وطنا اليوم:تقاليع وطقوس غريبة تفرض نفسها على عديد من الأفراح الشعبية في مصر، كان آخرها قيام مجموعة من الشباب بالرقص بدون ملابسهم العلوية، يتوسطهم أحدهم بـ “طبلة” مع تكسير مجموعة من اللمبات “النيون” أثناء الرقص.
وكشفت وزارة الداخلية المصرية ملابسات هذه القصة أخيراً، وضبطت أحد الشباب المشاركين في ذلك الاحتفال، الذي تبين أنه يعود للعام الماضي.
واقعة منطقة أرض اللواء بمحافظة الجيزة، التي اشتهرت بـ “مولد العريان”، تم تداولها الفيديو الخاص بها على نطاق واسع، ليست الوحيدة في إطار “تقاليع” الاحتفالات شديدة الغرابة في الأفراح والمناسبات المختلفة بالأحياء الشعبية في مصر، من بينها “تقاليع” مخالفة للقانون تتسبب في القبض على المشاركين فيها.
واشتهرت العام الماضي واقعة “الراقصة الطائرة”، عندما شهد فرحاً شعبياً مصرياً قيام قيام فتاة بالرقص وهي معلقة من شعرها، على أنغام أغانٍ شعبية.
تتعدد الأمثلة المرتبطة بتلك “التقاليع”، منها على سبيل المثال قيام مجموعة من الشباب في أحد الأحياء الشعبية بمنطقة شبرا (شمال القاهرة) بتعليق “توك توك” ومجموعة من “الموتوسيكلات” على أحبال، والرقص أسفلها!
كما اشتهرت واقعة استخدام مجموعة من الشباب بمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية (شمال مصر) باستخدام طفايات الحريق كألعاب في الحفل، في تطوير لواحدة من أشهر “التقاليع” الخطيرة التي تشهدها الأفراح الشعبية والمرتبطة بالألعاب النارية، وإشعال النيران في مبيدات حشرية أو أسلاك سريعة الاشتعال.
ومن بين التقاليع “الغريبة” استخدام الحيوانات في الأجواء الاحتفالية ببعض الأفراح الشعبية، لا سيما الكلاب، والقيام بحركات استعراضية من خلالهم. واشتهرت في هذا السياق واقعة في العام 2018 تم خلالها إجبار حصان على تعاطي “الحشيش”، وقد طالب نواب برلمانيون آنذاك بالتحقيق في تلك الوقائع.
تضاف تلك الوقائع إلى التقاليع الشهيرة المرتبطة بالرقص بالأسلحة البيضاء والنارية، فضلاً عن تعاطي وتوزيع مواد مخدرة في بعض الأفراح، فضلاً عن الرقصات الغريبة التي تشهدها عديد من تلك الأفراح.
استاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، سامية خضر، تتحدث عن تطور الأفراح الشعبية، والأسباب التي دفعت إلى انتشار التقاليع الغريبة التي تعتبرها لا تتماشى مع قيم المجتمع، موضحة أن الاحتفالات قديماً كان بها نوع من “الرقي”، وتدريجياً وبفعل مجموعة من الأمور مجتمعة، من بينها الانفتاح الثقافي ومواقع التواصل، ظهرت تقاليع مختلفة، من بينها ما حدث مؤخراً من خلال رقص مجموعة من الشباب العراة، وما شابه ذلك من وقائع تدق ناقوس الخطر بشأن تهاوي وتراجع القيم.
وتشير خضر في تصريحات إلى أن “هذا التطور السلبي نتيجة غياب الرقابة، بدءاً من الأسرة والإعلام والمؤسسات المعنية بنشر الثقافة، وتدريجياً يصبح هناك اعتياد على رؤية مثل تلك الطقوس دون رادع، وهو ما يفتح الباب أمام زيادتها وتطورها بشكل كبير، وتلعب مواقع التواصل دوراً في الترويج لمثل تلك الأمور؛ على اعتبار أن الشباب بطبعهم مقلدون، وفي بعض الأحيان تقليد أعمى، وهو ما يسمح بتكرار تلك الوقائع وانتشارها”.
وتوضح استاذة علم الاجتماع أن غياب البرامج التربوية والثقافية أثر بلا شك، وكان سبباً في انتشار مثل تلك الأمور، فضلاً عن غياب البرامج الخاصة بالمرأة (الأم)، وهي البرامج التي كانت معروفة من قبل، وكانت عاملاً رئيساً في حفظ وحماية المجتمع من تلك الأمور، لكن مع غيابها صار هناك انفلات أخلاقي وانحلال عن قيم المجتمع، ما فتح الباب أمام كل تلك الأمور. وهي بذلك لا ترى أن الحلول الأمنية في التعامل مع تلك التجاوزات -في بعض التقاليع- الحل النهائي، لكن المسؤولية تقع على عاتق الأسرة والجهات المعنية بالثقافة والإعلام والفن.
أفراح الموت!
ومن بين التقاليع الشهيرة في مصر، وهي تقاليع قديمة في الأفراح الشعبية، إطلاق النار تعبيراً عن الابتهاج والفرحة. وقد وقعت عديد من الحوادث جراء ذلك، ما كان دافعاً لإطلاق مبادرات مختلفة للدعوة لوقف إطلاق النار في الأفراح حماية للأرواح.
وعن طقوس الأفراح الجديد، يقول أستاذ علم الاجتماع طه أبو حسين، في تصريحات إن تلك الممارسات وما شابهها من شأنها نزع الثوابت التي تقوم عليها القيم في المجتمع المصري بشكل خاص، وتفتيتها تدريجياً”، موضحاً أن ذلك يأتي في ضوء توجهات ثقافية “وافدة” وضغوط الحالة الاقتصادية.
ويشير إلى ان “الضغوط الاقتصادية في أي مجتمع من الممكن أن يكون لها أثر في تغير توجهاته الثقافية بشكل عام”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن تلك الطقوس والتقاليع تتزامن مع أمور وأفكار جديدة كلية على المجتمع المصري يتم عرضها عبر الإعلام ومواقع التواصل، فضلاً عن تصرفات من أجل “لفت الأنظار”، وتقاليع مستهلكة ومستوردة لا تناسب قيم المجتمع.