وطنا اليوم:تلتقط كاميرات الأردنيين ظهر الأربعاء صورة مؤلمة على الهواء لرجل في الأربعين من عمره انتحر أمام الشرطة والمارة شرق العاصمة عمان.
قرر الرجل حرق نفسه واعتلى جسراً في منطقة أم نوارة. وأثناء محاولة دورية شرطة إقناعه بالنزول، أشعل النار بنفسه وهوى إلى الأرض، في مشهد بدأ يتكرر وترصده الكاميرات خلافاً لموروث الأردنيين.
قبل ذلك بعدة أيام، تمكن أحد رجال الأمن من السيطرة على شاب آخر حاول الانتحار من أعلى جسر شاهق غرب العاصمة عمان.
الاحتقان المعيشي
يزداد الاحتقان المعيشي والاقتصادي وسط الأردنيين، وهو السبب الرئيسي الذي يدفع في اتجاه تكرار محاولات الانتحار في الوقت الذي يخشى فيه المراقبون والخبراء مقاربات اقتصادية مفتوحة الاحتمال وتبحث عن حلول من أي نوع، خصوصاً عشية إعلان فتح كامل القطاعات في الأول من أيلول بعد عامين من الإغلاق جراء فيروس كورونا.
وقبل إعادة فتح القطاعات، تغرق الساحة الأردنية بالنقاش والجدل الاقتصادي، خصوصاً بعدما ترنحت قطاعات التجارة والخدمات جراء الإغلاقات والمخالفات والغرامات على نحو غير مسبوق، وضمن حزمة إجراءات حكومية عملت فقط على تحصين وحماية القطاع الصناعي، مما قاد إلى معادلة مختلة قوامها أن القطاع التجاري لا يجد من الحكومة تفهماً في بعض الأحيان ولا مشاورات ولا حماية من النوع المطلوب، رغم أنه يغطي حصة كبيرة من واردات الخزينة ومن العمالة وأعداد الموظفين قياساً بغيره.
جراء الفيروس وتداعياته الاقتصادية، تعلن السلطات الرسمية المعنية بالاستثمار والصناعة عن إغلاق عشرات المنشآت المرخصة باعتبارها صناعية بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج ودون أن يساهم الدلال الذي يحظى به الصناعيون بصورة فعالة لا في بقية منافسة الصناعات ولا حتى بتوفير المزيد من الوظائف للأردنيين.
لماذا الانتحار؟
يرى خبراء عديدون بأن محاولات الانتحار، سواء كانت حقيقية أو استعراضية التي بدأت تطل بوجهها مؤخراً، مؤشر سلبي للغاية يعكس وقائع الميدان الاقتصادي لغالبية الأردنيين، في الوقت الذي لم تعد فيه مسألة الفيروس كورونا تصلح كذريعة لبناء المزيد من الحجج عليها. والسبب الرئيسي أن وزارة الصحة تمكنت، في عهد الوزير الحالي الدكتور فراس الهواري، من السيطرة على الإيقاع الفيروسي ومن الاستثمار في الخبرة التي تراكمت.
يعمل الهواري وفريقه في اتجاهات منتجة عندما يتعلق الأمر بتثبيت أركان القطاع الصحي وبأقل قدر ممكن، بعيداً عن الضجيج والأضواء وفي ظل ميزانية مالية يقول وزير الصحة الأسبق الدكتور ممدوح العبادي إنها متواضعة وغير منطقية في ظل أولويات المواجهة والاشتباك.
وضع الطبيب الوزير الهواري لمسات علمية وفنية وأخرى سياسية ساهمت في استقرار الحالة الوبائية.
وبالتالي، لا يصلح القول بأن الخوف على القطاع الصحي هو ذريعة تبرر استمرار الصمت على إغلاق المنشآت أو تبرر الافتقار لآليات شراكة وتعاون حقيقية مع القطاع التجاري والقطاع الخاص، بالرغم من أن أوامر الدفاع وبتقدير الجميع هي السبب المباشر الذي يحول الآن دون انكشاف واقع البطالة وظهور عاطلين أكثر عن العمل.
مقاربات الحكومة الاقتصادية التحفيزية بالجملة، لكنها دون مستويات المطلوب في الاشتباك بعد، والحوار في المسألة المعيشية تحديداً أصبح أقرب إلى حوار الطرشان؛ فالقطاع الخاص يشتكي، والاستثمار يتذمر، ومبادرات الشراكة بطيئة وزاحفة، والقطاع التجاري بلا سند حقيقي في السلطة، والمصارف وحدها صامدة بفضل السياسات المحافظة والحصيفة لمحافظ البنك المركزي الدكتور زياد فريز، وإن كانت بعض البنوك قد تقلصت أرباحها مؤخراً.
في كل حال، تراجعت المساعدات أيضاً، وأخفقت كل نظريات الاستقطاب الاستثماري على أساس تحويل محنة الفيروس إلى فرصة حقيقية في الوقت الذي لا تظهر فيه بعد عمليات استثمار نشطة أو فعالة إثر سلسلة من الاختراقات التي أعادت إحياء الدور الأردني في الإقليم ووسط المجتمع الدولي.
الوضع صعب ومعقد
والأردن بالتأكيد ليس وحيداً في هذا السياق ويناضل للصمود، ووزارة الصحة تسجل إحدى قصص الصلابة والنجاح، لكن الانطباع قوي بأن الحكومة الحالية ينقصها طاقم اقتصادي من النوع الذي يبادر ويخطط أو يسعى لفهم حقيقة ما يجري في عمق القطاعات ومع الناس.
الأغلب الأعم في الخلاصة أن تداعيات أزمة اقتصادية ومالية ومعيشية تعبر عن نفسها بأكثر من شكل وصيغة في الآونة الأخيرة.
محاولات الانتحار التي ترصدها كاميرات منصات التواصل بالصدفة أو دونها هو التعبير الأكبر الذي يؤرق الأردنيين عن تلك الأزمة.