مدير الاستخبارات الأسبق: الأوراق النقاشية لجلالة الملك تَعْرِض رؤيةً واضحةً لمسيرة الإصلاح الشامل

18 يوليو 2021
مدير الاستخبارات الأسبق: الأوراق النقاشية لجلالة الملك تَعْرِض رؤيةً واضحةً لمسيرة الإصلاح الشامل

وطنا اليوم – تنشر وطنا اليوم أبرز محاور التي طرحها مدير الاستخبارات العسكرية ونائب سمو رئيس المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات  اللواء المتقاعد الدكتور رضا البطوش خلال الندوة التي عقدت في مركز دراسات الأمة تحت عنوان  ” الإصلاح السياسي الأردني المفهوم والإمكان”

بسم الله الرحمن الرحيم

والصّلاة والتسليم، على سيّدنا محمّد بن عبدالله، النبيّ العربيّ الهاشميّ الأمين،

 وعلى آل بيته وصحبه أجمعين

الحضور الكريم، السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد

فاسمحوا لي، بدايةً، أن أُعبّر عن كلّ مشاعر التقدير والشكر إلى إدارة مركز دراسات الأمة، على الدعوة الكريمة، للمشاركة في هذه الندوة، والتي تأتي في لحظة وطنية وإقليمية صعبة إلى جانب شخصية وطنية نكن لها كل الإحترام والتقدير معالي الأخ د. مروان المعشر وزير الخارجية الأسبق، شاكراً لكم جميعاً حضوركم الكريم.

إن عنوان الندوة الإصلاح السياسي في الأردن المفهوم والإمكان، عنوان في غاية الأهمية وفي ضوء هذا العنوان أستطيع القول إن أي إصلاح سياسي لا يقود إلى الاستقرار السياسي للدولة ويحافظ على نظامنا السياسي ليس إصلاحاً بل عبثاً في أمننا الوطني، وعليه ولتفسير العلاقة بين الإصلاح السياسي والاستقرار السياسي لا بد من التطرق لعوامل وسيطة أخرى تؤثر في مسار الإصلاح السياسي وتعزز فرص الإستقرار السياسي المنشود لنصل إلى الغاية المرجوة من الإصلاح السياسي وهو الخروج بوطننا الحبيب إلى بر الأمان في ظل تداعيات دولية وإقليمية ومحلية تركت أثارها الغائرة في جسم الوطن الحبيب ومسيرته ووقفت عائقاً أمام تقدمه والقت بظلالها على سُبُلِ العيش الكريم لشعبنا الطيب.

الحضور الكريم

أتحدث في هذه الندوة بقلبٍ مفعمٍ بالحبِ والولاءِ المطلق للوطن وقيادته الهاشمية عزّ نظيره، وقد تعودت على متاعب المصداقية، هذا ما تعلمته في المؤسسة الأعز “المؤسسة العسكرية”، ولإيماننا المطلق بأن الأرزاق هي من عند الله، وأن الآجال هي بأمر الله وأن الوقوف في المنطقة الرمادية إقتناصاً للفرص، خيانةٌ للوطن، وقيادته الهاشمية، ومساهمةٌ مجانيةٌ في الفَتِّ في عضدها وإضعافها، منطلقاً من قناعات راسخة بأن القيادة الهاشمية هي صمام الأمان للوطن الحبيب، إذا أردنا له، أن يكون الصخرة التي تتحطم عليها عاديات الزمن، ومحن الأيام، قناعاتٌ تؤمن بأن العبور الآمن نحو المستقبل لوطننا الحبيب وشعبه الطيب هو بالقيادة الهاشمية وحدها وهي أهل لذلك وهي سر البقاء لنا في منظومة أمننا الوطني، تفتديها المهجُ والأرواح، وعطفاً على ما تقدم، أرى بأن النهج القائم في إدارة الدولة، إذا ما استمر، سيكون له كُلَفه الكبيرة على استمرارية وديمومة الدولة في ظل بيئة استراتيجية بالغة التعقيد وسريعة التغيّر، وفي ظل عدو متربص يسعى وبكافة السبل إلى حل القضية الفلسطينية على حساب الوطن، حيث أن الملف الفلسطيني لم يغلق بعد، وإن الملف السوري أيضاً لم يغلق بعد، وعلى شعبنا الطيّب أن يدرك بإن ما يجري في الإقليم هو مؤامرة سياسية دولية مخطط لها لصالح إسرائيل ستلقي بظلالها شئنا أم أبينا على أمننا الوطني، والتي من أهدافها غير المعلنة، اذابة كيانات الدول التي تشكلت جرّاء إتفاقية سايكس وبيكو، وتقف حجر عثرة أمام ذوبان الهوية الوطنية الفلسطينية وهو الهدف الأسمى بالنسبة لإسرائيل، وفي هذا السياق، وكجزء من هذه المؤامرة، وحتى يتحقق هذا الهدف، يجب أن يسبقه ذوبان الهوية الوطنية الأردنية، والتي تقف بصلابة مع الأشقاء الفلسطينيين، للحفاظ على هويتهم، وجذوة نضالهم المتّقدة، وبدون ذلك لن يتحقق حلم دولة إسرائيل الكبرى.

 وعليه فإن السبيل الأوحد لمواجهة ما يهدد هويتنا الوطنية هو أن تقف مؤسسات الدولة ويرفدها شعبنا العظيم وشباب الوطن الغيارى في وجه هذا التهديد ضمن مَنْهَجٍ تخطيطي إستراتيجي مبدع يتمخض عنه هياكل تنظيمية للإدارة العامة في الدولة، وقدرات تكيّفٍ إستراتيجي، قادرةٌ على الصمود، لتحقيق أهداف إستراتيجية معلنة وغير معلنة وأهداف تنفيذية قابلة للتحقيق، تقود إلى تحقيق أهدافنا الإستراتيجية، في إطار مصالحنا الوطنية المشروعة وقبل فوات الأوان، عينٌ على الوطن، وعينٌ على فلسطين الحبيبة وقدسنا الشريف.

إن الإصلاح السياسي، الذي لا يأخذ في الإعتبار، الأطماع الإسرائيلية، سيكون مدعاة لتهديد أمننا الوطني، حيث أن الوطن الحبيب يقع ضمن منطقة التأثير الإسرائيلية، وليس منطقة الإهتمام ضمن مجالها الحيوي، وتسعى جاهدة لتحقيق مصالحها الحيوية وأهدافها الإستراتيجية بعيدة المدى، والتي تتصف بالثبات والديمومة، وتتنافس حكوماتها المختلفة على تحقيقها، ضمن نهج تخطيطي يوظف إمكانياتها الكبيرة، وإمكانيات حلفائها خير توظيف لتحقيق تلك الأهداف والمصالح.

التهديد الإسرائيلي للأردن، تهديد حقيقي، على الرغم من إتفاقية السلام الموقعة، والإصلاح السياسي الذي لا يأخذ هذه الحقيقة في الإعتبار، سيكون له تداعياته على أمننا الوطني، إسرائيل لديها أهدافها التوسعية طويلة المدى، وتسعى لتحقيقها بكل الوسائل، وعلينا أن نحلل بواقعية ومصداقية النزعة الصهيونية، وإتجاهاتها في سبيل تحقيق أهدافها منذ المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا عام 1897، سياسة التدرج في تحقيق الأهداف لا زالت قائمة من خلال استراتيجية القضم والإستيعاب، بدءاً من مناطق محدودة في فلسطين التاريخيّة ومن ثم التوسع وضم أراض الـ 48، ثم إحتلال الأراضي العربية في الـ 67 بحجة الدفاع عن النفس، إنتهاءً بضم الجولان والقدس والحديث عن ضم غور الأردن والمرتفعات الغربية، والمستعمرات التي إختارت لها مناطق حيوية، جعلت ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، جزراً معزولة، لا ترابط جغرافي بينها، والتي من خلال ضمها، لن تقوم دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وللتدليل على ما أقول، فلننظر إلى ما يجري في المحيط العربي من ويلات، وما هي الأسباب التي قادت إلى هذه الحالة من التشرذم والتردي العربي، وكيف استهدف الغرب المتطرف ولا يزال يستهدف عالمنا العربي، دعماً لإسرائيل، ومساندة لأهدافها طويلة الأمد، إن ما يقلق في هذا الأمر هو سعي إسرائيل، في سياساتها وإستراتيجياتها، إلى تأمين البعيد في الجوار العربي، ليسهل لها الإجهاز على القريب، وهنا يكمن التهديد.

وعلى هامش الإصلاح السياسي الآمن، نتحدث في الشأن الأردني، بعقل مفتوح على حب الوطن والولاء لقيادته الهاشمية الفذّة، عَزَّ نظيره، وبعين دامعة وقلب حزين لما آلت اليه التطورات على ساحة الوطن الحبيب، نتحدث في هذا الشأن، خوفاً على الوطن، ونحن نعرف معنى العيش الكريم لأبناء الوطن، وصون حرياتهم وكرامتهم، ونعرف معنى الظلم ومآلاته، ونعرف تمام المعرفة بأن الظلم هو سببٌ في زوال الأمم والحضارات فما بال الدول، وفي هذا الإطار، وإذا ما القينا نظرة متفحصة لما يجري على الساحة الوطنية، نجد بالتأكيد أن هناك إشكالية كبيرة في إدارة الدولة والتفاعل مع أزماتها الحقيقية، والمُفْتَعَلة منها، وما هذه الضبابية التي نعيش إلا نتاج للتفرد الأمني في إدارة الشأن العام في الدولة، وتعطيل مؤسسات الوطن الدستورية وتغييب عناصر القوة الأخرى، والتي يفترض أن تعمل جميعها، معاً بتناغم وتنسيق في تحقيق أهدافنا، ومصالحنا الوطنية، للأسف عبر السنين، تَكَرَّسَ لدينا مفهوم الجزيرة الواحدة، والتي تعمل بمفردها، وهي جزيرة الأمني وبقية الجزر الأخرى المعزولة، لا دور لها، وعليها أن تستمع، وتقول ما يطلب منها قوله، وأن تفعل ما يطلب منها فعله، وإن هي اجتهدت يجب أن تأخذ الموافقة والإذن، هذه هي الحقيقة، والتي علينا قولها دون مواربة، إن أردنا الخير، لوطننا الحبيب، وشعبه الطيّب وقيادته الهاشمية الفذّة.

أستذكر، وأنا أتحدث أمامكم، البُناة الأوائل وإسهاماتهم العظيمة في تشييد صروح الوطن، من صنعوا المجد، وقدموا الغالي والنفيس، في سبيل كينونته، ورفعته وديمومته، ونستذكر إسهامات المؤسسة الأعز والأغلى “المؤسسة العسكرية”، الجيش العربي، درع الوطن وأجهزتنا الأمنية، في بناء الوطن ومسيرته، نستذكر قوافل شهداء الوطن الذين قضوا في سبيله، وأمنه واستقراره، والحفاظ على منجزاته، وفي سبيل توأم الروح، فلسطين الحبيبة، جزاهم الله جميعاً عنا خير الجزاء، وطوبى لهم احياءٌ عند ربهم يرزقون، واليوم، يكتنفُ الوطنَ مشهد حزين، يترك الكثير من التساؤلات حول ما آلت اليه تداعيات هذا المشهد، أسئلة حيرى نحن بأمس الحاجة الى إجابات واضحة عليها في ضوء الإصلاح السياسي المنشود:

لماذا تستهدف مؤسسات وطنية، كفلها الدستور، وكفلتها القوانين الناظمة للحياة، والتي كان من الممكن، بناء القدرات فيها، لصالح الوطن؟ ما الذي جرى لنقابة المعلمين حتى تُستهدف بهذا الشكل؟ وكيف أصبح التعليم لدينا بسبب هذا الإستهداف وهذا التغول؟ إن العبث في التعليم وعدم العمل على إستقراره، لعبٌ في النار، وعبثٌ في ركائز الدولة، يهدد أمننا الوطني بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، إن التعليم هو الأساس في نهضة الأمم وتقدمها، وتسيسهُ بالطريقة التي وصلنا اليها سيدمر إرثاً بناه الأردنيون بعرق جبينهم.

لماذا تُستهدف الشخصيات الوطنية التي تتحدث بصدق في هموم الوطن وتحدياته وما يواجه مؤسساته الدستورية من فساد وتغول؟

لماذا يُحارب بعض أبناء الوطن بأرزاقهم من خلال سيف الموافقات الأمنية على توظيفهم وتوظيف أبنائهم في وظائف القطاع العام وحتى الخاص ويتم ملاحقتهم في الخارج أحياناً؟

لماذا نُعزز الفشل، من خلال الإبقاء، على من أوصلونا الى الوضع المُزْري، في إدارة الدولة؟

متى سنتوقف، عن مفهوم الأقل كفاءة، وأكثر مطواعية، لشاغلي الوظائف العليا في الدولة، وما انعكاسات ذلك، على مفاهيم الولاء والإنتماء للوطن وقيادته الهاشمية الفذّة؟

من هو المستفيد من قمع الحريات العامة وتفتيت المجتمع واستهداف العشائر الأردنية وهذه الإرهاصات، وهذا التوتر المُبَرمج في الشارع الأردني، غير أعداء الوطن؟

ما هي الأسباب، التي قادت الى حجم التذمر غير المسبوق، وعدم الإرتياح في الشارع الأردني، وتزايد الفجوة بين الحاكم والمحكوم؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى تزايد معدلات الفقر والبطالة واختفاء الطبقة الوسطى في المجتمع؟

ونحن نستذكر مسيرة الوطن الخيّرة، وإسهامات شعبنا الطيّب في المئوية الأولى للدولة، نرى بأن العبور إلى المئوية الثانية من خلال التوظيف المطلق، للقبضة الأمنية في إدارة شؤون الدولة، خلقَ حالةً غير مسبوقة من الجمود، في كل مناح الحياة، واصبح له انعكاساتهُ السلبية على الحالة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والتعليمية في الدولة، وتَشَكّلَ نتيجةً لهذا التوظيف، رأيٌ عامٌ في الشارع الأردني، مناوئ للدولة، ونظامها السياسي، وامتدت هذه الإنعكاسات لتترك آثاراً سلبيةً على صورة الدولة، في محيطها القريب والبعيد، وتآكل عناصر قوتها، إلى الدرجة التي أدت إلى تراجع تأثير الدولة، في ملفات هامة، على الصعيد الإقليمي والدولي، نتيجة للتأثيرات غير المباشرة لإدارة الدولة، بقبضة أمنية، ألغت الأدوار الأخرى للإدارة العامة في الدولة.

إن هذا النهج في إدارة الدولة وتغليب الأمني على ما سواه سيكون له تداعياته الكارثية على السلم والأمن المجتمعي، وسيكرس ثقافة التمرد في المجتمع، وانعدام الثقة في مؤسسات الإدارة العامة الأخرى في الدولة والتي هي اصلاً في أدنى مستوياتها، وإذا ما أستمر هذا النهج سنخسر الوطن، ونظامنا السياسي العظيم، لا قدّر الله.

إن هذا التفرد في إدارة الدولة أغرق المؤسسات الأمنية في تفاصيل حياتنا اليومية وغيّب الدور الدستوري لمؤسسات أخرى في غاية الأهمية، الأمر الذي غيّب نهج التخطيط الإستراتيجي لإدارة الشأن العام في الدولة، لصالح النهج التكتيكي الأمني، لإدارة الشأن اليومي، والذي يعتمد بمجمله على ردود الأفعال، بعيداً عن المسار النشط والنهج الإستراتيجي، ولهذه الأسباب نجح أعداء الوطن في توظيف هذا البؤس في إدارة الدولة وترهل مؤسساتها إلى استهداف مركز الثقل فيها وهو نظامنا السياسي العظيم، سر بقاء الدولة، وعدم تفككها، لتتسع الفجوة وتتآكل صورة نظامنا السياسي الذي نعشق في أعين المواطنين، وإذا ما انهار هذا النظام لا قدر الله سنغرق جميعاً في المجهول، وسنخسر الوطن.

لقد أدى التدخل الأمني في مؤسسات الدولة، إلى تَشَكُل ثقافات تنظيمية، تتوائم وهذا التدخل، مما اضعف آلية صنع القرار، في هذه المؤسسات، وأدى الى ترهلها وتراجع أدائها، وفي مجمل ذلك، أدى إلى إفساد مبدأ تلازم السلطة والمسؤولية، الذي قاد إلى الترهل الذي نشهده في الإدارة العامة للدولة، حيث تطور الأمر، إلى تغول على السلطة من جانب، يقابله مجاملات على حساب الصالح العام، مقابل منافع شخصية كنتيجة متوقعة لتشكل هذه الثقافات.

إن الإمتثال القصري، لإرادة القبضة الأمنية، يجعل مفهوم الدولة العصرية، القابلة للتطور والحداثة في مهب الريح، إن الخوف على الوطن، من رفع سقف الحريات، خوف زائف، وهو الذي يجب أن نخاف على الوطن منه في قادم الأيام، وبرسم الخوف على الوطن وقيادته نتساءل: هل تتوفر لدينا إرادة التغيير قبل فوات الأوان؟ وهل لدى من يديرون الشأن العام القدرة على إدارة التغيير المنشود؟

إن الإصلاح السياسي مطلب شعبي بإمتياز طال انتظاره، إلا أن مفهوم التنمية السياسية لدينا للأسف، مفهوم غامض، لا وجود له على أرض الواقع، ولا يوجد إرادة في هذا الجانب، على الرغم من وجود وزارة معنية في هذا الشأن، إن النهج القائم في تشكيل الحكومات الأردنية لم يعد قادراً على مواكبة التغيّرات التي طرأت على البيئة الإستراتيجية، وتحديداً البيئة الوطنية منها، على الرغم من أهمية البيئات الأخرى (الدولية والإقليمية)، وآن الأوان للتغيير في هذا النهج لضمان الديمومة والحفاظ على الوطن وقيادته، إن تعزيز الفشل نهج لا بد وأن يتوقف، ففي الديموقراطيات الحديثة عادةً ما يتم تعزيز النجاح، لكن ما هي النجاحات التي تحققت حتى نعززها؟ ماذا أعددنا على امتداد عمر الدولة قبل ان نصل الى هذا المأزق؟ وهل فشلنا في استشراف المستقبل للحفاظ على الوطن ونظامنا السياسي العظيم؟ هل ما نحن فيه من أزمات هو نتاج النهج القائم؟ أين اخفقنا حتى نصحح المسار؟ وهل لدينا الجرأة أن نعترف بالفشل، وأننا نسيرُ بانحدارٍ مُرعب، باتجاه المجهول؟ أين نحن من هرمية التخطيط الإستراتيجي في الدولة بدلاً من الجزر المعزولة في التخطيط إن وجد؟ حيث تتربّع القيم الوطنيّة على رأس الهرم الوطني في التخطيط الإستراتيجي وتُبنى ويحافظ عليها كأولوية في هيكلية التخطيط والإهتمام، من خلال نهج التخطيط الإستراتيجي السليم لعقل الدولة (الحكومة المركزية) والذي تناط به المسؤولية المباشرة في إدارة شؤون الدولة، إن الحفاظ على قيَمِنا الوطنية، هي مسؤولية الدولة، بكافة مؤسساتها، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال، أن تترك دون وجود خطط وطنية، تحافظ عليها، وعلى ديمومتها وحسن تشكيلها لأنها المرجع الأساس في هرمية التخطيط الإستراتيجي للدولة.

وللإجابة على التساؤلات أعلاه، استطيع القول، وعلى الرغم من أن الكأس ليست فارغة، الا أن إخفاقاتنا كثيرة، لقد أخفقنا وفشلنا فشلاً ذريعاً على المستوى الوطني في التنمية السياسية، وللأسف كنّا نعزز الفشل في هذا الإطار، وتُهْنا في الطريق بين اليمين واليسار واستغلينا بخُبْث بعض الأحزاب القائمة والمُتهالكة والمُتنفّعة في دعم خيباتنا، وفي جوانب أخرى إسْتَهدفْنا الشخصيات الوطنية الوازنة، وفَتتنا العشائر الأردنية بمباركة من مؤسسات الدولة، وعَمّ الفساد، وانسحقت الطبقة الوسطى، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة، وارتفعت المديونية لنسب خطيرة، وما رافق ذلك كُلّه من ترهل مُرعِب في الإدارة العامة للدولة، وحدِّث ولا حرج عمّا يُعانيه التعليم، لكن من المسؤول عن كل هذه الخَيْبَات؟ ليكُن لدينا الجرأة، لنقول، بأن المسؤولية مشتركة لكل مؤسسات الدولة! إن التموضع في المنطقة الرمادية لتحقيق أهداف شخصية، وتحديداّ عندما يتعلق الأمر بالوطن ونظامه السياسي، هو خيانة بحد ذاته، وآن الأوان أن نعترف بخيباتنا وأن مسؤولية الإخفاق والفشل مشتركة.

هل من مخرج؟ الجواب نعم، علينا أولاّ أن نعترف بأننا أخفقنا في إدارة جميع هذه الملفات، وعلينا أن نعترف ايضاً بأن الشعب هو مصدر السلطات لكي تستقر الحياة السياسية وبما يسمح بالمسؤولية المشتركة في إدارة هذه الملفات، وعليه، وفي إطار تغيير النهج، آن الأوان أن نسير بخطى ثابتة نحو الحكومات البرلمانية، وأن نعيد السلطة إلى الشعب، وحتى نزيد من فرص النجاح علينا أن نعمل على إطلاق الحريات العامة والتوافق على قانون إنتخاب يسهم في تشكيل أحزاب وطنية برامجية فاعلة لا تلك التي أُريد لها أن تتكاثر كالفطر دون جدوى، إن قانون الإنتخاب الحالي قانون ظالم للوطن يُقسّم المُقسم، ويفت في عِضد الوطن.

والسؤال الذي علينا أن نطرحه هو: هل إن إعادة السلطة إلى الشعب من خلال التداول السلمي للسلطة يجب أن تكون فورية؟ أعتقد بأن الجوب كلّا! لأسباب لها ما يبررها، فحجم التدمير في بنية المجتمع أصبح كبيراً، يقلل من عوامل النجاح، وبحاجة مُلحّة إلى إصلاح، وعليه فلا بد من إستراتيجية وطنية صادقة، ضمن ضوابط هرمية التخطيط الإستراتيجي الشامل للدولة، تؤطر لمسارات متوازية تحقق الأهداف المرجوة، وتلغي نهج الإقصاء والإستهداف للشخصيات الوطنية الوازنة ونهج التوريث في المناصب، لصالح نهج الأكثر كفاءة وأقل مطواعية للفساد تحت مظلة الدستور، والثوابت الوطنية، وبما يحمي نظامنا السياسي، وأن يسبق ذلك كلّه مُصَالحة وطنيّة تستوعب الشعب بكل فسيفسائه.

 وإذا ما توفرت النيّة الصادقة في تغيير النهج فإن الأوراق النقاشية لجلالة الملك تَعْرِض رؤيةً واضحةً لمسيرة الإصلاح الشامل، وتُحدّد معالم الطريق على مشوار الإصلاح الطويل الصادق والمتدرج، حيث ان خيار الحكومات البرلمانية هو جزء من هذه الرؤية الشاملة للإصلاح، إلا أن الهواجس حول تبني هذا الخيار دون الإعداد له كثيرة ويتعلق جلّها في قدرة الإدارة العامة على إسناد هذا الخيار بمنتهى الحياد، وفي نفس الوقت، هل تشريعاتنا تتوائم مع هذه التطلعات؟ ان مثل هذا الإستحقاق يستدعي الإعداد المناسب والتدرج في التنفيذ، وتعزيز النجاحات المتحققة، إذ أن اي انتكاسة في التطبيق سيكون لها تداعياتها، وعليه، فالنموذج الأمثل هو التقدم التدريجي في هذا الخيار، وعلى مراحلَ تكون محددة سلفاً، وضمن استراتيجية وطنية واضحة المعالم، تؤطر لها الدولة بكافة مؤسساتها وفي إطار هرمية التخطيط الإستراتيجي الشمولي في الدولة، وصولاً إلى أحزاب ناضجة سياسياً تؤسس لتداول سلمي للسلطة (حزب أو ائتلاف الأغلبية البرلمانية يقابله في البرلمان حزب أو ائتلاف المعارضة) والضامن لهذا التداول السلمي هو صلاحيات الملك من خلال دستورنا العظيم.

 وعليه فأنه لا بد من وضع هذه الإستراتيجة في إطار زمني يتم من خلاله تقييم الأداء، والبناء على النجاحات المُتَحَقِقة، والإستفادة القصوى من الدروس المستفادة في التطبيق، مما يبرز أهمية البدء مبكراً بخطوات تمهيدية تشمل توجيه مختلف القوانين والتشريعات بما يتلاءم ومتطلبات الحاضر والمستقبل، تشريعات عصرية تُحَصّن الإدارة العامة وتمنع تَسْيسها، أو جعلها عرضة لتجاذبات الأحزاب والساسة، ما نريده في هذا الإطار مؤسسات دولة كفؤة، قادرة على حماية الديموقراطية، فالحكومات البرلمانية الكفوء هي القادرة على تسيير (الشؤون العامة) للدولة، وتحقيق اهدافها الوطنية، بالتنمية والرفاه، وفقاً لمعايير العدالة والشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للثروة والفصل بين السلطات.

نثق بجلالة الملك أن يعلنها ثورة بيضاء للتغيير قبل فوات الأوان، فالتغيير بحاجة إلى إرادة وقيادة، وجلالة الملك حفظه الله هو أهل لها وليس غيره من هو أهلاً لها، عندها ستجد الوطن بقضه وقضيضه خلف جلالة الملك، فالتغيير فيه الخير الكثير للوطن، وسنأخذ من خلاله الوطن الحبيب إلى المستقبل، إن لم نُبادر ونفعلها سنضعف الوطن وسنسمح لأعدائه للتدخل في شؤونه، تحت مسوغات واهية نحن الأقدر على مجابهتها، فالطبيعة لا تقبل الفراغ.

أختم بالقول إن العبور الآمن للوطن الحبيب في ظل ما يواجهه من تحديات مصيرية يتطلب ما يلي:

إستراتيجية وطنية صادقة، ضمن ضوابط هرمية التخطيط الإستراتيجي الشامل للدولة، تؤطر لمسارات متوازية ومتوازنة تحقق الأهداف المرجوة من توجهات جلالة الملك حفظه الله للإصلاح السياسي، وتلغي نهج الإقصاء والإستهداف للشخصيات الوطنية الوازنة ونهج التوريث في المناصب لصالح نهج الأكثر كفاءة وأقل مطواعية للفساد تحت مظلة الدستور والثوابت الوطنية وبما يحمي نظامنا السياسي العظيم.

ضمان المشاركة السياسية لجميع الأردنيين ضمن هوية الوطن الجامعة وفسيفسائه العظيم، والإبتعاد عن سياسة الإقصاء العقيمة.

التنمية الإقتصادية تتطلب إعادة النظر بأذرع السياسة الاقتصادية للدولة والمتمثلة بالسياسة المالية والسياسة النقدية، فكيف لوطن ان ينمو ويزدهر في ظل سياسة مالية عقيمة تتبنى سياسة ضريبية جائرة على حساب الإدخار على مستوى الفرد والمؤسسة الإقتصادية، مُحاربة في ذلك الإستتثمار في المشروعات الصغيرة بأبسط اشكالها، وكيف لوطن ان ينمو ويزدهر في ظل سياسة نقدية عقيمة ترفع سعر الفائدة على القروض البنكية الأمر الذي يحد من السيولة النقدية ويحارب الإستثمار على مستوى الفرد والمؤسسات الإقتصادية في المشاريع الصغيرة بأبسط اشكالها ايضاً، وما آلت اليه هذه السياسات من سحق للطبقة الوسطى، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وارتفاع أرقام المديونية لنسب خطيرة.

إطلاق الحريات العامة وإخراج موقوفي وسجناء الرأي من السجون.

مُصَالحة وطنيّة تستوعب الشعب بكل فسيفسائه.

إطلاق حوار وطني صادق وهادف للتوافق على قوانين الإصلاح السياسي، يتوج بعد إقرارها بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة حرة نزيهة بعيداً عن التدخلات الأمنية.

أعرف بأن ما أتحدث به سيغضب البعض، لكن على هذه الأرض ما يستحق التضحية، فالحياد عندما يتعلق الأمر بالوطن وقيادته، خيانة، والمرجفون لا يبنون وطناً، ولا يستطيعون دفع المخاطر عنه في حالك الأيام، هذه إضاءة لما سيعزز سبل النجاح للإصلاح السياسي المنشود، سيبقى الوطن بخير رغم كل الظروف القاسية التي يمر بها، وسيبقى الهاشميون منارات يهتدى بها رغم أنف الحاقدين.

حمى الله الوطن وقيادته الهاشمية الملهمة وشعبنا الطيّب العظيم