاء فهي شريك أصيل مع كل مخطئ ومخالف أما أن تقدمت بإجراءاتها الإدارية الصحية إلى الهيئة الإدارية صاحبة الولاية “وزارة الصحة” فتكون الوزارة والحكومة هي المسؤولة عن هذه الأخطاء .

وشدّد أن عدم إتخاذ إجراءات صارمة في مثل هذه الحالات هو إعلان صريح وتحدّي صارخ للتعليمات والأنظمة والقوانين حيث ينص قانون العقوبات الأردني مادة 183 فقرة 1 “كل موظف تهاون بلا سبب مشروع في القيام بواجبات وظيفته وتنفيذ أوامره المستند فيها إلى الأحكام القانونية يُعاقب” وورد أيضاً في الفقرة 2 “إذا لحق ضرر بمصالح الدولة جراء هذا الإهمال عوقب هذا الموظف بالحبس” .

وكما جاء في ذات القانون في المادة 343 “من سبب موت أحد عن إهمال أو قلت إحتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى 3 سنوات” وهذه النصوص جميعها جاءت للحد من الإهمال والتقصير في أداء الواجب الوظيفي للموظف نفسه ولم يقف قانون العقوبات عند هذا الحد بل ذهب إلى تجريم المنظومة المشتركة في هذا الإهمال .

حيثُ تنص المادة 76 أنه اذا ارتكب عدة أشخاص متحدين جناية أو جنحة أو كانت الجناية أو الجنحة تتكون من عدة أفعال فأتى كل واحد منهم فعلاً أو أكثر من الأفعال المكونة لها وذلك بقصد حصول تلك الجناية أو الجنحة فيعتبروا جميعاً شركاء فيها .

وأشار أن التشريعات الأردنية بشكلها العام تحمل صفة الرُقي والإنضباط وتنافس دول العالم في شموليتها وقوتها والتشريعات التي تخص المنظومة الصحية هي تشريعات جيدة ووضعت بشكل جميل لحماية هذه المنظومة، ألا أن الخلاف يقع في عدم تطبيق هذه التشريعات أو جزء منها مما أدى إلى زيادة حالات الإهمال والأخطاء .

وقال البلص أننا لا نستطيع الإنكار بأن المحسوبية والعلاقات الشخصية تؤثر في الحياة القانونية وتطبيقها بشكل واضح فما زال العديد من المجتمع الأردني يختبئ خلف هذه المحسوبيات والواسطات ولو أن هذا الوضع يهاجم ويحارب ويمنع الإنصياع له وطبق القانون لكان الحال أفضل من ذلك بكثير لأننا نجد بأن أسباب الأخطاء الطبية تبدأ من التعيينات الغير مُستكملة للشروط الصحيحة والقوانين بشكل خاص .

وقدّ ورد في قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم 25 لسنة 2018 في المادة 5 أنه يجب على مقدم الخدمة تأدية عمله وفقاً لما تقتضيه أخلاقيات المهنة ودقتها وأمانتها ووفقاً للأصول العلمية المتعارف عليها، وبما يحقق العناية اللازمة للمريض وعدم إستغلال حاجته لغرض تحقيق منفعة غير مشروعة لنفسه أو لغيره ومن دون تمييز بين المرضى والإلتزام بالتشريعات المعمول بها .

وأشار البلص أن النيابة العامة هي وحدها صاحبة الولاية بتوجيه الإتهام بحق المتسببين بوفاة الطفلة “لين” ويجب تطبيق نص المادة 343 من قانون العقوبات التي تنص على أنه من سبّب موت أحد عن إهمال أو قلت إحتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات.

وتنص المادة 7 و 8 والمواد من 20 وما بعدها من قانون المسؤولية الطبية هم واجبات التطبيق وأن توقيف كل من له علاقة بوفاتها حسب ما تخرجه التحقيقات يستند إلى نصوص قانونية صحيحة وأن صلاحيات المدعي العام صاحب الإختصاص في التحقيق وجمع الأدلة والبيانات هي صلاحيات واسعة هدفها تحقيق المصلحه العامة ورفع الأوراق بشكل دعوى جزائية إلى سدة القضاء لإيقاع العقوبات المناسبة لكل تصرف وفعل خالف القانون .

فيما لفّت البلص أن القانون جاء واضحًا وصريحًا فيما يخص إستثناء المستشفيات من العقوبة بسبب ضعف الإمكانات؛ لأن الإهمال والتقصير أوجب له عقوبات مناسبة تتوافق مع مرتكب الفعل وأن ضعف الإمكانيات في المستشفيات يؤدي في بعض الحالات إلى إنقطاع العلاقة السببية بين الفعل ونتيجته؛ ألا أنه بشكل عام المسؤولية تطول الإدارة أو الحكومة أو الجهه المسؤولة مهما كان موقعها في الترتيب التسلسلي الإداري فلا يعفى من الإهمال بشكل مطلق فهناك درجة تحاسب حسب أحكام القانون .

بدوره تحدّث المحامي نبيل الملاعبي حول إهمال المنظومه الطبية في المستشفيات الحكومية وقال لابُد من التفرقة بين الخدمه الطبية التي تقدمها الحكومة ممثلة بالمستشفيات الحكومية والمراكز الصحية والخدمه الطبية التي يقدمها القطاع الخاص، وبالرجوع لجوده الخدمات الحكومية تجد بإنها متهالكه بسبب الضغط الشديد عليها، وإقبال عامه الشعب عليها لا سيما وأنها مجانية وفق أحكام الدستور إضافه الى قلة عدد المستشفيات الحكوميه حيث أنها لا تتناسب مع أعداد المواطنين والمقيمين في الأردن عامه، مبيناً أن البنيه التحتيه للمستشفيات ونفقاتها تحتاج إلى مبالغ هائلة لتطويرها وإهمال هذه المنظومه يعود على تقديم أولويات لتطوير منظومات أخرى على حساب المنظومه الطبية .

واكدّ أن الطبيب إنسان وهو معرض للخطأ وأن اخطأ فأن خطأه قدّ ينتج عن عدة أسباب منها تعب الطبيب الناتج عن زياده الضغط على الخدمه لمهولة أعداد المراجعين وسوء توزيع المهام وعدم وجود ضوابط واضحة المعالم لتسليم المناصب والمهام، وعدم وجود كادر كافي مناسب لتقديم الخدمات الطبيه، وعدم وجود البيئه المناسبه لإعطاء الطبيب الحكومي الحافز للرقابة على المرضى وضمان حسن سير العمل .

ووضحّ الملاعبي حول عدم إتخاذ إجراءات رادعة بحق المقصرين في مستشفى البشير وقال بإن هناك عده قنوات مفتوحه لتقديم التظلم أو الشكوى لعامة الناس والعقوبات المقرره متناسبة نوعاً ما بحسب الجهه التي تباشر في التحقيق وبالنتيجه تصدر القرار أما بحفظ الشكوى أو إيقاع العقوبه ضمن الإختصاص .

ولفّت أن كانت وزارة الصحة هي الجهة التي باشرت بالتحقيق بأي قضية تخص الأخطاء الطبية، فيكون قرارها بالتحقيق _ بصفتها مسؤولة عن الموظف العام ولجنه تأديب_ حيث يكون العقاب متوافقاً مع نظام الخدمه المدنية وهي متدرجة تبدأ بعقوبة التنبيه وقد تصل للعزل من الخدمة كحد أقصى، ولا يجوز للعقوبات أن تزيد عما هو منصوص عليه بالنظام وفق مبدأ الشرعية .

أما أن نتج عن الإهمال الطبي أضرار جسديه فإيقاع العقوبه للوصف يخرج عن إختصاص المجلس التأديبي بحيث يتم إحالة الملف التحقيقي للنائب العام أو المدعي العام المختص حيث يباشر بالتحقيق والذي يقوم بتصنيف القضيه بحسب الضرر الجسدي ومده التعطيل بحيث ينسب الفعل كجرم معاقب عليه وفق قانون العقوبات تحت باب الجرائم المتعلقة بالإيذاء الجسدي بأنواعه .

وبيّن أن مسأله التعويض يعود بها الحكم لمحكمة الجزاء أن كانت الدعوى منظوره أمامها؛ بحيث يتم الإدعاء بالحق الشخصي قبل إكتمال بينات النيابه العامة وإذا كانت القضيه مفصولة ينعقد الإختصاص للمحكمه الحقوقية .

وفي هذا السياق قال الملاعبي إنه من الواجب الوطني دعم هذا القطاع وكوادره وموظفية وليس محاربته وتقييده دون منحه الدعم الكافي للنهوض بالمنظومه الطبية؛ وإنه من الممكن النهوض بهذه المنظومة من خلال رصد كامل ملحوظات المرضى بشكل دوري من خلال استحداث قسم بكل مستشفى يقتصر بمتابعه المرضى وملاحظاتهم وشكاويهم بشكل دوري ويومي؛ ويعمل أيضاً على حل المشاكل والملحوظات مباشره لينال رضى المريض ويتم إعداد تقارير يومية يتم رفعها للإدارة بشكل يومي، ويكون الموظف مسؤولاً أمام الإدارة عن ما تسبب به من شكوى أو تقصير قد يُسيء إلى سمعه المستشفى .

وأشار الملاعبي إلى العقوبات التي قدّ يتم توجيهها للمتهاونين بقضية الطفلة لين تقسم إلى قسمين القسم الأول عقوبه تأديبيه وفق أحكام الماده 142/أ من أحكام نظام الخدمه المدنية وتنص على أنه إذا ارتكب الموظف مخالفة للقوانين والأنظمة والتعليمات والقرارات المعمول بها في الخدمة المدنية أو في تطبيقها، أو أقدم على عمل أو تصرف من شأنه الإخلال بالمسؤوليات والصلاحيات المنوطة به، أو عرقلتها أو الإساءة إلى أخلاقيات الوظيفة وواجبـــات الموظف وسلوكه أو قصر أو أهمل أداء واجباته أو إعتدى على أموال الدولة ومصالحها، فتوقع عليه إحدى العقوبات التأديبية “التنبيه، الإنذار، الخصم من الراتب الشهري الأساسي بما لا يزيد على سبعة أيام في الشهر، وحجب الزيادة السنوية لمدة سنة أو 3 سنوات أو 5 سنوات، الاستغناء عن الخدمة، العزل” .

والعقوبه من النوع الثاني هي عقوبه جزائية مُجرمه وفق قانون العقوبات وتقع ضمن الماده 343 المتعلقه بالقتل والإيذاء من غير قصد “من سبب موت أحد عن إهمال أو قلة إحتراز أو عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات” .

وركزّ الملاعبي على مدى قانونية توقيف من لهم علاقة بوفاة الطفلة “لين” وقال فقدّ يواجه من لهم علاقه بوفاتها نوعين من أحكام التوقيف حسب القانون ووفق أحكام الماده 150 يوقف الموظف عن العمل بقرار من الوزير في أي من الحالات التالية:

_ إذا تمت إحالته من دائرته إلى المجلس التأديبي أو المدعي العام أو المحكمة لارتكابه مخالفة مسلكية أو جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بواجبات الوظيفة .

_ اذا تمت احالته الى الجهة القضائية المختصة بموجب احكام النظام المالي المعمول به .
_ اذا طلب من دائرته ايقافه عن العمل بموجب احكام أي تشريع آخر .
_ إذا قدمت شكوى ضده بموجب أحكام البند 2 من الفقرة ب من المادة 160 من النظام .

كما ويمكن الإستعاضه عن التوقيف بإجراءات إستثنائية وفق أحكام الماده 114 فيما خلا حالات التكرار؛ للمدعي العام أو للمحكمة في الأحوال التي يجوز فيها التوقيف في الجنح أن يستعيض عن التوقيف بواحد أو أكثر من التدابير “الرقابة الإلكترونية، المنع من السفر، الإقامة في المنزل أو المنطقة الجغرافية للمدة التي يحددها المدعي العام أو المحكمة وتكليف الشرطة بالتثبت من ذلك” .

وشدّد الملاعبي أنه لا يوجد إستثناء أي شخص ثبت بحقه التقصير والإهمال فيكون الموظف مسؤولاً عنها إدارياً وجزائياً، وهذا أضافةً إلى أنه لا يوجد ما يمنع المتضررين من ذوي الطفلة المتوفاه من إقامة دعوى بمواجهة الحكومه ومطالبتهم بالأضرار بالتضامن مع الموظفين والأطباء المتسببين بالحادثة سنداً لأحكام الماده 288 من القانون المدني والتي نصت على المسؤولية عن فعل الغير “لا يسأل أحد عن فعل غيره” ومع ذلك فللمحكمة بناء على طلب المتضرر إذا رأت مبرراً أن تلزم بأداء الضمان المحكوم به على من أوقع الضرر .